شركات الصرافة بين تهمتين : بيع القطع الأجنبي دون التقيد بسقف قانوني وجر سعر الصرف لحدود قياسية
تجاوز الدولار الأميركي حاجز المئة ليرة سورية للمرة الثالثة خلال الأزمة في تعاملات السوق السوداء وسط حذر شديد يخيم على السوق يرافقه تعاملات في أدنى المستويات لكشف هدف الدولار أمام الليرة، حيث يرتقب المضاربون ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي بغرض بدء عمليات البيع وجني الأرباح، وخاصة أن أغلب التعاملات في السوق السوداء أصبحت مقتصرة اليوم على رهانات المضاربين
في ظل قرارات للمصرف المركزي بخصوص التدخل في سوق القطع الأجنبي تتصف –حسبما بيّن الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق د. عابد فضلية بالغموض، لذلك فإن شركات الصرافة وتجار السوق السوداء هم الذين لهم -كما قال- الكلمة الفصل في تحديد قيمة القطع، وليس المصرف المركزي، الذي بدلاً من أن يفرض سعر الصرف أو يشده في السوق بالاتجاه الذي يريد، يسمح لهذه الشركات وهؤلاء التجار بفرض السعر والتحكم فيه وبالتالي ينجحون بتحديد سعر السوق السوداء، وبجر السعر الرسمي للمصرف المركزي وشد سعر تدخله بالسوق.
وفي هذا السياق انتقد مصدر اقتصادي مطلع أن يكون سعر التدخل لدى شركات الصرافة هو 95.5 ليرة للدولار مثلاً، فيما يكون السعر في نشرة تدخل المركزي هو 83.46 علماً أن البنك المركزي هو الذي يرسل السعر لهذه الشركات بشكل يومي.
خلل في شركات الصرافة
لا تتوقف معاناة المواطنين مع شركات الصرافة للحصول على القطع الأجنبي عند حدود أغراض الادخار أو السفر أو الحاجات الشخصية والتي لا تتعدى سنوياً 1000 أو 5000 دولار أو يورو رغم أن قرار البنك المركزي الأخير يسمح بالحصول عليها حتى حدود 10 آلاف يورو سنوياً على دفعتين، لكن معاناة الحصول على القطع تمتد للعمليات التجارية أيضاً، ففضلية يشير إلى خلل يتعلق بآلية وكيفية تمكن المستوردين من الحصول على القطع الأجنبي من المصرف المركزي بالسعر الرسمي، والمشكلة تكمن بالآلية الغريبة والمعقدة -حسب وصفه- التي يتبعها ويُصر عليها المصرف المركزي في تسليم وبيع هذا القطع (الذي يتم غالباً إن لم نقل حصراً)، من خلال شركات الصرافة، التي اعتمدها المصرف المركزي كوسيط مقابل عمولة، في حين هناك شواهد وإشاعات كثيرة تُدلل على أن بعض هذه الشركات لا تكتفي بنسبة العمولة، بل تُقاسم المستورد وتُشاركة بحصة (قد تصل إلى 40%) في الفرق بين قيمة القطع بالسعر الرسمي وقيمته بالسوق السوداء، وإلا فلا يوجد قطع، وهذا الخلل غير قانوني -حسب فضلية- ويخالف تعليمات وتشريعات المصرف المركزي، لذا يقترح لحل هذه المشكلة منح قطع التصدير بالسعر الرسمي عبر المصارف العامة حصراً، التي لا يستطيع موظفوها أن يخالفوا، وإن حاولوا فيبقى ذلك في حدود ضيقة جداً لوجود آليات مؤسسية ورقابية تحكم عملهم.
مدى مسؤولية المركزي
يختلف المحللون والمراقبون قي تحميل المركزي مسؤولية تقلبات سعر الصرف ومضاربات السوق، حيث يؤكد د. فضلية بأنه من الصعب تصديق الادعاء بأن المصرف المركزي لديه سياسة نقدية عليا شاملة منسجمة متماسكة، بل الأصح أنه يختزل هذه السياسات بإجراءات وقرارات وتعاميم متفرقة يتخذها تجاه هذه أو تلك من المتغيرات، وهذا ما ينطبق تماماً على قراراته بخصوص التدخل في سوق القطع الأجنبي، التي تتصف بالغموض وحتى عندما يتخذ أحد القرارات السليمة في هذا الإطار يتبين إما عدم وجود آلية لتنفيذ مضمونها أو عدم صحتها وفعاليتها.
بينما يبرر مدير عام المصرف التجاري السوري أحمد دياب اتخاذ البنك المركزي عدة قرارات تسمح ثم تمنع ببيع وشراء القطع الأجنبي من دولار ويورو، بالقول: بتاريخ 22/11/2012 كان لابد من التدخل من خلال المصرف التجاري من خلال بيع الدولار بداية واستمرت هذه العملية لمدة أسبوعين ثم تحولنا لليورو، وهذا التحول ليس اعتباطياً وإنما كان بناء على توجيه للسيد رئيس مجلس الوزراء وبناء عليه يمكن الحصول حتى تاريخه على 10000 يورو لكل مواطن سنويا بسعر التدخل أي بنحو 124 ليرة، وبالنسبة لشركات الصرافة فهي تعطي القطع حسب توفره ويفترض أن تؤمنه من موجوداتها ومواردها، ورغم أن المركزي حصر بيع القطع حالياً بالتجاري السوري ولكنه يتدخل حالياً ويسمح بالصرف من خلال بعض مكاتب الصرافة.
وأكد دياب أن لا يوجد من ضمن القائمة التي أعلن المركزي عنها مؤخراً والتي تضم نحو 700 اسم لأشخاص تجاوزوا السقف المسموح لهم تقاضيه من القطع الأجنبي، أي واحد منهم تجاوز السقف عن طريق المصرف التجاري السوري وإنما معظم التجاوزات تمت عن طريق شركات الصرافة، مؤكداً بأن التجاري السوري لديه برنامج تحقق للتأكد بأنه المواطن الذي يحصل على القطع تنطبق عليه شروط المنح وبالتالي لا يوجد عمليات للتجاري السوري عليها أية مشكلة.
وأضاف دياب: المصرف المركزي لا يتحمل مسؤولية، ولكن الظروف والأزمات تنعكس على سعر الصرف مبيناً بأنه من شأن الاستمرار في تمويل المستوردات والعمليات التجارية أن تساهم في استقرار سعر الصرف.
وكذلك يعتبر الأستاذ في كلية الاقتصاد د. أكرم الحوراني أنه انجاز جيد ألا تفقد الليرة السورية أكثر من نصف قيمتها فقط خلال عامين على بدء الأحداث في سورية، متمنياً على البنك المركزي التدخل أكثر للحفاظ على السعر أكثر حتى لا ترتفع تكاليف المعيشة على ذوي الدخل المحدود، واعتبر أن الذي يستطيع التدخل بالسوق يمكنه الحفاظ على سعر الصرف وهذا الأمر مرهون بتوفر موارده، ويفترض أن يملك البنك المركزي هذه الوفرة.
وهذا بالضبط ما أشار إليه المدير العام السابق للمصرف العقاري د. عابد فضلية والذي نوه إلى أن الحصار والعقوبات الاقتصادية والتدخل الخارجي المشبوه والظروف الأمنية، وبالتالي صعوبة الرقابة على أنشطة السوق بشكل عام، تحد وتقلل من فعالية ونجاعة أي تدخل من قبل المصرف المركزي في سوق القطع الأجنبي.
ورأى فضلية بأن المضاربات في سوق القطع الأجنبي، وخاصة مع وجود شركات صرافة مرخصة والعديد من كبار تجار العملة الذين لهم مصالحهم الخاصة، هي سبب رئيس لرفع سعر القطع الأجنبي في السوق، بالتالي، وفي ظل الظروف المتشابكة والمعقدة فإن القضاء على المضاربات بشكل كامل أمر صعب، بينما يمكن لجمها والحد منها بتشديد الرقابة على السوق من قبل المصرف المركزي والجهات المختصة، وبتطبيق العقوبات القانونية الرادعة، وذلك بالتوازي مع تدخل إيجابي فاعل وليس منفعل من قبل المصرف المركزي، بضخ الكميات المناسبة من القطع، بالوقت المناسب، وبالآلية التنفيذية السليمة، وأن تتسم الخطط والجهود التدخلية للمصرف المركزي (الكمية والنوعية والتوقيت الزمني) بالسرية التامة.
رغد البني
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد