بانتظارعاصمة الثقافة لـ 2008 دمشق تستنفر على كل المحاور
تنظر دمشق بجدية بالغة لاختيارها عاصمة للثقافة العربية عام 2008. والأهمية التي توليها جهات رسمية عديدة لهذه الاحتفالية، إضافة إلى الاستنفار القوي للعديد من المؤسسات لإنجاح التظاهرة، هي أمور تؤكد ان القضية تتعدى الثقافة بمعناها الرائج عربياً، لتصبح بالنسبة لسوريا مناسبة للانفتاح ليس على العرب فحسب وإنما على دول غربية عديدة فالباب الثقافي قد يكون أسهل الأبواب وأشدها فعالية لاختراق الجدران الصماء، وإعادة ترميم ما أفسده الزمن.
يتم اختيار المدن العربية كعواصم للثقافة العربية من خلال وزراء الثقافة العرب، وهكذا تم اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008. وفي مطلع العام الجاري صدر مرسوم رئاسي سوري بتسمية د. حنان قصاب حسن، أمين عام لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية. وقد لاقى هذا الاختيار ارتياحاً في الأوساط الثقافية السورية لما تحظى به الدكتورة قصاب حسن من تقدير. تقوم الأمينة العامة بتشكيل مجلس إدارة للاحتفالية يصادق عليه من قبل رئيس مجلس الوزراء، وقد تم تشكيل هذا المجلس في الشهر الثاني من هذا العام ويضم: د. إحسان عنتابي، د. إلياس زيات، د. ميشيل مقدسي، د. رانيا سمارة، د. حسان عباس. كما تقترح الأمينة العامة مجلساً استشارياً يضم 14 شخصية ثقافية بارزة من داخل سورية وخارجها.
وأفدنا من المكتب الصحافي، أن الأمانة العامة تقوم في الوقت الحاضر بوضع اللمسات الأخيرة على الهيكل التنظيمي والأمور اللوجستية التي لا بد منها للشروع في العمل. كما أفدنا أن الأمينة العامة خلال الأيام القليلة القادمة، ستدعو إلى مؤتمر صحافي تكشف فيه عن الأعمال التي تم إنجازها حتى الآن، وما هي الأشياء المتبقية. وستشمل الاحتفالية فعاليات عديدة في مجال الأدب والفن التشكيلي والموسيقى والمسرح والرقص والسينما، كما ستكون هناك ندوات على المستوى العالمي حول التاريخ والآثار والأدب والفن. ويتم الاتصال على المستوى العربي والعالمي لتحديد الفعاليات الخارجية التي ستدعى خلال الاحتفالية. وتقول الدكتورة قصاب حسن: التحدي الأكبر هو أن نستطيع التوصل إلى فعاليات لها طابع مختلف عما يتم تقديمه عادة في المشهد الثقافي، إذ يجب أن يشعر الناس أن سنة 2008 استثنائية، ولذا كان ضرورياً اختيار فعاليات متميزة نوعياً حتى ولو لم تكن كثيرة بالعدد.
إذاً، من المقرر أن تكون دمشق تحت الأضواء الاحتفالية في العام القادم وعلى مدى عام كامل، ولذلك يجري التحضير على كافة المحاور. وتقوم محافظة دمشق، منذ شهور، بإجراء تعديلات جذرية على شكل المدينة، في مشروع تحديث وتجميل وتنظيم للشوارع وللساحات والأبنية.
ومن الواضح أن العناية الفائقة من قبل الرسميين بهذا الحدث تعكس أهميته عندهم. فثمة عدة وزارات معنية بهذا الحدث بالإضافة إلى مجلس المدينة الذي تتبع له البلديات. فوزارة الثقافة وكذلك الأمر بالنسبة لوزارة السياحة، توحيان وكأنهما بحالة استنفار أو سباق مع الزمن لملاقاة هذا الحدث (الاستثنائي) ربما! وتتصرف وزارة الإعلام ، حيال الحدث، وكأنه لا يزال من المبكر الحديث عنه! وقلما تتطرق له الصحافة المحلية!
وتطمح الدكتورة حنان قصاب حسن، كما قالت للصحافة، إلى: "أن تتحول المدينة، خلال سنة الاحتفالية، بكل أحيائها ومناطقها إلى مركز ثقافي مفتوح دائم ومتنقل في الوقت نفسه". وتقول أيضاً:"نتمنى أن نتوصل إلى ألا تقتصر الفعاليات على مدينة دمشق ولا أن تكون موضوعاتها دمشقية بحتة".
المؤسسة العامة للسينما ومنذ الإعلان عن اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية أعلنت عن خطتها في إنتاج أفلام بهذه المناسبة. وقال محمد الأحمد، المدير العام للمؤسسة العامة للسينما إن الأفلام التي ستعرض عام 2008 بهذه المناسبة هي: "خارج التغطية" للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد، "سبع دقائق على منتصف الليل" لوليد حريب، "الهوية" لغسان شميط، "دمشق يا بسمة الحزن" لماهر كدو، "حسيبة" لريمون بطرس، "أيام الضجر" أيضاً لعبد اللطيف عبد الحميد، بالإضافة إلى عشرة أفلام طويلة، وكلها بتمويل من المؤسسة العامة للسينما، كما قال الأستاذ محمد الأحمد، ولم يرصد لها أي شيء من موازنة احتفالية دمشق، وسنضعها بتصرف الاحتفالية متى أراد القائمون عليها لبرمجتها.
ومن المقرر أن تقوم مديرية التأليف والترجمة التابعة للهيئة العامة للكتاب بطباعة كتب بهذه المناسبة، تشمل مجالات عديدة بعضها عن دمشق والبعض الآخر كتب أدبية متنوعة لأدباء سوريين: شعر، رواية، قصة، نقد وتاريخ.
وتنجز كل هذه النشاطات بتمويل حكومي، وثمة رهان على المتطوعين من المجتمع الأهلي. وهذا ما أشار إليه المفكر طيب تيزيني في لقاء صحافي معه حول المناسبة نشر على أحد المواقع، ورأى تيزيني أن المناسبة مهمة للغاية، ويجب أن نجعلها تليق بمدينة دمشق. دور النشر ربما تكون من أكثر المراهنين على الاستفادة من هذه المناسبة، فستكون لها مشاركة في المعارض. ويقول بسام عليشي، مدير "دار الينابيع للنشر والتوزيع": إن احتفالية كهذه على مدى عام قد تنعش دور النشر، لكن هذا يتطلب من القائمين على الاحتفالية أن يقدموا تسهيلات لهذه الدور كتخصيص أجنحة للعرض بأسعار مخفضة أو مجانية.
وإذا كانت الجهات الرسمية والأكاديمية ودور النشر، ترحب بهذه الاحتفالية الثقافية، وترى أنها ذات معان ويمكن أن تعكس صورة عن حضارة دمشق وسورية بشكل عام. لكن كيف ينظر الأدباء والمثقفون السوريون إلى هذه المناسبة، وماذا يعني لهم ان تكون دمشق عاصمة للثقافة العربية؟
الفنان التشكيلي قحطان الطلاع من المشاركين في معارض الاحتفالية يقول: أن تكون دمشق عاصمة ثقافية للعالم العربي هذا يعني الكثير، بالنسبة لي على الأقل، فلعل العرب يتذكرون هذه المدينة العربية ذات التاريخ الحضاري العريق وهي أقدم المدن المأهولة في التاريخ، ولا تزال مدينة الثقافة والفن. لكن في ما يخص الاحتفالية لم أشاهد بوادر تدل على أن دمشق ستكون في العام القادم، الذي يفصل بيننا وبينه بضعة أشهر، المكان الأجمل والأنسب! فمن واجب نقابة الفنون أو مديرية الفنون أو من كلف بالمسائل الفنية أن يجعل من شوارع دمشق وساحاتها معبرة عن هذا الحدث القادم، كأن نشاهد مثلاً جداريات لمجموعة من الفنانين وفي أماكن متعددة وواضحة من المدينة، أو أعمال نحت لنحاتين سوريين في الشوارع والساحات، ولا أعرف ان كان هذا سيتم في الأيام القادمة وآمل ذلك. وبالنسبة لي أقوم الآن بعمل فني بانورامي، أتمنى أن أوفق في إكماله وإظهاره في هذه المناسبة العزيزة .
لكن المخرج المسرحي، محمود خضور، رغم أن له عرضاً في الاحتفالية يقول:هل توجد ثقافة عربية حتى نحتفي بها، استغرب كيف نقيم احتفاليات وسط هذا الخراب المحيط بنا والذي يهددنا؟! ثم يقول: إنه لا يجد أملاً في شيء مع ما يجري على الساحة العربية من قتل ودماء!
النحات ورئيس تحرير مجلة "أبلودور الدمشقي" (مجلة عمارة وديكور) يرى أنه من الممكن أن تكون هذه المناسبة مهمة ويساهم فيها الجميع، فهي من جهة حشد كبير لفعاليات ثقافية وفنية إذا تعاملنا معها بإيجابية، وللذين يتحدثون عن هدر الأموال أقول إن الأموال تهدر منذ عقود وكيفما اتفق وبالسر وبالعلن! فلينفق هذه المرة جزء منها على الثقافة والفنون! ويرى شاهين ان تجاوبنا مع هذه الاحتفالية قد يحد من الفوضى ويشكل رادعاً للمخربين أصحاب النفوس الخسيسة الذين تترك لهم الساحات دائماً ليفعلوا ما يشاؤون، ثم نكتفي بان نتحدث عنهم همساً في السهرات!
الشاعر ياسر سلوم، يقول: هذه الاحتفالية لا تعني لي شيئاً، ولم أدع لأي مشاركة فيها، وكنت أتمنى ألا تكون، لأنني أخشى أن تغدو فرصة جديدة وسمينة للفاسدين أو بقرة حلوبا قدمت لهم هدية على مرج أخضر!
وأمام مثل هذا التخوف الجدي الذي عبر عنه آخرون أيضاً، لم يريدوا ذكر أسمائهم، لعل الجهات المنظمة، لا سيما الأمين العام تتنبه وتضع ضوابط صارمة لمواجهة احتمال كهذا قد يسيء - إذا ما حصل - كثيراً لهذه الاحتفالية! فكيف سيتم الحد من المحسوبيات والهدر والتنافس غير الشريف وتقريب ناس واستبعاد آخرين، مما يزيد من القهر والحسد في أوساط المثقفين السوريين؟! وقد يكون هذا تحديا صعبا يواجه الجهة القائمة على الاحتفالية إذا ما أرادت أن تنجح في عملها، وسبق ان قرأنا الكثير من الاتهامات التي أثيرت حول احتفالية حلب كعاصمة ثقافية للعالم الإسلامي عام 2006.
وكانت الدكتورة حنان قصاب حسن قد قالت في معرض حديثها عن الاحتفالية: "الأمر الأهم بالنسبة لنا هو التوصل إلى تخطيط صحيح وتنظيم دقيق وتنفيذ محكم، فالغلط غير مسموح والفوضى مرفوضة. ولا بد إذاً من تشكيل فريق واع لمسؤولياته ولتفاصيل عمله ومدرب بشكل جيد".
لكن كما هو معروف ان إرضاء الجميع أمر مستحيل، ولا بد دائما من وجود المستائين، وأمزجة الناس لا سيما المثقفين منهم متنافرة وحادة في تنافرها، وقد لا تتفق حتى على الاحتفال ومظاهر البهجة ولو زينت بالندوات الفكرية وبالشعراء والمغنين! ولعل هذا أمر فيه حكمة خفية! وللذين يرون بالاحتفالية الثقافية لدمشق أمراً حسناً ننقل إليهم ما تطمح إليه الدكتورة حنان قصاب حسن أمين عام الاحتفالية، تقول:" المطلوب هو الانطلاق في تحديد واع للصورة التي نريدها أن تظهر لدمشق كعاصمة عربية للثقافة... وإبرازها كمدينة معاصرة حية وحيوية تواكب الحداثة في العالم مع التركيز على عراقتها وأصالتها. وعلى الصعيد التنفيذي لا بد أيضاً من حشد الطاقات، واستثمار الزمن بشكل فعلي لنتوصل إلى تنفيذ محكم ودقيق وصحيح وأنيق للفعاليات التي يتم الآن تحديد نوعيتها وأمكنتها ولمن تتوجه وكيف وأين ومتى.."
إذاً، مثقفون سوريون لا تعني لهم الاحتفالية شيئاً، وآخرون تعني لهم الكثير ويبقى التحدي والانقسام!
ناظم مهنا
الشرق الأوسط
إضافة تعليق جديد