سوريا وحروب الغاز
يقول خبراء الطاقة إنّ القرن العشرين كان قرن النفط بامتياز، لكن القرن الحادي والعشرين هو قرن الغاز، وإنّ مكانة أميركا العالمية في القرن العشرين المقرونة بهيمنتها على أسواق النفط وشركات التنقيب والتصدير النفطية مهدّدة بالانتقال لصالح روسيا كقوة موازية تملكها في أسواق الغاز وعجز واشنطن عن مجاراة موسكو في هذا المجال، وليست مجرد تكهّنات عن المعادلة التي تقول إنّ حروب أفغانستان 2001 والعراق 2003 ولبنان 2006 كانت آخر حروب النفط.
فأفغانستان ممرّ أنابيب الشركات الناقلة لنفط كازاخستان إلى الصين والهند، والعراق خزان احتياط النفط، ولبنان ممرّ بحري لأنبوب نفط يربط مرفأ جيهان التركي بحيفا آتياً من ضمن مشروع ناباكو لنفط كازاخستان إلى المتوسط وأوروبا، وأنّ الحرب على سورية هي أولى حروب الغاز، بالوكالة عن حليفيها الروسي والإيراني اللاعبين الكبيرين في سوق الغاز العالمية، وبالأصالة عن موقعها الجغرافي بين تركيابامتدادها الأوروبي وبين الخليج ( الفارسي ) من جهة، وموقعها على البحر المتوسط من جهة مقابلة، ما يمنح قيمة استراتيجية لأنابيب النفط، العابرة فيها.
وكانت قطر وتركيا لاعبين محوريّين في هذه الحرب كواقفين على طرفي الأنبوب الواصل من منابع الغاز القطري نحو أوروبا بتمويل ألماني، وها هي حرب قطر الحرب الثانية من حروب الغاز.– تقارب سوق الغاز العالمية الـ 300 مليار دولار سنوياً، تقتطع قطر ثلثها، وتتقاسم مع روسيا وإيران الأسواق، التي يتولى الروس تخديم الجانب الأوروبي منها، بينما يقوم القطريون والإيرانيون بتخديم الجانب الآسيوي.
وبعدما كانت واشنطن قد خاضت تجاربها لإنتاج النفط الصخري رداً على فشل حربيها في العراق وأفغانستان، وعادت فصرفت النظر عنه بسبب فوارق التكلفة عن نفط الخليج ( الفارسي ) من جهة، وتراجع مكانة النفط في مواجهة الغاز من جهة مقابلة، أنفقت الشركات الأميركية وقتاً ومالاً لإنتاج الغاز الصخري، وبلغت مرحلة الاستعداد لدخول الأسواق منذ مطلع العام، بطاقة تعادل 60 في المئة من طاقة قطر الإنتاجية وتبحث عن سوق تناسب إنتاجها، حيث ينافسها الغاز الروسي في أوروبا والغاز القطري في آسيا، وحيث تستعدّ روسيا وقطر لحماية حصصهما من الأسواق بتخفيضات في الاسعار إذا تمّت ستفلس الشركات الأميركية المستثمرة في الغاز الصخري، وليست الوكالة الممنوحة للسعودية لوضع اليد على قطر إلا جزءاً من هذه الحرب.
لكن الحماية الروسية والإيرانية لقطر واستقلالها وبقائها شريكاً تجارياً في سوق الغاز، ليس مجرد مناورة ولا تلاعبَ الخصوم، أو تكتيكات للاستثمار في سوق الأزمات بين شركاء الحرب على سورية، بل حركة استراتيجية تتصل باكتشاف مبكر لمغزى الأزمة القطرية الأميركية التي استدعي العرب لتغطيتها تمويهاً، كما كان الحال بتصوير حرب سورية ثورة ودعوات معارضة ومساعيَ إصلاح، وكلمة السرّ هي الغاز.– تنعقد اليوم قمة الرئيسين الأميركي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين.
وهي في المناسبة قمة يجلس فيها على طرف الطاولة، رجل أعمال يمثل شركاءه في سوق الغاز الصخري الأميركي هو دونالد ترامب، يعاونه وزير خارجية هوريكس تيلرسون يعرف تفاصيل ملفه عن ظهر قلب، وهو الآتي من موقع المدير العام لشركة أكسون موبيل، أحد كبار المعنيين بسوق الغاز الصخري ومدير عام سابق لشركة موبيل نفط غاز الروسية الأميركية المهتمّة بتنسيق المصالح الأميركية الروسية في سوق النفط والغاز، ويجلس قبالتهما على طرف الطاولة فلاديمير بوتين عرّاب شركة غاز بروم التي أعلنت استعدادها لتخفيض أسعارها إلى 3 دولارات للوحدة الإنتاجية، بدلاً من 5، مقابل 4 ونصف للغاز الأميركي المعروض على أوروبا، ويعاونه سيرغي لافروف مستشار الظلّ لغاز بروم.– الملفات الإقليمية ليست عائقاً للتفاهم وخريطة طريقها مرسومة من أيام مباحثات جون كيري وسيرغي لافروف.
وليس عبثاً أن تكون الملفات ترتبط مباشرة بسوق الغاز من أوكرانيا إلى سورية وصولاً إلى كوريا وبحر الصين، وكلمة السرّ ستكون قطر والسعي لتسوية سلمية للأزمة، كما كانت الحدود السورية العراقية كلمة سرّ موازية في الحسم الروسي الإيراني بوجه الخطوط الحمر الأميركية الحقيقية، لارتباط الحدود بأنابيب الغاز العابرة من إيران نحو المتوسط.
ناصر قنديل - البناء
إضافة تعليق جديد