دول الجوار السوداني تستعيد استراتيجية مذابح راواندا
الجمل: يعرف الدارسون والباحثون العنف السياسي باعتباره عملية استخدام القوة أو التلويح باستخدامها، ولاحقاً أضافوا لهذا التعريف بعداً آخر يتمثل في اعتبارات شمول العنف السياسي على جانبين: الأول هو العنف الوظيفي السلوكي، ويتمثل في عمليات العنف المادي والرمزي التي تحدث.. أما الثاني فهو العنف الهيكلي الذي يوجد كامناً مخفياً ضمن قوام البناء المجتمعي، ويتمثل في التباينات الثقافية والدينية والطائفية والتي تهدد بنسف الاستقرار الاجتماعي إذا تم إشعال وقودها.
السودان، يتضمن عدداً كبيراً من الاختلافات والتباينات داخل قوامه المجتمعي، ففي السودان توجد 120 لغة ولهجة محلية تمثل اللغة العربية واحدة منها، وإن كان يتحدث بها الجميع باعتبارها لغة السوق والدين.. كذلك توجد أكثر من 500 مجموعة اثنية رئيسة وفرعية، إضافة إلى وجود ثلاثة أنماط دينية مختلفة هي: الإسلام، المسيحية، والأديان البدائية الاحيائية والارواحية والتي يعتنقها حوالي 7 ملايين شخص.
هذه التباينات والاختلافات ظلت تمثل مخزوناً هائلاً للعنف الهيكلي الكامن، وما نشاهده من حروب وأعمال عنف، يرجع بقدر كبير إلى انفجار احتقانات العنف الكامن بين السكان المحليين.
القوى الأجنبية بقيادة إسرائيل وأمريكا وبريطانيا وفرنسا، تعمل بقوة من أجل توسيع دائرة العنف السياسي السوداني، وذلك عن طريق تقديم الدعم المالي والسياسي والمعنوي لحركات التمرد، وأيضاً استخدام المنظمات الدولية، إضافة إلى دعم دول الجوار، التي أصبحت تجد في النزاع السوداني مصدراً للرزق والحصول على المعونات الأمريكية والأجنبية.
ومن أبرز الأمثلة على قيام دول الجوار الإقليمي بذلك يتمثل في الآتي:
- اريتريا: حصلت على الكثير من المساعدات الإسرائيلية والأمريكية من وراء دعمها لحركات التمرد السودانية.
- تشاد: قدمت لها فرنسا وأمريكا المزيد من المعونات والمساعدات الاقتصادية والعسكرية، وذلك لدعم انفصال إقليم دارفور، خاصة بعد اكتشاف الشركات الأمريكية لما يُعرف بـ(الحوض النفطي رقم 13) والذي يقع تحت أراضي تشاد ودارفور.. وقد قام وولفويتز مدير البنك الدولي الحالي وأحد زعماء المحافظين الجدد (يلقبونه بمهندس حرب العراق) بزيارة تشاد وإبلاغ حكومتها برغبة البنك الدولي بتمويل الاستثمارات النفطية التشادية.
- كينيا وأوغندا: وهي من الدول ذات الصلة الوثيقة بجماعات شهود يهوه، وقد ظلت هاتان الدولتان منذ مطلع الستينيات تدعمان مخطط انفصال جنوب السودان، عن طريق التنسيق مع أمريكا وبريطانيا وإسرائيل.
- مصر: برغم أن كل المصريين يعرفون ويدركون تماماً أن إسرائيل تدعم مخططات متمردي جنوب السودان، والهادفة إلى فصل الجنوب والسيطرة على منابع النيل، إلا أن الحكومة المصرية فتحت أراضي مصر أمام تحركات متمردي جنوب السودان، وعلى مدى العشرين عاماً الماضية، كانت مكاتب حركات التمرد الجنوبية توجد في القاهرة، وكان الرئيس المصري يقوم باستقبال أبرز قادتها.. وهناك صور في المجلات المصرية توثق للقاءات بين أحد زعماء تمرد جنوب السودان، والرئيس المصري حسني مبارك، وعلى ما يبدو أن دعم مصر للأجندة الأمريكية هو السبب وراء هذا الموقف المصري.
صنعت أمريكا وحلفاءها القنابل الذكية، التي تتحرك أوتوماتيكيا نحو إصابة الهدف المحدد لها بدقة فائقة، والآن تحاول أمريكا ومن ورائها إسرائيل النجاح في استخدام اتفاقيات السلام السودانية الأخيرة على غرار القنابل الذكية، بحيث تكون (اتفاقيات سلام ذكية)، تهدف إلى نسف الاستقرار وتقويض السلام وضرب النسيج الاجتماعي السوداني.
أشار موقع مركز بحوث العولمة، الكندي، على الانترنت بأن هناك مخطط غربي- إسرائيلي، كبير يهدف إلى تطبيق استراتيجية تنفيذ سيناريوهات المذابح في السودان، على غرار النموذج الذي حدث في رواندا، وذلك عن طريق التحريض على الكراهية والقتل العشوائي، وقد برزت هذه الظاهرة من خلال واقعتين حدثتا في السودان في الفترة الأخيرة.
• ظهور (فرق الموت) في دارفور بغرب السودان، بحيث يتم قتل أفراد بعض القبائل، وترك آثار في مكان الجريمة تشير إلى قيام بعض القبائل الأخرى بجريمة القتل، وذلك على النحو الذي يحرك ضغائن الثأر والانتقام، فالكثير من أبناء القبائل الافريقية تم قتلهم، وتضليل قبائلهم، بأن أفراد القبائل العربية هم الجناة، وأيضاً تم قتل أبناء القبائل العربية وتضليلهم بأن الجناة من الأفارقة، وهكذا تدور حلقة القتل العشوائي
• في جنوب السودان، تقوم بعض (فرق الموت) بالقبض على المواطنين ذوي الأصول العربية، وقتلهم بحرقهم وهم أحياء، وقد تمثل آخر الأمثلة في حادثة مدينة جوبا، وذلك عندما قامت إحدى فرق الموت بالقبض على بعض السودانيين من ذوي الأصول العربية، وربطهم بالحبال، ثم إدخالهم في أحد الأفران، يموتوا حرقاً وهم أحياء.
وأخيراً نقول: ذاقت كل شعوب العالم ويلات الحروب والمؤامرات، ولكنها خرجت منها منتصرة، مرفوعة الرأس، والأمثلة على الحروب الأهلية والداخلية كثيرة.. فقد خاض الاسبان الحروب الأهلية الأسبانية، وخاض الأوروبيون الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولكنهم استطاعوا إعادة تعمير بلدانهم، بعد أن تصدوا لصنع تاريخهم، والآن نحن في العالم العربي، يتوجب علينا أن نفهم الحقيقة الرئيسة التي تقول: إن لم نتصدى لصنع تاريخنا، فسوف يأتي جورج بوش وأولمرت وغيرهم ليصنعونه لنا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد