رماح بوبو: حركة الشعر النسَوي السوري لافتة

04-01-2019

رماح بوبو: حركة الشعر النسَوي السوري لافتة

رماح بوبو شاعر سورية صدر لها ديوانان "تفاحتي وقد سرقتها " و"البحر يبحث عن أزرقه". فيمايلي حوار أجراه معها الناقد أوس أبو عطا:

* صدرت مجموعتك الشعرية الثانية (البحر يبحث عن أزرقه) في تونس، قبل أن تصدر مجموعتك الشعرية الأولى (تفاحتي وقد سرقتها)، بماذا تفسّرين هذا الحدث؟ 


ـ قال لي بعض الزملاء إنني محظوظة، ففترة انتظاري كانت قصيرة ولا تُذكَر مقارنةً بفترة انتظارهم. البيروقراطية هي السبب، فهي أحد أمراضنا المُزمنة في سوريا، أضف إليها ظروف الحرب التي أعطت المعنيين الكثير من المُسوّغات التي تبرّر تأخّر الإنجاز. وهذا يطال اتحاد الكتّاب العرب، فبرأيي أنه كان مُقصّراً، فأن يدعم الكتّاب قدر إمكانياته وأن يتابع نشاطاته الرتيبة لا يكفي كي نقول له مرحى. ففي الحرب كان يتوجّب عليه مغادرة كرسي الوظيفة إلى كرسي الشّغف والمسؤولية، ومُضاعفة نشاطاته وإتاحة المنابر للحوار وتشجيع الشباب الذي نطق وتعلّم الأدب في مدرسة الحرب والإعلان عن مسابقات ولو بجوائز تقديرية، لكن للأسف بالكاد سمعنا له صوتاً.
 
*"طقس الأمكنة" (القرب من العاصمة أو البحر أو الجبل أو ..أو )، هي من بين عوامل التعرية "الجيوثقافيّة" لكنها تترك آثاراً لا يراها إلا الناقِد والقارئ المُحترِف والمُنفتِح على (جغرافيّة النصّ الشعريّ). هل تعتقدين أنّ النصّ (الشعري النسَوي السوري الحديث) يُخالف غيره من الأقطار، سواءً داخلياً أو خارجياً في قماشته اللفظية، وصوَره الشعريّة؟

ـ الشّعر السّوري في الحرب ألغى الفارِق بين الأنثوي والذكوري لأن الموت بلونه الأحمر الوحيد طال الجّميع بلا تفريق وهذا ما جعل اللغة تفيض بالجثث التي وصلت روائحها إلى النّصوص. ومع ذلك أعتقد أن الشعر النسَوي السوري في حال حركة لافتة أكثر من باقي الأقطار وإن كان الوقت لا يزال مُبكراً على تقييمها ومقارنتها بغيرها، مع أني ألاحظ أن هذا الشّعر استطاع أن يتطاول على رهبة اللغة وهيبتها الموروثة فتجرّأ على اللعب بها أكثر وإضافة "بهاراته" السّورية الخاصة وهذا ما سيترك بصمةً باعتقادي.
 
* الكثيرات يحاولنّ طبع النصّ الإبداعي بمواصفات (الجنس)، وإلباس المنتوج الفكريّ أردية (الذكوريّة)، ووسم إبداع المرأة العربية بالعديد من المُسمّيات من نوع (الكتابة النسَويّة)، و(القصيدة الأنثويّة). كيف تنظرين لقصيدتك الشعريّة من منظور نقدي وتوصيفيّ؟


ـ قصيدتي تسعى لتكون قصيدة أنثوية، بما يعني أن تكون النّاطق بالذات الأنثى آلاماً وآمالاً ورؤية فتعلن مواقفها الاجتماعية والثقافية وتبوح بخصائصها النّفسية والجنسية على أن يسندني في هذا علاقة الأنثى الفطرية بالجمال، أمّا أين أنا مما أطمح إليه؟ متأكّدة أنني لم أزل في طور السّعي والمحاولة. أخاتل التابوهات بصوَرٍ وتراكيب موحية. أعارك الهيمنة الذكورية على موضوعات قصيدة النثر وبنائها. بالنّهاية أنا أكتب لأنني لا أريد أن أكون شاهِداً صامِتاً في معمعة الحياة.
 
* الشعر العربيّ الحديث، والمُبدعون العرب تشقّقتْ لُحْمَتهم، وانفرط عقدهم، وانفكّت عروتهم الوثقى بسبب وقوعهم في وسط عقدة الحبل التي يشدّ طرفيها (السياسيون)، و(الموظفون) حُرّاس الدواوين الثقافية في بلادهم. كيف تنظرين للشاعر المُؤدلَج؟ ومتى يفكّ السياسي ربقة التبعية من عُنق الثقافيّ؟

ـ وهل هناك شاعر غير مؤدلَج، بل كلنا كبشر مؤدلَجين بأفكارٍ أنبتتها بيئتنا ومن ثم ثقافتنا ووعينا، ومن المفروض أن الشعر مواجهة ثقافية لما يحدث من تردٍ وخراب وانكسار في الحياة ومنظومة القِيَم، وخلافي يكون مع الشاعر الذي يقصّ أغصان الشعر الوارِفة ليحرقها في مدفأة الإيديولوجيا.
أمّا عن متى يفكّ السياسي ربقة التّبعية عن عنق الثقافي فهذا لن يحصل طوعاً أبداً، ولنقل إذاً متى سيتمرّد الثقافي على السياسي، وهنا تحضر المعوّقات الكثيرة التي تقف في وجه هذا التّمرد المُنتظر ففي أقطارنا العربية تعدّ الأنظمة السياسية التي تعمل على تكريس هيمنتها بكل السبل الممكنة أول هذه المعوّقات، أضف لذلك الشّح في المعرفة العلمية العميقة والواسعة عند المُثقّفين بسبب تقصيرهم من جهة والحصار الثقافي المُمارَس بحقّهم من جهة ثانية، هذا عداك عن الوضع الاقتصادي المتردّي لأغلب العاملين بالحقل الثقافي ما يمنعهم من التّفرغ لإبداعاتهم بالقدر الذي تتطلّبه هذه المرحلة الشّائكة من تاريخنا.
 
* تعتمدين أسلوب (المنولوج الداخلي) في كتابة (القصيدة الفلسفيّة المُكثّفة)، غير أنك تكتبين بلا قاعدة، ألا تعتقدين أنّ هذا النوع يسبّب مشقّة، وخاصةً أنّ كاتِب هذا النوع من الإبداع قد يقع في (شَرَك) المنطقة الوسطى بين القصيدة والخاطرة؟
ـ الشّعر الذي يأتي إثر مشقّة مشكوك بشاعريّته، فأنا حين تومِض لديّ الفكرة أو لنقل حين تغافلني القصيدة أجدها تمسك بأناملي وتكرج بالقلم لتختار الشكل والتعبير المناسب لها، وغالباً ما يكون تعديلي على النصّ الأصلي طفيفاً لبعض الموسيقى أو الوضوح ليس إلّا. نعم هناك منطقةٌ شرك بين القصيدة والخاطرة وهي خطيرةٌ جداً لأنها لا تكاد تُلمح إلا من عينٍ خبيرةٍ نافِذة تستطيع التفريق بين الخاطرة -/الحال/- والقصيدة -/الذات /- ولا أدري تماماً مدى نجاحي بتجنّبها لكني آمل ذلك.
 
* ما الذي تقدّمه قصيدة النثر للشاعر والقارئ؟ وهل هي أفقدت الشعر أروع ميزاته بسبب صعوبة حفظها عكس القصيدة العمودية أو التفعيلة التي يسهل حفظها؟ 
ـ قصيدة النثر قدّمت الكثير للشاعر والقارئ معاً. فقد منحت الشاعر ميداناً لا تحدّه حواجز النظم والعروض وبحراً أعمق يساعده في الغوص إلى أقصى كهوف الذات. فالتطوّر الحاصل في كل مناحي الحياة أفرز مشاكله وانفعالاته الخاصة وفرض عُمقاً نفسياً جديداً لا يشبه تلك الحياة الرتيبة المؤطّرة الإشكالات، وكل هذا كان دون متناول القصيدة العمودية ما دفع بقصيدة النثر قدُماً لحمله وتقديمه بالشكل الذي يُشبع حساسية القارئ واحتياجاته، ومن هنا لا أعتقد أن أروع ميزات الشعر هي سهولة حفظه، وإلّا لما أعرض الشّباب عن كُتب عمالقة الشّعر القديم.
إن قصيدة النثر مرحلة من تطوّر الشعر العربي المواكب لتطوّر الحياة نفسها، وموسيقاها بالضرورة لن تشبه حمحمة الخيل في المعارك ولا صوت الحُداة في أول الفجر بل هي تمتلك موسيقى خاصة تتوزّع على سُلّم انفعالات الذات بحساسيةٍ مُرهفة وأيّ انزياح عن هذا الوقع الدّاخلي لروح القصيدة الذات سيسقطها خارج سرب قصيدة النّثر.
 
* أليست سوريا وباقي الدول العربية التي ترزح تحت وطأة الحرب بحاجة لمُبدعين ومُثقّفين يجسرون الهوّة بين الحكومات والمُعارضات؟ وهل تبقى مساحة للكاتِب في الوسط؟ وإلى أين تخطو رماح بوبو؟

ـ ليتمكّن المثقّفون من ردم الهوّة بين الحكومات والمُعارضات عليهم أولاً ردم الهوّة التي اتّسعت في ما بينهم نتيجة هشاشة الوعي الديمقراطي لدى النّخَب المُثقّفة، حيث تراجع الكثير من مُثقّفي اليسار إلى انتماءاتهم وولاءاتهم الأكثر بدائية فتطرّفوا لصالح أحد الطرفين سائرين خلف مصالحهم الشّخصية حيناً أو كردّة فعل على خروجهم من دائرة الفعل بتأثير الوعي الجماهيري المُشوّه. هذا جعلهم عاجزين في المرحلة الرّاهنة عن القيام بدورهم المُتمثّل بتوجيه المسار واستقراء سُبُل النجاح والاستمرار، ولذلك فقد صودرت فرصة الكاتِب في أن يكون وسيطاً إلى حدّ كبير.
أما إلى أين تخطو رماح؟  أريد أن أكون صوتاً مؤثّراً يُصارع القبح، يصرخ لا للحرب، لا لامتهان المرأة ولا لانهيار القِيَم، أريده صوتاً يحاول أن يعلو على زحام الأصوات النشاز التي ازداد علوّها في مجتمعنا نكايةً بالحرب.


سأملأ دفاتر الطالبات
.. حروفاً وسهاماً بالقلب ونقط
نكاية بالحرب
سأعود مع صديقتي الثانية عشرة ليلا ًبثوبٍ مزركشٍ
بشارعٍ مُضاء ... ولن يزعجني أحد!
نكاية بالحرب
سأرسل باص رحلة مدرسية
إلى الجسر المُعّلق - سأعيد تعليقه -.. في "دير الزور".. وسيعود سالِماً ... دونما عطب
 نكاية بالحرب
ستورق شجرة التوت في "الرقة
وعلى جذعها"..
سيحفر عاشقان سمراوان إسميهما
لن يرجمهما اسودادٌ..  ولن تموء على حكايتهما قطط.

 


المصدر : الميادين نت

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...