لماذا تقاتل السعودية في سوريا ؟

17-01-2013

لماذا تقاتل السعودية في سوريا ؟

 جولة (الجمل) على الصحافة الإيرانية:

لماذا تقاتل السعودية في سوريا؟

 
تقف سوريا سداً منيعاً في وجه الأطماع السعودية في العالم العربي، وتحول موضوع تباين الايدولوجيا والجغرافيا السياسية بين البلدين إلى ساحات للمنافسة في المناطق المشتركة النفوذ، إلا أن الأزمة السورية الحالية أوجدت فرصة مواتية لآل سعود للإطاحة بأحد معارضيهم الشديدي المراس في المنطقة وهو الرئيس السوري بشار الأسد.
أدت التحولات في العالم العربي عام2011 إلى حدوث تغييرات جذرية في الشرق الأوسط على الصعيد السياسي والأمني لمسنا بعض أثارها في تفكك التحالفات وظهور ائتلافات جديدة بين اللاعبين الفاعلين في المنطقة. أحد هؤلاء اللاعبين الذين وقفوا بقوة في موقع دفاعي في خضم انتفاضات المنطقة كانت السعودية باعتبارها أحد الدول المؤثرة في الشرق الأوسط.
شكل سقوط مصر، تونس، اليمن والأزمة في البحرين إحدى المشاهد التي أثرت بشدة على مناطق نفوذ السعودية وأجبرتها على اتخاذ مواقف إزاء هذه الأحداث. لكن مساعي دمشق للتعامل مع أزمتها الداخلية والتخفيف من حدتها جعل السعودية في موقع يسمح لها بإدارة الأزمة الواقعة على أطرافها لتتخذ مواقف هجومية ضد سوريا.
لبحث مناطق التصادم وتضارب المصالح بين سوريا و السعودية سنعرض في البداية أهمية التغييرات في سورية وتأثيرها على السعودية على الصعيد الإيديولوجي و الجيوسياسي وسنتناول تعاطي السعودية واللاعبين الأخريين في ما يجري من أحداث.
السياسة التي تنتهجها السعودية إزاء تحولات المنطقة:
بشكل عام تركز السياسة الخارجية والأمنية السعودية بثبات على إتباع سياسة الحفاظ على الوضع القائم تجاه ما يجري في محيطها وفي مناطق النفوذ. حيث تعتبر سياسة الحفاظ على الوضع القائم السياسة الأمنية الرئيسية للمملكة السعودية في سياق الائتلاف مع الغرب. وتشكل هذه السياسة حجر الأساس في الرؤية السعودية إلى الحراك الحالي،لكن المملكة لن تتحمل بأي شكل مغامرات على صعيد المنطقة وخاصةً في محيطها. وإن تحليل محصلة السياسة الخارجية السعودية بعد الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم يؤكد هذا الأمر،حيث تبنى هذه السياسة على 4 مؤشرات؛هي:
1-الحد من امتداد الأزمة.
2-ادراة الأزمة.
3-انتقال الأزمة.
4-تهيئة الأجواء.
إن تحليل ومقاربة التحولات والأزمات التي وقعت في البحرين واليمن وسوريا يمكن أن يشكل مثالا حقيقيا على المؤشرات الأربعة السابقة.
 
أهمية التغيرات في سوريا وتأثيرها على استمرار الدور السعودي في المنطقة:
تتهم السعودية سوريا بأنها تشكل تهديداً لسياستها الساعية للمحافظة على الوضع القائم وذلك عبر دعمها لحركات المقاومة ونشرها ثقافة المقاومة في المنطقة وهذا ما تعتبره خطراً على مصالحها وعلى مستقبل المملكات و المشيخات التقليدية.
الأهمية الجيوسياسية:
يظهر تعاطي السعودية سياسياً وأمنياً مع دول المحيط أنها تسعى لتكون محور الجغرافيا السياسية في المنطقة وتطمح للعب دور صانع السياسات الأمنية المتناغمة المحددة الهوية والدولة الأقوى في الشرق الأوسط. وتكمن أهمية التغيير في سوريا بالنسبة للسعودية على الصعيد الجيوسياسي في:
-التوازن الإقليمي مع إيران.
-تدخل سوريا في لبنان وفلسطين-مناطق نفوذ السعودية-
التوازن الإقليمي مع إيران:
يمكن تلمس آثار المواجهة الإيرانية-السعودية من خلال المنافسة الجيوسياسية والإيديولوجية بينهما، حيث يعتبر تفعيل محور الحلفاء ودعمهم مؤشراً على المنافسة بين البلدين .وبينما كان العراق يعتبر إحدى المناطق الرئيسية للصراع بين إيران والسعودية فقد توسع وانتشر هذا النوع من المواجهة لتشمل كل المناطق الجغرافية في سوريا ولبنان والبحرين واليمن.
 
تعتبر قضية توازن القوى أحد العوامل الرئيسية للاستقرار والأمن إلا أن هذا التوازن بدأ يأخذ منحىً جديداً مازال في طور التشكل.
يعتبر الدعم السياسي والأمني والجيوسياسي الأمريكي المحور الرئيسي لنشوب صراعات وظهور أقطاب متضادة في الجغرافيا السياسية الجديدة الأمر الذي يصيب ميزان القوى الإقليمية بالاختلال. ويشير سلوك الحكومة السعودية  إلى رغبتها بعدم السماح باستمرار تصاعد قوة إيران وزيادة نفوذها في المنطقة، وبما أن السعودية تعتبر الدولة السورية بوابة إيران إلى المنطقة فإن هذا يدفعها لاتخاذ خطوات لمواجهة النظام السوري بهدف العمل على محاولة تهميش النفوذ الإيراني في المنطقة أو احتواء نموذج الثورة الإسلامية في العالم العربي الذي تم التعبير عنه من خلال ما سمي بالهلال الشيعي.
ترى السعودية أن نطاق هذا التهديد قد اتسع بعد الصحوة الإسلامية وتعتبر أن تقارب حركات المقاومة وخاصةً التقارب السوري- الإيراني يصيب ميزان القوى الإقليمية بالخلل ويهمش دور السياسات السعودية لذلك فهي تسعى من خلال تنسيقها مع الحلف الغربي العربي للحد من نفوذ ايران في الشرق الأوسط عن طريق دعم جماعات المعارضة في سوريا.
يعتقد المسؤولون السعوديون وأصحاب القرار أن سقوط النظام السوري يمكن أن يحد من موقع ودور سوريا الداعم لحركات المقاومة في المنطقة وينهي النفوذ السوري في لبنان وفلسطين اللتين تعتبرهما السعودية مناطق نفوذها الحيوية، وأنه بسقوط النظام السوري يعاد التوازن للمعادلة الإقليمية المختلة في أعقاب تحولات العالم العربي الأخيرة .
نفوذ سوريا في المناطق الحيوية السعودية :
كان للوجود الملموس للحكومة والجيش السوري في لبنان تأثيره على السياسة الداخلية حيث قدمت دمشق مساعدات كبيرة جداً للمقاومة اللبنانية والحركات الفلسطينية المقاومة وقد حاولت السعودية بقوة تغيير المشهد السياسي هذا عبر ترتيبات سياسية تكون في صالحها من خلال تقديم الدعم لسعد الحريري وتيار المستقبل لكنها لم تنجح حتى اليوم، وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة اللبنانية الحالية لا تحظى بالرضا السعودي.
مع اغتيال رفيق الحريري وجّه بعض الزعماء اللبنانيين والعرب والساسة في الغرب أصابع الاتهام إلى سوريا وإيران وحزب الله. وبما أن السعودية تعتبر حتى هذه اللحظة أن الدور السوري في لبنان هو عبارة عن تدخل في مناطق نفوذها الحيوية لذلك فقد قامت بدور فعّال إلى جانب الدول العربية الأخرى بالطلب من الأمم المتحدة لتمارس ضغوطات دولية فكان إصدار القرار 1559 الذي أجبر سوريا على الخروج من لبنان بعد التواجد قرابة عقدين من الزمن.
أصبح للسعودية تأثير على الساحة اللبنانية بعد ظهورها كوسيط في عقد  اتفاق الطائف عام 1989 الذي أوقف نيران الحرب الأهلية اللبنانية وبعد عقد مؤتمر الطائف لعبت السعودية دوراً هاماً في إعادة إعمار لبنان عن طريق الملياردير اللبناني المناصر لآل سعود رفيق الحريري والذي أصبح عام 1992 رئيس وزراء أول حكومة لبنانية تشكل بعد الطائف ، الأمر الذي أدى إلى تعاظم النفوذ السعودي داخل لبنان سياسياً واقتصادياً وهذا يدل على حساسية السعودية تجاه التدخل السوري في لبنان.
من جهة أخرى أدت مواقف دمشق تجاه إسرائيل إلى أن تصبح سوريا أهم دولة مواجهة تقف ضد سياسات الكيان الصهيوني في المنطقة. فبعد حرب عام 1967 التي مني العرب على إثرها بهزيمة قاسية دخلت علاقات الدول العربية مع الكيان الصهيوني مرحلة جديدة  حيث قامت مصر والأردن بعد الحرب الثالثة عبر اتفاقية كامب ديفيد 1987 واتفاقية وادي عربة 1991 باسترجاع أراضيهما المحتلة مقابل الاعتراف رسمياً بإسرائيل، وعلى عكس الدول العربية منحت سوريا اللاجئين الفلسطينيين الذين قدموا إليها خلال مدة الحروب الثلاثة "بطاقات شخصية " ورفضت الاعتراف رسمياً بإسرائيل فتحولت دمشق إلى مركز لحركات المقاومة.
بعد انسحاب مصر والأردن تحولت سوريا إلى الركيزة الرئيسية في المواجهة لتحرير فلسطين وهذا الأمر يتعارض مع السياسات السعودية التي تعتبر نفسها زعيمة العالم العربي وتعتبر دورها محورياً في عملية السلام العربي- الإسرائيلي.
على الرغم من الاتهامات التي وُجهت للمسؤولين في الرياض يعتقد بعض المراقبين أن الحكومة السعودية كانت معتدلة في مواقفها اتجاه الصراع العربي الإسرائيلي ومن جملة المؤشرات التي يستدل بها على ذلك هو طرح السعودية لمبادرة سلام وافقت عليها الجامعة العربية في مؤتمر قمة الرؤساء الذي عقد في بيروت عام 2002 حيث تضمنت هذه الخطة اعتراف كل الدول العربية بإسرائيل بشكل رسمي مقابل إعادة تل أبيب كل الأراضي التي احتلتها في حرب حزيران 1967. لذلك يعتقد السعوديون أنه في حال سقط النظام الحالي في سوريا وآلت السلطة إلى تيار يتماهى مع سياستهم في المنطقة فعندها يصبح من الممكن اتخاذ خطوة جدية في سبيل إيجاد مقومات تشكل أرضية مناسبة للسلام والتوصل إلى توافق نسبي بين الدول العربية وإسرائيل حيث سيكون للسعودية في هذه المعادلة الدور الأبرز.
الأهمية الإيديولوجية :
المواجهة بين خط المقاومة و العرب المحافظين :
أحد مشاهد المواجهة بين السعودية و سوريا يعود إلى السياسات السورية المتبعة في المنطقة، دائماً ما اتهمت السعودية سوريا بأنها تشكل خطراً على مصالحها ومستقبلها ومستقبل الممالك المحافظة من خلال الدعم الذي تقدمه لحركات المقاومة ونشرها ثقافة المقاومة في المنطقة. لقد أقامت سوريا تحالفات في لبنان والأراضي المحتلة دون الأخذ بالحسبان إيديولوجيا الحلفاء وذلك بسبب افتقارها للمصادر والموارد الكافية لاستمرار السياسة التي تتبعها دمشق.
فمنذ عصر الرئيس الراحل حافظ الأسد تمكنت سوريا من تأسيس تحالفات مع دول النفط العربي والاتحاد السوفيتي وإيران الإسلامية حيث واجهت هذه التحالفات حالات مختلفة من التعاظم والانخفاض وفشلت مرات.
في الواقع أن تقابل الإيديولوجيتين السورية والسعودية دائماً ما كانت ترخي بظلالها على رؤية وشكل تلقي كلا البلدين للأخر. لكن المملكة السعودية وبعد رحيل الرئيس حافظ الأسد وتسلم الرئيس بشار الأسد السلطة لم تكن تتطلع بنظرة ايجابية إلى سوريا لأن الرئيس بشار الأسد اتبع سياسات مستقلة وسيادية أكثر من سياسات الدول العربية الأخرى ولذلك فقد شكلت الأزمة السورية فرصة مواتية للسعودية لتجعل من السياسات العربية التقليدية المحافظة في موقع أفضل بعد السقوط السوري.
نشر وتوسيع المرجعية السعودية والخطاب السلفي :
أحد المؤشرات الأخرى التي تدفع السعودية للتدخل في سوريا وتعزيز جبهة معارضي الرئيس الأسد هو طرح نموذج النظام البديل في المنطقة بتوجه إيديولوجي سلفي يدعو إلى رفض ما تدعيه المملكة من حكم الأقلية للأكثرية في سوريا. حيث يعتبر السلفيون الحامل الرئيسي للخطاب الإسلامي المتطرف و المتماهي بنسبة كبيرة مع تنظيم القاعدة.
تسعى السعودية من خلال إيجاد مناخ لشحن التوتر المذهبي إلى توظيف هذا العامل وإظهار التقابل السني الشيعي في محاولة للسيطرة على المعارضين في الداخل السعودي وهم من الشيعة وان تبدو وكأنها من يحمي حقوق السنة في السعودية من خلال دعمها المعارضة السنية في سوريا.
تعد جماعة الإخوان المسلمون أكثر مجموعة منظمة وهناك احتمال أن تتمكن مع مرور الوقت من ملئ فراغ السلطة في سوريا، إذ قدمت الرياض طوال ثلاثة عقود مضت كل الدعم للمعارضين السوريين الفارين وخاصة للإخوان المسلمين والسلفيين المتطرفين وقامت باستخدامهم في المؤسسات الثقافية والجامعية والتعليمية السعودية.
آفاق الدور السعودي في المنطقة :
نظراً لأهمية التحولات البنيوية السورية على الصعيد الجيوسياسي والأيديولوجي والتي ستكون حاسمة بالنسبة للسعودية من خلال تحديد طبيعة التطورات في المنطقة ونوع التحالفات بين اللاعبين وبشكل عام ديناميكية الشرق الأوسط، يعتقد المحللون أن الدور السعودي في ظل التحولات العربية قد أصيب بالجمود مقابل تعاظم الدور التركي والقطري والمصري، وتجدر الإشارة هنا إلى أن التغيرات التي تنبع من قلب أزمات المنطقة تعد أجواء مناسبة لبعض اللاعبين يمكنهم الاستفادة منها للقيام بدور إقليمي.
أما قطر فهي دولة ضعيفة وتفتقد للقوة الإستراتيجية تحاول عبر توظيف القوة المالية والإعلامية وعلاقتها مع الولايات المتحدة أن تلعب دورا إقليميا في المنطقة، كما أن مصر الخارجة من خضم تحولات ثورة يونيو وبسبب انشغالها في توطيد الأوضاع الداخلية بسبب الوضع الاقتصادي أو بشكل أدق بسبب المشكلات الاقتصادية البنيوية التي تعاني منها فلن تتمكن من تشكيل قوة إستراتيجية رئيسية مؤثرة في المنطقة، لذلك فإن هناك اعتقاد سعودي ينبئ بأن آفاق التحولات و الأحداث في حالة السقوط السوري ستتجه إلى أن تصبح السعودية صاحبة اليد العليا في المنطقة.
في حال سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وتشكيل حكومة دينية معتدلة سوف تسقط المنطقة أكثر من أي وقت مضى في جبهة السياسات التقليدية العربية المحافظة، وإذا ما أصبح هذا الطرح واقعياً فإننا سنشهد تصاعداً للدور السعودي الذي همش في السنوات الأخيرة واستعاد عافيته بعد تحولات العالم العربي عام 2011 ،أما في حال تحقق السيناريو الثاني أي بقاء النظام السوري فإنه من الطبيعي أن تتصاعد حدة المواجهة بين البلدين لنشهد منافسة تمتد جذورها إلى ما تعتبره السعودية مناطق نفوذها في لبنان وفلسطين وكما أن المنافسة الإقليمية مع ايران ستتصاعد هي الأخرى.

كامران كرمى :خبير في قضايا الخليج  
المصدر : برهان

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...