حوار مع الموسيقي سهيل عرفة
سهيل عرفة فنان سوري كبير, دخلت ألحانه الشهيرة, التي قدمها منذ نهاية الخمسينات , الوجدان العام, ورددتها الجماهير العربية في كل مكان, فهو صاحب لحن ( يا دنيا ) و( بلدي الشام) لوديع الصافي و الاغنية الاخيرة شاركته فيها فاتن حناوي و(يامال الشام ) و(ميلي مال الهوى) لصباح فخري و(عالبساطة) و( بياع التفاح) و ( اخذ قلبي سكارسة) لصباح و ( يا طيرة طيري يا حمامة) لشادية و » بالامس كانت ) لفهد بلان, و» رمانا بحبو يا قلبي), و»والله لنصب تلفون) لنجاح سلام , و» قدك المياس ) لطروب, و»يعطيك العافية يا بو العوافي) لسمير يزبك, و»من قاسيون اطل يا وطني ) لدلال الشمالي , و» ودي المراكب عالمينا) لمروان محفوظ,و» صباح الخير يا وطناً) لأمل عرفة وفهد يكن . وعشرات الاغاني الشهيرة الاخرى,التي لحنها خلال مسيرته الفنية الطويلة, واطلقها بأصوات كبار نجوم الغناء في عالمنا العربي . هذا الى جانب ألحانه العديدة الموجهة الى الاطفال ومؤلفاته الموسيقية التصويرية التي وضعها للعديد من الافلام والمسرحيات والمسلسلات التلفزيونية والاذاعية.
ومنذ البداية قدم سهيل عرفة كملحن وعازف عود ومؤلف موسيقي, فصول تجربة ثقافية هامة لها دلالاتها الوطنية والقومية. وهو كمعظم الملحنين بدأ حياته الفنية مطربا ثم اتجه بعد تفتح موهبته الى التلحين ووجد نقطة التحول الفعلية بعد عمله في اذاعة دمشق.
لالقاء المزيد من الاضواء حول مسيرة سهيل عرفة كان هذا اللقاء:
> متى بدأت نقطة انطلاقتك الفعلية في عالم النغم والتلحين ؟
>> كان ذلك في العام 1958 حين غنت نجاح سلام من ألحاني اغنية »والله لنصب تلفون) وكنت في نفس العام قد لحنت نشيد » يا بطل الاحرار) والذي شكل نقطة البداية الفعلية لفهد بلان كمطرب ولي كملحن.
> ما الاصوات التي كانت سائدة في تلك الفترة؟
>> كان هناك نجيب السراج ورفيق شكري وكروان وسحر ,ومها جابري, ومن الجيل الثاني برز مصطفى فؤاد وكان صوته اقرب الى صوت محمد عبد الوهاب, ولقد قدمت له مجموعة اغنيات من كلمات عمر حلبي وفوزي المغربي وهما من خيرة شعراء الاغنية في سورية وكان يوجد ايضا ياسين محمود وقدمت له بعض الالحان كما قدمت الى كروان مجموعة من الالحان واعطيت سحر اغنية » ادللي ) التي حققت شهرة واسعة . ثم جاء سمير حلمي وقدمت له اغنية » يا وطني) وكانت سببا في شهرته وكل هذه الاغنيات قدمتها ما بين عامي 1958 و .1963
وفي تلك المرحلة لم تكن هناك معاهد كانت الاذاعة هي المدرسة التي نتخرج منها وهذا ما عبر عنه الملحن الكبير الراحل محمد محسن حين قال: مدرستي هي الاذاعة السورية.
كانت في الاذاعة لجنة تكشف مواقع الخلل وتدفعنا في الاتجاه الصحيح . كان هناك اساتذة مثل مطيع المصري بالغربي وميشيل عوض بالشرقي وكنت اذهب الى منزلهما واتعلم القواعد والاصول سراً, وذلك بسبب نظرة المجتمع الى الفن, حتى انني كنت اعمل على اخفاء العود, حتى لا يقوم الوالد بكسره , ايضا يحيى السعودي رئيس دائرة الموسيقا في الاذاعة كان بمثابة موسوعة في الغناء والموسيقا.
> ماسر شعبية وجماهيرية لحن » من قاسيون اطل يا وطني)؟
>> عند قيام ثورة الثامن من آذار , اشرعت الابواب امام المواهب الحقيقية للتعبير عن اجواء الحلم بوطن مثالي في تلك المرحلة كتب خليل خوري» قلعة التحدي) و» المعجزة ) و» من قاسيون اطل يا وطني ) الاولى والثانية لحنتهما بأسلوب القصيدة, وضمن الانماط الكلاسيكية التقليدية اما في لحن » من قاسيون ) فالامر مختلف , كنت اريد التعبير عن النبض الجماهيري العام باعتماد اسلوب الاهزوجة الشعبية.
وفي البداية لم يتقبل خليل خوري كاتب كلمات النشيد اللحن, كان يريدني ان استمر في السياق التقليدي الذي اعتمدته في » المعجزة) و»قلعة التحدي).
> كيف حققت خطوة الامساك ببدايات خيوط لحن » من قاسيون) وبعبارة اخرى كيف ظهر هذا التحول في ألحانك الوطنية؟
>> في تلك المرحلة كانت ا لاناشيد الحماسية هي السائدة ولهذا اتجهت لتحرير المستمع من الاجواء اللحنية المألوفة والمطروحة بكثرة بالاعتماد على الايقاع الشعبي المساير لرغبات الذوق العام .
ولقد حققت الاغنية شهرة واسعة ونقلتني الى مرحلة جديدة, ولا سيما على صعيد الغناء الوطني كما شكل تعاوني مع »ابو صياح ) رفيق السبيعي مرحلة هامة وغنية ولقد قدمت له »بالعربي الفصيح ) و » شيش بيش) و»خدلك سيجارة) و» حبوباتي التلميذات ) و»ترن برن) وغيرها ولقد استمر تعاوني معه من العام 1963 والى الآن.
وقدمت لفهد بلان » يا بطل الاحرار ) و» بالامس كانت ) و» يا غاوية) و»انا صحراوي) و» فلاح ) و» ويلي ويلي ويلي ويلاه) و» هزة يا جميز) و»من يوم ولدنا يا بلدنا) وغيرها .
> ألا يمكن اعتبار لحنك لصباح » عالبساطة) من اهم الاعمال التي سجلت تحولا في مسيرتك الفنية؟
>> اغنية »عالبساطة) لصباح انتشرت في كل الوطن العربي وشكلت بداية انتشاري عربيا كملحن كما قدمت لصباح مجموعة من الاغنيات ومنها » اخذ قلبي) و» العرس السوري) و»بياع التفاح) و» يا اسمراني اللون) و»فوق النخل) و» عاشقة وطني) و» لوعشاقي) و» عالمنديل) .
> ألحانك التي قدمتها بأصوات كبار نجوم الغناء في الوطن العربي , لمعت في الفترة الاخيرة من المرحلة الذهبية لنهضة الفن الغنائي والموسيقي .
الآن تعاني الاغنية السورية من ازمة غياب شبه كلي , رغم وجود بعض الاستثناءات القليلة والنادرة؟
>> في مطلع الستينات كانوا يأتون بالمطربين العرب الى سورية للغناء في المناسبات الوطنية ولكن ليس على حساب الفنان السوري كما هو حاصل الآن, كما ان الادارات الحالية تأتي بتجارب جديدة ومغمورة وتطلب منها الالحان على حساب الاسماء الرائدة والراسخة والمغيبة. محمد محسن وعبد الفتاح سكر وأنا قدمنا مجموعة واسعة جدا من الالحان وانا لي اكثر من 1500 لحن كنا على سباق دائم مع الزمن, هل تصدق, انني لم أكن انام اكثر من ساعتين في ال 24 ساعة. وحين بدأ التلفزيون السوري في العام 1960 كنت في بيروت , كانوا يطلبون مني اغنيات وموسيقا تصويرية للافلام السينمائية.
> ما الافلام السينمائية التي شاركت فيها؟
>> في فيلم » خياط للسيدات ) قدمت شادية من الحاني اغنيتها الشهيرة » يا طيرة طيري يا حمامة) وقدمت صباح بعض الحاني في فيلم » اهلا بالحب) وفي فيلم » ايدك عن مراتي) وفي فيلم » الصعاليك ) قدم صباح فخري عدة اغنيات من الحاني وغنت طروب من الحاني»قدك المياس) في فيلم »عصابة النساء) كما غنى فهد بلان من الحاني » بالامس كانت ) في فيلم »اين حبي) .
ولقد وضعت الموسيقا التصويرية لفيلم » الفهد) وفيلم » نحن بخير ) وفيلم » شهادة الاطفال الفلسطينيين ) .
ولقد نالت هذه الافلام جوائز ذهبية في موسكو.
اضافة الى المسلسلات التي وضعت موسيقاها ايضا مثل سيرة بني هلال في اربعة اجزاء ومسلسل » ابو كامل) ومسلسل » ايام شامية) ومسلسل »دولاب) ومسرحيا وضعت موسيقا مسرحية » السعد) وموسيقا مسرحية » ايام سلمون ) وغيرها .
> في سياق حديثك عن ازمة الاغنية السورية, تطرح لائحة من الاتهامات, هل نحن بحاجة اذا لنقد ذاتي يتيح الفرصة امام انطلاقة جديدة للاغنية السورية؟
>> منذ تأسيس التلفزيون ولغاية مطلع الثمانينات كان التلفزيون يقوم بعملية انتاج الاغاني المصورة. بعد ذلك توقف الانتاج واصبح يعتمد على الهدايا .
ولو نفذ قانون حفظ الملكية الفكرية والفنية لاصبح لدينا شركات لانتاج الاغنية على غرار الانتاج الدرامي . واتساءل كيف ستقام شركات لانتاج الاغنية في ظل غياب الرقابة والملاحقة القانونية.
> ما الدور الذي تلعبه الاذاعة على صعيد الانتاج الغنائي؟
>> لم تتوقف الاذاعة السورية عن الانتاج وهي بمثابة الام الحنون للاغنية, لكن المشكلة تكمن في ضعف الميزانية وهزالتها كما ان معظم البرامج الاذاعية باتت تدور في فلك التكرار والترداد الرتيب, دون القدرة على التجديد والتطوير, واذا وجدت فواصل او استراحات اثناء البث يكون النصيب للاغاني المستوردة مع غياب شبه كلي للكنوز الفنية الغنائية المحفوظة في مكتبة الاذاعة ومنذ فترة نشر لي حوار في صحيفة الوطن حمل عنوان »افرجوا عن الكنوز الموجودة في مكتبة الاذاعة والتلفزيون)
> ألا ترى ان ازمة الفن عندنا , هي صدى لأزمة الانسان العربي, الذي يمر مرحلياً بحالة هبوط على المستويات كافة؟
>> نحن في فترة انحطاط وهذا مصدر معاناتنا في مراحل سابقة كان التراجع في الحياة الفنية يستمر لفترة قصيرة ثم تعود الامور الى مسارها الطبيعي الآن الوضع مختلف الانحطاط بدأ منذ اوائل الثمانينات دون ان نشهد ولادات فنية جديدة ومغايرة إلا في حالات استثنائية.
> هل لرحيل الكبار في عالمي الغناء والتلحين اثر مباشر في هذا التراجع والتدهور الفني؟
>> نعم وعلى سبيل المثال الكثير من المطربين والمطربات كانوا يقولون ان الكبار من امثال ام كلثوم وعبد الحليم حافظ يقفون امام تطلعاتهم الفنية في تحقيق المزيد من الشهرة . وعندما رحل الكبار بدأ الخط البياني لهؤلاء بالانخفاض , وهذا يؤكد ان الكبار كانوا يشكلون حافزاً كان هناك رهبة اثناء طرح أي اغنية جديدة وكان الفنان يحترم جمهوره كنا ننتظر سنة كاملة حتى نسمع اغنية جديدة من ام كلثوم او محمد عبد الوهاب او فريد الاطرش وسواهم وهذا لاينفي وجود اغان جيدة واصوات مميزة على قلتها وندرتها واحيانا تطل علينا مهرجانات جادة ومحطات فضائية تعيدنا الى اجواء فنون ايام زمان وهذه الاطلالات القليلة غير قادرة على حماية الاغنية الاصيلة والذوق العام من الخطر , ولا سيما القادم من بعض الفضائيات, مهمة الفنان والاديب العمل على رفع الذائقة الفنية بين الناس, فالفنان ليس بوهيميا كما يقول البعض سيد درويش قدم الاغنية الوطنية واحتضن المواقف الانسانية الثائرة وارتبط بانطلاقة عمل الناس كل صباح في الارياف والقرى.
> تقول ان بعض دورات مهرجان الاغنية السورية كانت اقرب الى سهرة المنوعات ماذا تغير حين ترأست دورته التاسعة؟
>> المهرجان هو بمثابة امتحان وبمعنى آخر مطلوب من المشارك مواجهة الجمهور في غناء مباشر وليس بطريقة » البلاي باك ) صباح فخري وانا اعطينا اهمية للاداء المباشر وذلك لاعطاء المشترك قدرة على مواجهة الجمهور بثقة وليس باصوات مفبركة.
> في دول العالم الفنان محمي من ادعياء الفن والمتطفلين والقانون هناك يلاحق من ينسب الى نفسه صفة فنان عن غير حق , بجرم انتحال صفة, اين نحن من ذلك, في ضوء ما ذكرته ؟
>> يطلقون على انفسهم صفة فنان وموسيقار واستاذ وما شابه ذلك مع العلم ان الذين يستحقون لقب فنان هم قلة, يجب لمن يحمله ان تكون اعماله قادرة على الاستمرار والبقاء في الذاكرة الشعبية على مدى طويل.
ومن يحمل لقب موسيقار يجب ان يمتلك القدرة على قيادة فرقة سمفونية فيها على الاقل 200 عازف وعازفة اضافة الى امتلاكه لحساسية سمعية مباشرة تمكنه من معرفة ما تقدمه كل آلة موسيقية.
> انت واحد من ثلاثة ملحنين سوريين, تجاوزت الحانهم الحدود الاقليمية, ووصلت الى كل الاقطار العربية كما اشرنا , ولقد حزت على لقب موسيقار من جامعة الدول العربية »مهرجان الرواد العرب الذي أقيم في القاهرة خلال عام 1999), الا يعلم المسؤول الاعلامي هذه الحقائق؟
>> احوّل الجواب الى اصحاب القرار الآن.
> صوت امل عرفة الذي صاغ في البداية من محبة الوطن الاحلام الغنائية الكبرى , لا يزال الاكثر قدرة على متابعة رومانسية حلم الاب باكمال اوزان السحر الى اللانهاية ؟
>> بلا شك هي مطربة بقدر ما هي ممثلة, لا سيما وانها في بعض مسلسلاتها تمثل وتغني كما فعلت شادية منذ عقود في افلامها السينمائية ولقد قدمت لأمل في بداياتها مجموعة واسعة من الاغنيات الموجهة الى الاطفال من ضمنها » كن حذرا) و»معلمتي) و»تمهل) و»حنانك امي) و » ابي) و»شرطي السير) و » لغة العرب) و»العودة للمدرسة) وغيرها وهي من كلمات عيسى ايوب ومصطفى عكرمة وصالح هواري.
ومن اسباب اتجاه امل الى التمثيل هو ان وضع الانتاج الدرامي عندنا افضل مئة مرة من وضع الغناء.
> المعروف انك بدأت تجربتك الفنية بالغناء شأنك في ذلك شأن محمد محسن وعبد الفتاح سكر, الا يوجد تسجيلات بصوتك في الاذاعة والتلفزيون؟
>> في برنامج » بساط الريح) الذي ينتجه تلفزيون دبي غنيت مع امل اغنية » يا دنيا) حوالي عام 1995 وفي المقابلات التلفزيونية المحلية والعربية غنيت على عودي العديد من الحاني اما في الاذاعة فأبرز تسجيلاتي » يا دنيا) و » نهر الشام ) .
> كيف تفسر نجاح العارضات وحتى الراقصات في مجال الغناء المساير لتوجهات السوق الفني التجاري؟
>> هذا هو المتوفر لجمهور الحفلات , المشكلة تكمن في ان الفن الاصيل والحقيقي, لا يصل الى الناس, ولو اعطيت له مساحة, كالتي تعطى لاغاني الفيديو كليب, لما حدث هذا الانقطاع بين الجمهور والطرب الاصيل, فالجيل الجديد لا يعرف تراثه الغنائي والموسيقي.
هناك محاولات لاعادة احياء هذا التراث وتقديمه ولكن هذه المحاولات لاتتعدى الخمسة في المئة مقابل 95 في المئة تعطى للموجة الغنائية الجديدة. وعلى هذا فأنا اعتبر الجمهور ضحية ما تقدمه الفضائيات وضحية بعض الذين يملكون القرار في بعض الاذاعات وبعض الفضائيات.
أديب مخزوم
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد