المفاوضات الإسرائيلية- السورية بعيون فرنسية
أبدت باريس اهتماماً خاصاً بالاخبار التي تحدثت يوم امس الأول عن مفاوضات "اسرائيلية" سورية غير مباشرة، تجرى بوساطة تركية، واستقبلت الاوساط الرسمية في "الأليزيه" ووزارة الخارجية الأمر بتفاؤل، في الوقت الذي سلط العديد من الخبراء والمتخصصين الاضواء على جوانب العملية.
يرى المتخصص في شؤون الشرق الاوسط في يومية "ليبراسيون" الفرنسية جان بيار بيران ان هناك نقاشاً جاداً في "اسرائيل" حول مسألة اعادة الجولان الى سوريا، وقال ان هناك مجموعات "ثينك تانك" من اجل تقديم النصح في هذا المجال لوزيرة الخارجية "الاسرائيلية" تسيبي ليفني، وينقل بيران العائد حديثا من رحلة الى "اسرائيل" والأراضي الفلسطينية المحتلة استغرقت اسبوعين، عن مصادر في وزارة الخارجية "الاسرائيلية" قولها "اذا تمكنا في البداية ان نحصل من سوريا على شيء ملموس، فإن مسألة الانسحاب من الجولان سوف تحظى بالدعم في اوساط الشارع "الاسرائيلي"". إلا ان قيادة الأركان تعارض في صورة قاطعة عملية الانسحاب من هضبة الجولان التي تعد منطقة استراتيجية بالنسبة للامن "الاسرائيلي". ويقول بيران ان مصادر دبلوماسية "اسرائيلية" ابلغته بأن "اسرائيل" وضعت شرطين على سوريا: الاول هو وقف دعم حزب الله وحركة "حماس"، والثاني هو انهاء التحالف الاستراتيجي بين سوريا وايران.
ويجيب بيران حول سؤال عما اذا كانت سوريا سوف تقبل هذين الشرطين بقوله ان حكم الرئيس بشار الاسد يتطلع الى نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولن يأخذ على نفسه اية التزامات قبل انتخاب رئيس أمريكي جديد يستقر في البيت الابيض في مطلع العام القادم. وأضاف انه بالرغم من العقوبات الأمريكية ورفض واشنطن التحاور مع سوريا، فإن دمشق تعتبر ان الولايات المتحدة تشكل افضل داعم ممكن لبقاء الادارة السورية الحالية، ويرى بيران ان القيادة السورية تمسك بالورقة العراقية، وهي بوسعها ان تقايض على ما يعرف ب "المقاومة السنية"، ولاسيما ان هناك سوابق، حيث ان الرئيس جورج بوش الاب قبل سنة 1990 بقاء اليد السورية على لبنان، مقابل المشاركة في التحالف الدولي الذي تشكل ضد الرئيس العراقي السابق صدام حسين بعد احتلاله الكويت، إلا ان سوريا في الوقت الراهن مثلها مثل الكثير من البلدان تعصف بها ازمة اقتصادية، الأمر الذي يمكن ان يلهمها للخروج من العزلة التي تعيش فيها.وفي هذه الاثناء فإن نظام بشار الاسد متردد بين بدائل عدة.
وهناك سؤال آخر يطرح نفسه، هو لماذا كشفت "اسرائيل" عن هذه المفاوضات التي بقيت سرية حتى الآن؟ يقول بيران انه من البديهي ان يكون رئيس الوزراء "الاسرائيلي" يهود اولمرت المتهم بقضايا فساد يريد ان ينسي العالم الملاحقات القضائية التي تطارده، وينقل عن النائب الليكودي في الكنيست "يوفال شتينتز" قوله "من المؤسف ان رئيس الوزراء يسارع الى اعادة الجولان فقط لكي يفلت من الادانات القضائية".
ويرى بيران انه بعد فشل عملية "انابولس" للسلام التي تجمدت عندها جهود السلام الفلسطينية "الاسرائيلية"، يبدو اولمرت بحاجة الى فتح جبهة ديبلوماسية جديدة.
والسؤال الاخير في هذا المجال هو لماذا تلعب انقرة دور الوساطة بين سوريا و"اسرائيل"؟ يرى بيران ان تركيا من دون ان تتخلى عن علاقاتها الخاصة مع "اسرائيل"، بدأت تبدي اهتماما كبيرا بالمنطقة، وخصوصا بعد وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في سنة ،2002 والذي يعتبر من الناحية المنطقية اقرب للحكومات العربية بسبب تركيبته الاسلامية، ورغم الانعكاسات السلبية على العلاقات مع واشنطن، انفتحت انقرة بقوة في اتجاه دمشق واستقبلت بحفاوة بشار الاسد، وهي منذ زمن طويل تعرض امكان تنظيم مؤتمر اقليمي حول السلام بين "الاسرائيليين" والفلسطينيين، وطموحها هو ان تلعب باقتدار في الشرق الاوسط الدور الذي يخولها اياه وزنها الاقتصادي، وثقلها العسكري، وماضيها التليد.
ويلاحظ الصحافي في صحيفة "لوموند" ميشيل بول ريشارد ان المفاوضات بين دمشق وتل ابيب بدأت بالرغم من سخونة الجو العام بين البلدين، وضرب مثالا على ذلك قصف الطيران "الاسرائيلي" في السادس من ايلول/سبتمبر 2007 ما وصف بأنه منشأة نووية سورية، وكذلك اغتيال عماد مغنية في 12 شباط/فبراير الماضي في دمشق، والذي نسب الى الموساد "الاسرائيلي". وكشف انه منذ سنة جرت محاولات عدة، وتم اطلاق سلسلة من المبادرات للحوار من الجهتين، واستشهد بقول وزير الدفاع "الاسرائيلي" يهود باراك في في 30 آذار/مارس الماضي، الذي اكد على ان "اسرائيل" تعتبر ان "فتح مفاوضات مع سوريا... هو هدف مركزي"، وكان اولمرت قد سبقه بأيام حين أبدى موافقته على مفاوضات سرية مع سوريا، وقال انه "مستعد لصنع السلام مع سوريا".
بشير البكر
المصدر: الخليج
إضافة تعليق جديد