حصّة سوريا من الحوار الإيراني ـ الأمريكي المحتمل
مع تصويت الكونغرس الأميركي بالإجماع على تأييد المبادرة الدبلوماسية التي أطلقتها واشنطن في اتجاه طهران في إطار الوصول الى تسوية للملف النووي الايراني؛ ترجحت فكرة استبعاد احتمال اللجوء الى ضربة عسكرية أو فرض عقوبات, لصالح فتح حوار بين واشنطن وطهران, من دون أن يعني ذلك إلغاء الاحتمالات الأخرى التي أعلنت كوندوليزا رايس أنها جميعها مفتوحة في التعامل مع إيران. والسؤال: أين تقف سوريا من التقارب الإيراني الأميركي؟ وكيف ينعكس على العلاقات الأميركية السورية؟
في الإجابة عن هذه التساؤلات, هناك رأيان عريضان ومتناقضان, فثمة من يقول إن إيران ستدير ظهرها لتحالفها مع سوريا إن نجحت في الوصول الى تسوية مرضية لها, وبالتالي فإن خسائر كثيرة ستلحق بدمشق, من خلال عدة ملفات إقليمية, وستجد نفسها مضطرة لتقديم تنازلات مؤلمة كانت قد رفضت تقديمها منذ عام. والرأي الآخر يقول إن السياسة الإيرانية لم تدخل في مواجهة طويلة مع الغرب وأميركا لمجرد الوصول الى تسوية, فهي لا ترفض فقط الدخول في مفاوضات مشروطة, وإنما تركز على الحوافز المقدمة مع التسوية, وليس أقلها دور إقليمي فاعل في العراق والمنطقة, خصوصا بعدما وجدت أميركا صعوبة بالغة في اللجوء الى حل عسكري أو فرض عقوبات عليها. أولاً, بسبب الممانعة الصينية الروسية. وثانياً, لأن تجربة الحرب على العراق لا تشجع الرأي العام الأميركي على تأييد خطوة كهذه. وثالثاً, هناك وجهة نظر قوية في أروقة الإدارة الأميركية تقول بأن ضرب المفاعلات النووية الإيرانية, لا يعني القضاء على البرنامج النووي, لأن إيران امتلكت المعرفة, وبالتالي فإن البوارج الحربية التي يقال انها تحركت استعداداً لتوجيه ضربة قاضية لإيران, ستنتظر طويلاً ريثما يتم استنفاد الحلول الأخرى. عدا أنه في أميركا, بدأت تعلو أصوات كثيرة, ترى أن الولايات المتحدة في حاجة إلى التفاهم مع إيران وسوريا على حزمة من المسائل والقضايا البينية العالقة معهما, وعليها المسارعة إلى اتخاذ هذه الخطوة الآن؛ بإقامة اتصال حول المسألة النووية الإيرانية والعلاقات السورية اللبنانية, المرتبطة من جهة ثانية بالاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية, وبمباحثات السلام السورية الإسرائيلية المتوقفة.
لكن إذا بدا على إدارة بوش أنها على اقتناع بفتح حوار مع طهران, فهي لا تبدو كذلك مع سوريا, فالأبواب لا تزال مغلقة. إذ إن السفيرة الأميركية لم تعد إلى مكتبها في دمشق بعد أن جرى سحبها العام الماضي, كما لم يصدر أي رد فعل عن الإدارة الأميركية حيال الإجراءات السورية المتخذة في الأشهر الأخيرة, في ما يخص منع تجول موظفي السفارات الأجنبية في الأراضي السورية خارج خط معين لا يتجاوز دمشق, ومن ثم عدم تجديد إقامة الموظفين الأميركيين ممن انتهت مدة إقامتهم. وهو ما فهم منه استمرار واشنطن في موقفها الرافض للحوار مع دمشق. وليس خافياً ارتباط سياسات الولايات المتحدة مع سياسات إسرائيل في ما يتصل بالوضع السوري, فمعظم الملفات الخاصة بها على علاقة وثيقة بإسرائيل, كما أن أي دور إقليمي ستتحاور حوله مع إيران سيكون مرتبطاً بالملفات ذاتها.
من هنا إذا تم الحوار الايراني الأميركي الغربي, فلا بد من أن يكون لسوريا نصيب فيه. لأن سياسة إدارة بوش إزاء إيران, تحاكي سياستها إزاء سوريا, بالخلط بين السخط والشجب والتهديد والوعيد والعدوانية الاستفزازية. وكان هذا الاتجاه واضحاً في تركيز أهدافها على عزل سوريا وإيران, وليس قتالهما, بمحاولتها التغطية على ورطة الحرب في العراق, عن طريق اتهام سوريا بالجرم المزدوج: إخفاء أسلحة الدمار الشامل العراقية, وتسهيل حركة نقل المقاتلين الأجانب إلى الداخل العراقي. ثم فرض عقوبات تجارية ودبلوماسية على دمشق, بموجب قانون: محاسبة سوريا, والحفاظ على السيادة اللبنانية, إلى حد طالب القانون الرئيس بوش بفرض تطبيق العقوبات, حتى ترضخ دمشق لبعض الشروط المحددة, ومن بينها: «وقف دعم الإرهاب», وانسحاب القوات السورية من لبنان, وتجميد عملية تطوير الأسلحة غير التقليدية وإيقافها نهائياً. ثم جاء قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 في مطلع العام 2004 ليطالب أيضاً بالانسحاب السوري من لبنان.
هذه السياسة كانت كفيلة بدفع سوريا وإيران إلى إعلان حلف للقوى الممانعة في المنطقة لـ«مواجهة الاستكبار», تمثل في زيارة الرئيس بشار الأسد الى طهران لتهنئة محمود أحمدي نجاد بفوزه بتسلم الرئاسة, ورد نجاد للزيارة بعد اقل من شهرين, ثم الإعلان عن اجتماعات مع الفصائل الفلسطينية الموجودة في دمشق, وفصائل المقاومة اللبنانية, أعقبها زيارة استمرت أيام عدة لهاشمي رفسنجاني الى سوريا, جرى خلالها محاولة رفع مستوى التعاون بين البلدين الى مستوى التحالف السياسي, وكان قد بدأ يشهد طوراً صاعداً بعد الإعلان عن برنامج ايران النووي, جاء مواكباً لفوز كاسح لحركة «حماس» في الانتخابات الفلسطينية, وتراجع مد قوى 14 آذار على الساحة اللبنانية؛ تعزز مع خروج قاضي التحقيق الألماني ديتليف ميليس خارج ملعب التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري, خصوصا أنه أدى مهمته في خلق الأجواء المناسبة لاستصدار عدة قرارات عن الأمم المتحدة تخص العلاقات السورية اللبنانية, حيث تم استهلاك قضية التحقيق إلى درجة لم تعد صالحة للتداول السياسي, وثمة مؤشرات كثيرة تؤكد الاتجاه الدولي بسحب هذا الملف من التداول. ولا شك في أن هذه المتغيرات اسهمت في تخفيف الضغط عن سوريا, في وقت كانت تتعزز فيه قدرة إيران على التفاوض مع أميركا وأوروبا على خلفية البرنامج النووي. وتمثل آخر التقارب الايراني السوري, في توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين وزيري الدفاع لمواجهة أي عدوان اسرائيلي, او اميركي محتمل.
هذه المستجدات تشير إلى بزوغ فرصة جديدة لسوريا من حوار واشنطن إيران, لمعالجة آثار العامين الماضيين, واستعادة سوريا للشرعية الدولية في ممارسة دورها الإقليمي. ويتمثل في عدة ملفات أهمها علاقاتها مع لبنان, ولا سيما أن المطالب السورية في هذا المجال, كانت واضحة وهي سحب الأصابع الدولية من عجين هذه العلاقات, تحديداً مسألة ترسيم الحدود, طالما أن القوى الدولية لا تسعى لاستكمال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية, ولا التحرك لوقف الانتهاكات في الجولان المحتل, ولا الضغط لاستئناف مفاوضات السلام لتمكين سوريا من استعادة أراضيها, وهي بمجملها مربوطة بخيوط المقاومة الذي تسعى أميركا وإسرائيل بدعم من الغرب إلى قطعها لفرط تلك القضايا حتى يتسنى تمويتها كل واحدة الى حدة, وهو ما تسعى سوريا وإيران لمنعه لمصلحة دعم المقاومة الممثلة بـ«حزب الله» في لبنان وحركة «حماس» في فلسطين, بهدف إبقاء الأمور تراوح في المكان, ويحول دون تفجر الوضع على الأقل إذا لم يتم التوصل الى حل. أما وإيران بدأت تعطي مؤشرات لجهة تليين الموقف السوري من لبنان, فإنها لا تراهن كثيراً على فلسطين, التي تعطي شرعية لنظامها الإسلامي. لكن على الصعيد الفلسطيني نفسه قد تبذل سوريا جهداً لدفع «حماس» نحو موقف معتدل من إسرائيل مقابل الحصول على موقف دولي معتدل من علاقتها مع لبنان, وبالتالي ستفاوض في العراق على الملفين اللبناني والفلسطيني, حيث يمكنها تقديم شيء ملموس في مجال محاربة الإرهاب, مما يشكل دعماً للاستقرار لا يمكن إغفاله في العراق. بل وقد تقبل الدخول في حل عربي كان مطروحاً منذ أشهر عدة, مقابل رفع اليد عن علاقاتها مع لبنان, ومؤازرة حقها في استعادة أراضيها المحتلة, والعمل على إحياء المبادرة العربية للسلام التي أقرتها قمة بيروت, وهو ما يتطلب من سوريا العمل على إعادة تفعيل المبادرات العربية التي نشطت قبل قمة الخرطوم بشكل ملحوظ, وخمدت لدى إعلان الرئيس السوري في مؤتمر الأحزاب العربية في دمشق عدم القبول بدخول جيش عربي الى العراق, طالما هناك احتلال أميركي, بعد إخفاق نجاح المبادرات العربية في تصحيح العلاقات السورية اللبنانية, أو حتى تهدئة الهجوم الإعلامي عليها, لتشهد من بعدها الخطوط السورية العربية فتوراً, في وقت أخذت تزداد الحرارة باتجاه إيران. ومن المرجح أن يعيد الحوار الإيراني الاميركي, الحياة على الخطوط السورية العربية, بإحياء معادلة إقليمية دأبت واشنطن على عرقلتها, وكانت تقضي بإيجاد حل للأزمة في العراق تسهم فيه دول الجوار, ويكون لسوريا حصة مهمة فيه, تنال مقابلها ضمان مصالحها في لبنان, وأولها عدم تحويله الى ممر يستخدم لإضعاف سوريا, خصوصا أن شبكة التجسس التي تم ضبطها اخيرا, أكدت المخاوف السورية من استغلال لبنان كساحة مكشوفة أمنياً لزعزعة استقرارها.
إذا صحت هذه القراءة, فإن موقع سوريا من الحوار الإيراني الأميركي الغربي سيكون داعماً, كونها أحد الأطراف الرئيسية في حلف الممانعة, المعني بهذا الحوار مباشرة, مما يجعلها تسعى لأن يكون لها وللأطراف الأخرى نصيب من عائدات الحوار لصالح الحفاظ على استقرار المنطقة. وستحاول تعزيزه بالدعم العربي عبر الدور المصري السعودي الخليجي, كي يصار الى وضع حلول لجميع القضايا العالقة كسلة واحدة, ما يتطلب حواراً مباشراً بين واشنطن ودمشق, ولو انه لا يزال يبدو مستحيلاً, كما الحوار الإيراني الأميركي قبل عدة أشهر.
هل يتغير الموقف الأميركي من سوريا؟ قد يكون هذا مرتبطاً إلى حد كبير بنتائج الحوار الإيراني, خصوصا أن هناك آراء أميركية ترى أن «محادثات الولايات المتحدة مع سوريا, تحتاج إلى توسيع, لكي تحتوي مشاكل الحدود والمياه مع إسرائيل, ودعم الجماعات الفلسطينية المسلحة, ومسألة برامج الأسلحة غير التقليدية المزعومة, وأيضاً المطالبة بدعم استقرار العراق, والتعاون في الحرب ضد الإرهاب». إلا أن ما يجعل ذلك مستحيلاً بالنسبة الى البيت الأبيض, ارتباط سياسته مع السياسات الإسرائيلية في المنطقة. ومع هذا فثمة مؤشرات جيدة لدمشق يحملها الموقف الداعم الذي صدر الأربعاء من الاسبوع الماضي عن مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في وجه العقوبات الأميركية, ودعوة الولايات المتحدة للحوار المباشر, ورفض المؤتمر «للعقوبات أحادية الجانب المفروضة على سوريا, وما يسمى «قانون محاسبة سوريا» باعتباره مخالفا لمبادئ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة, وتغليباً لقوانين الاحادية الاميركية في الهيمنة على العالم»
سعاد جروس
إضافة تعليق جديد