خالـد خليفـة: لـن أقـدّم الـولاء لأحـد
خالد خليفة، روائي وسينارست، واحد مؤسسي مجلة »ألف« للكتابة الجديدة وأحد أمناء تحريرها التي كانت تصدر في قبرص بين ١٩٩٠ الى ،١٩٩٣ حائز إجازة في الحقوق من جامعة حلب وهو من مواليد »أوروم الصغرى« تابعة لمحافظة حلب (١٩٦٤). له عدد من الروايات أهمها: »حارس الخديعة«، »دفاتر القرباط« وهي الرواية قيد الترجمة الى الفرنسية والانكليزية.
أما رواية التي أثارت سجالا، ونقاشاً وكانت مثار الاهتمام من قبل النقاد والمبدعين فهي »مديح الكراهية« وهي (الرواية) وصلت الى القائمة الصغرى من جائزة بوكر منذ أشهر، وما زالت تثير التساؤلات والنقاشات، فيما يرى خليفة أن وصول هذه الرواية الى ذاك المقام هو تكريم للأدب السوري.
في ملتقى الرواية الأخير في دمشق نشب »صراع« بين الجيلين ـ إن صح القول ـ اذ أراد خليفة القول إن الرواية سوف لن تتقدم اذا لم يكن هناك نقد جدي، لذلك انتقد كتاب »أصداء سيرة ذاتية« للراحل نجيب محفوظ، ورأى خليفة أن الكتاب لا يستحق الطباعة، مما أدى الى سجال عميق وسط الروائيين السوريين. حول هذا كله كان لنا معه هذا الحوار:
÷ كيف يرى (يقّيّم) خالد خليفة المشهد الروائي السوري؟
ـ المشهد الروائي السوري اليوم في أفضل حالاته الإبداعية، روائيون يعملون على مشاريعهم، أسماء جديدة، اقتراحات جمالية وتقنية، أما عن الجانب الآخر فهو في أسوأ أحواله، صراع مكشوف مع أسماء كثيرة مكرسة وغير مكرسة، استمرار لثقافة الإقصاء التي يمارسها كتّاب الجيلين بعضهم ضد بعض، وهذا يخلق جواً مليئاً بالإحباط واليأس.
÷ أفهم من ذلك أنك غير راض، ويبدو أن عدم صحية المشهد الروائي السوري قد خلق لك بعض المتاعب، برأيكم كيف العمل على ارتقائه؟
ـ لم يخلق لي فقط متاعب، إنما هذا الجو المشحون بثقافة الإقصاء ودخول جيلنا أيضاً في ملابسات النفاق الثقافي يجعل من أي كاتب حقيقي جزيرة معزولة، أنا أستطيع المرور ببساطة لأنني منذ سنوات عديدة أتحاشى أي صدام ولا ألتفت إلى الوراء، وما زلت أعتقد أن الكتابة هي الأهم بالنسبة إلى أي كاتب، ولكن مثل هذه الأخلاق تجعل من الصعب مرور مواهب حقيقية مبتدئة إن كانت تتمتع بالهشاشة الإنسانية، فليس مطلوباً من الكاتب أن يكون وحشاً ليستطيع الاستمرار في الحياة الأدبية.
÷ البعض يقول إن ثمة شرخاً واسعاً بين الجيلين الروائيين (القديم والجديد) في سوريا، فالجيل الروائي الجديد لا يعترف بالقديم، ما رأيك؟
ـ العكس هو الصحيح، الجيل القديم لا يعترف بالجيل الجديد إلا إذا قدم كتّاب هذا الجيل الولاء والطاعة، وأنا سأتكلم عن نفسي، لن أقدم الولاء والطاعة لأحد، وسأبقى أرتكب حماقاتي كما لو كانت جزءاً أساسياً مني، وأعتقد أن كل شيء مترابط، حين يخسر الكاتب جزءاً من ذاته، بالمقابل ستخسر كتابته جزءاً من عنفوانها وحريتها وعمقها.
÷ ولكن هل يمكن نسف تجربة ذلك الجيل؟
ـ طبعاً لا يمكن ذلك ولم يقل أي أحد إنه يريد نسف تجربة ذلك الجيل، لكن أيضاً كتبهم ليست آيات منزلة، يجوز نقدهم ورمي كتبهم من النافذة إن كانت تافهة.
÷ أفهم من ذلك أنه اذا كان الجيل القديم يفتقر الى أحداث الصدى في هذه المرحلة، هل صحيح أن ننظر اليه على انه جيل كئيب لم يقدم شيئا، فقط لأن لا أحد يروّج لهذا الجيل؟
ـ ومن قال لك إنه لا يروّج للجيل القديم، ومن قال إنه لا يُعتنى به، من شروط العناية بك هنا أن تصبح رجلاً عجوزاً لتُكرّم، للأسف لم أر كاتباً عربياً واحداً أو سورياً قال إنه لم يبق لديه ما يكتبه ويرغب بقضاء باقي أوقاته في أشياء أخرى غير الكتابة، كاللعب مع أحفاده، أو نقاش وتعليم الكتّاب الشباب تقنيات الكتابة، تأمل الطبيعة أو القراءة، الكل مصمم على الكتابة حتى الموت، ومع ذلك منذ سنوات لم يقدم هذا الجيل رواية واحدة مهمة.
ذكروني برواية سورية واحدة مهمة منذ عشر سنوات قدمها هذا الجيل لأغير رأيي.
»أصداء سيرة ذاتية«
÷ على كل، مداخلتك في ملتقى الرواية الأخير في دمشق أثار ردات فعل لدى الكثيرين، هل ما زلت مقتنعا بما أدليت به، ألم تغيّر السجالات والنقاشات شيئا من مواقفك تجاه كتاب (أصداء سيرة ذاتية) للراحل نجيب محفوظ، بمعنى آخر، ألم تغير مواقفك تجاه إبداعات محفوظ وغيره؟
ـ لا أريد العودة لما حصل، لأنه تعبير حقيقي عن النفاق الثقافي ورغبة الإقصاء وتزوير الحقائق، وتوضيحاً أنا لا أحتاج لأحد كي يعلمني أهمية نجيب محفوظ وعبد الرحمن منيف وصنع الله إبراهيم وحنا مينة الخ.. لكن يحق لي أن أقول رأيي بأي كتاب حتى لو كان بمنزلة القرآن، فكيف إذا كان هذا الكتاب رواية، استغربت ما قرأته على بعض المواقع وما نقل إلي مما يقال همساً بين أصدقائنا الكتاب عن غروري وضرورة تربيتي!! وأعتقد أن ما حدث في مؤتمري القاهرة ودمشق كان صادماً ولدي حقيقة واحدة الآن، الكتّاب العرب لا يحبون أن يستمعوا إلا إلى المديح، لذلك الكتّاب العرب لن يمسوا المقدسات، باختصار يريدون أن يسافروا إلى المؤتمرات، ويمتدحوا النقاد كي يكتبوا عنهم، »صحتين على قلبهم«.
بكل حماقة ما زلت أؤمن بأن تخلينا عن ثقافتنا النقدية هو أحد أهم أسباب كل هذه الخلافات التافهة والضحلة، وسبب استمرار ثقافة الإقصاء، وللأسف الكثير من أبناء جيلي منافقون أكثر من كل منافقي الأجيال القديمة.
أما عن نجيب محفوظ فأنا ما زلت كما كنت أعتبره كاتباً عظيماً.
÷ اذا كان المشهد الروائي السوري على الشكل الذي تقيمّه حقاً، فهل ينطبق ذلك على المشهد الروائي العربي، وما رأيك بالمشهد الروائي اللبناني خصوصاً؟
ـ أعتقد أن المشهد العربي يشبه بعضه مع فوارق بسيطة بين لبنان ومصر وسوريا، وطبعاً هنا تخسر سوريا لأنه ليس فيها جريدة واحدة تستطيع إيصال أصوات وإبداعات كتّابها إلى قرائهم في الوطن العربي.
÷ روايتك التي كانت ممنوعة من النشر (مديح الكراهية) وصلت الى القائمة الصغرى من جائزة بوكر، التي حظي بها بهاء طاهر، بعد هذه الأشهر، هل أنت مقتنع بنتيجة التحكيم، وهل تشعر بأن القائمين على الجائزة كانوا غير منصفين، ألم تلم القائمين على الجائزة لعدم وجود سوري آخر، ربما كان هناك من يستحق ذلك، من يدري؟
ـ منذ زمن نسيت كل ما حدث من أفراح وأتراح الجائزة، وعدت إلى عملي كأن شيئاً لم يكن، وقلت رأيي سابقاً بأنه يجب احترام خيارات لجنة التحكيم، وأنا شخصياً أحب العم بهاء طاهر وأعتبره جديرا بأكبر الجوائز العالمية.
مديح الكراهية
÷ روايتك (مديح الكراهية) أثار إعجاب عدد كبير من النقاد، لكن هناك من يرى أنك لم توفق في ترتيب الأحداث؟ كيف تقرأ أنت هذه الرواية؟ ولماذا اخترت أن تكون الأحداث في الرواية متعددة، وكذلك الأماكن والقضايا؟
ـ أستغرب مثل هذا القول فعلاً، فأنا لم أكتب رواية وثائقية كي أرتب أحداث كما تقتضي الوثيقة، وما قاله العزيز الروائي نهاد سيريس وما أسماه بالخطأ الفاحش في تاريخ ذهاب الإخوان السوريين إلى أفغانستان يدعو لاستغرابي، فأنا لم أكتب عن الإخوان المسلمين أصلاً، وليس في الرواية أي شخص سوري يذهب إلى أفغانستان نهائياً، أما عن تاريخ الأفغان العرب فأحيله إلى مئة كتاب عن هذه التجربة قرأت منها ما لا يقل عن عشرين كتاباً، كما أحيله لإعادة قراءة الرواية مرة أخرى.
ولا أخفي سعادتي بالسجال الدائر حول الرواية في كل مكان أذهب إليه، خاصة في سوريا، أحياناً نسخة واحدة جرى تبادلها بين أكثر من عشرين شخصاً من مختلف الاهتمامات والأعمار.
÷ ما هي الخطوط الحمراء في نظر خليفة الإبداعي، وكيف تقرأ حال الرقابة، وماذا عن الرقابة الذاتية لدى خليفة نفسه؟
ـ لا أعرف كلمة خطوط حمراء أبداً، ودليلي في يدي كما يقولون، وأقصد رواية مديح الكراهية، أما عن حالة الرقابة في سوريا فتشبه المد والجزر، وحال الوطن العربي ليس أفضل، نتقدم خطوة إلى الأمام، خطوتين إلى الوراء على حد تعبير لينين.
÷ سنختتم بسؤال يشغل أذهان العددين، برأيك، هل المؤسسات الرسمية الخاصة بالشؤون الثقافية سببت إعاقة مسار الرواية (في سوريا) ام العلة في الروائيين، وربما هم أيضا يتحملون الجزء الهام من المسؤولية؟ وهناك أمر آخر، ترى، متى ستكون الرواية محل اهتمام في سجال الثقافي السوري، بمعنى، ألم يأت الوقت لإصلاح ما خربته الظروف والأحوال على المستوى الأدبي عموماً؟
ـ من مآثر الرواية السورية أنها لم تنتظر دعماً من أية مؤسسة رسمية، لا قبل ولا بعد، ورفاقي أبناء جيلي ينشرون في أفضل دور النشر العربية ولا حاجة لمؤسسات ثقافية من واجبها إعاقة وجود أية ثقافة، خاصة الثقافة المدنية والنقدية، لذلك نحن اعتدنا على هذا الخراب ولن ننتظر عمار البصرة بعد خرابها كي نكتب رواياتنا، نعم لقد نبتت لنا أجنحة ونستطيع التحليق عالياً.
فاروق حجي مصطفى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد