المعطيات النظرية في الحرب الأمريكية ضد الإرهاب (2-2)
الجمل: حدد خبراء الإدارة الأمريكية، في البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ومراكز الدراسات الاستراتيجية، الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب، وقد شكلت هذه الاستراتيجية أحد المبادئ الأساسية لمذهبية الحرب الأمريكية المفتوحة ضد الإرهاب.
توسعت الإدارة الأمريكية والبنتاغون في تحديد مسارح الحرب ضد الإرهاب، وبناء على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للإرهاب العالمي، والتي حددت عدداً كبيراً من الحركات السياسية، تم تصنيفها إرهابية، إضافة إلى بعض دول العالم التي صنفتها القائمة باعتبارها دولاً راعية للإرهاب.
• الدول الراعية للإرهاب: سوريا، إيران، السودان، كوريا الشمالية، كوبا، إضافة إلى بعض الدول الأخرى.
• الحركات الإرهابية: وتتضمن:
- 47 حركة ومنظمة إسلامية.
- 7 حركات مسيحية.
- حركة واحدة يهودية.
- 10 حركات هندوسية سيخية.
- حركتان تتضمنان خليطاً من المذهبيات الدينية (مثل جيش الرب الأوغندي الذي يمزج بين الأصولية المسيحية والأصولية الإسلامية، ويقاتل بين صفوفه الأصوليون المسيحيون جنباً إلى جنب مع الأصوليين المسلمين).
- 171 حركة سياسية واثنية وبيئية وعقائدية علمانية.
اعتمد البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ووكالة الأمن القومي، هذه الحركات والدول باعتبارها إرهابية وراعية للإرهاب. ومن ثم قام خبراء البنتاغون ووكالات المخابرات الأمريكية المختلفة، بتخطيط مسارح الحرب الأمريكية المفتوحة ضد الإرهاب، وبرغم أن الاستراتيجية الأمريكية تنظر إلى العالم كله كمجال استراتيجي موحد، وفقاً لمصطلح المسرح الحربي العالمي. وقد ركز الخبراء الأمريكيون على تخطيط عملية الحرب ضد الإرهاب، وفقاً لمبدأ الأولويات العاجلة، القائم على أساس اعتبارات أن خطر الإرهاب في بعض المسارح الإقليمية قد انتقل متطوراً من مرحلة الخطر الثانوي إلى مرحلة الخطر الرئيسي الذي يستلزم ويتطلب المواجهة والحسم العاجل. وبناء على ذلك تم تحديد المسارح الآتية:
• منطقة الشرق الأوسط: وتتضمن المسارح الآتية:
- مسرح شرق المتوسط: العراق، سوريا، لبنان، والأراضي الفلسطينية.
- مسرح الخليج: إيران، السعودية.
- مسرح القرن الأفريقي: الصومال، السودان.
• منطقة آسيا:
- مسرح جنوب آسيا: أفغانستان، وباكستان.
- مسرح جنوب شرق آسيا: أندونيسيا، الفلبين، وتايلاند.
بدأت الإدارة الأمريكية حملتها العسكرية بعملية غزو واحتلال أفغانستان، وأعقبتها بعملية غزو واحتلال العراق، وكان من المخطط له أن تتوسع عمليات الغزو والاحتلال لتشمل سوريا، السعودية، وإيران، وأن يترك أمر لبنان والأراضي الفلسطينية لإسرائيل.
الثقة المفرطة التي بدأت بها الإدارة الأمريكية، انكسرت على أرض الواقع، وذلك بعدما برزت الكثير من المشاكل والعراقيل، أبرزها:
• المقاومة الشديدة: برغم اكتمال عملية الغزو والاحتلال، فإن عملية فرض السيطرة على أفغانستان والعراق لم تكتمل، بل وجدت أمريكا نفسها مهددة بهزيمة عسكرية على غرار ما حدث للقوات الأمريكية في فيتنام.
• التكاليف والخسائر: ارتفعت تدريجياً الخسائر المادية والبشرية، وتزايدت معدلات سقوط الضحايا الأمريكيين، إضافة إلى تدمير العتاد، أما بالنسبة للنفقات المالية، فقد ارتفعت بأرقام فلكية خاصة في المسرح العراقي، واستناداً إلى الإحصاءات الأمريكية، فقد تبين أن تكاليف الحرب المباشرة ضد العراق، قد كلفت الاقتصاد الأمريكي حتى الآن حوالي تريليون دولار (أي ألف مليار دولار: 1000،000،000،000)، هذا بخلاف تكاليف حرب أفغانستان، والخسائر غير المباشرة التي واجهت الاقتصاد الأمريكي، (الخسائر غير المباشرة تتضمن الخسائر التي حدثت داخل أمريكا، وفي معاملاتها مع العالم الخارجي بسبب الحرب، وأيضاً الخسارة الناجمة عن الفرصة المفقودة، والتي كان يمكن أن يستفيد منها الاقتصاد الأمريكي لو تم استثمار مبلغ التريليون دولار في المشاريع الاستثمارية).
الأداء العسكري الأمريكي، في أفغانستان والعراق، كان فاشلاً بكل المقاييس، وذلك وفقاً لشهادات وإفادات القادة والزعماء الأمريكيين الذين كانوا أكثر حماساً وإشرافاً على عملية الحرب ضد الإرهاب. فدونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق، وأبرز قادة ودعاة الحرب ضد الإرهاب قال بأنه يشعر بأن الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في العراق كانت استراتيجية تفتقد الكفاءة والفعالية، وبالتالي يتوجب تعديلها وتغييرها. وأيضاً في مؤتمر صحفي بواشنطن في 6 كانون الأول 2006م، قال بوش بضرورة اعتماد وانتهاج استراتيجية جديدة في العراق.
أما في أفغانستان، فقد استطاعت أمريكا (التملص) من واجب القيام بتنفيذ العمليات العسكرية في جبهة الحرب التي فتحتها بنفسها، وقامت بتوريط (حلف الناتو) لكي يقوم بأداء المهمة، وفقاً لواجب شراكة عبر الأطلنطي التي تربط أمريكا بحلف الناتو ودول غرب أوروبا.
بالنسبة للبنان وسوريا، أصبح واضحاً أن الإدارة الأمريكية لم تعد قادرة على التقدم وتنفيذ العمليات العسكرية في هذين البلدين، وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الأمريكية قد عملت على دفع إسرائيل لفتح جبهة الحرب عبر التقدم واحتلال جنوب لبنان، ثم توسيع الحرب إلى سوريا وإيران، على النحو الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى دمج المسرح الحربي الأمريكي مع المسرح الحربي الإسرائيلي ضمن مسرح حربي واحد يمتد من لبنان وسوريا غرباً وحتى أفغانستان شرقاً.
وبرغم الضغوط الأمريكية والبريطانية -وأيضاً الفرنسية كما تبين لاحقاً- على إسرائيل أن تستمر في الحرب، إلا أن إسرائيل وأمريكا اضطرتا للمضي قدماً، وأوقفتا الحرب تحت مزاعم إنقاذ لبنان، وحفظ السلام، وضغوط الرأي العام الدولي، ولكن السبب الصحيح لوقف الحرب هو تمكن مقاتلي حزب الله اللبناني من إلحاق هزيمة عسكرية بالقوات الإسرائيلية، وهو ما لم تكن تتوقعه لا الحكومة الإسرائيلية، ولا الإدارة الأمريكية.. وكان من أبرز تداعيات انتصار حزب الله، تخوف أمريكا من انتقال عدوى مذهبية حزب الله القتالية إلى العراق، وتخوف إسرائيل من انتقال هذه المذهبية إلى الفلسطينيين، وأيضاً تخوف الناتو من مواجهة مشابهة لذلك في أفغانستان.. وقد أدت هذه المخاوف إلى إيقاف الحرب ودفع القوات الإسرائيلية إلى الخروج –على غير عادتها- على عجل من جنوب لبنان.
السعودية تشكل هدفاً مزدوجاً رئيسياً للحرب ضد الإرهاب، وذلك لأن المطلوب في نهاية الأمر تقسيم السعودية، بعد احتلالها سلماً أو حرباً.. وحالياً يمكن القول: إن المملكة العربية السعودية –ومعها بلدان الخليج- أصبحت تحت الاحتلال الأمريكي غير المعلن، وذلك لأن حجم القوات الأمريكية الموجودة فيها يفوق أضعاف أضعاف قوة الجيش السعودي الوطني.. وتؤكد ذلك حقيقة أن القواعد الأمريكية الموجودة في السعودية قد انتهت فترة سريان الاتفاقية الخاصة بها.. ولم يتم تمديد الاتفاقية، وظلت القوات الأمريكية موجودة في تزايد بلا إذن مسبق من السلطات السعودية يخولها البقاء، واستخدام الأراضي السيادية السعودية للأغراض العسكرية والحربية، تماماً وبالضبط على غرار ما يحدث في العراق وأفغانستان.
وعموماً فإن تراجع الإدارة الأمريكية وإسرائيل عن الكثير من بنود الأجندة الموضوعة على طاولة الحرب ضد الإرهاب، هو تراجع لم يكن بتأثير الرأي العام الدولي، وذلك لأنه لا أمريكا ولا إسرائيل تهتمان قليلاً أو كثيراً بالرأي العام الدولي، وأيضاً لم يكن تراجعاً ناشئاً بفعل هزيمة الجيش الإسرائيلي على يد مقاتلي حزب الله.. الأمر الذي جعل الأمريكيين والإسرائيليين يتراجعون على عجل، بعد أن التقطوا الإشارة وفهموا مضمون الرسالة الكامل الذي مفاده ان مسرح الحرب ضد الإرهاب أصبح على وشك التحول إلى مسرح للحرب اللامتماثلة، والتي يؤكد منطقها أن الجيش النظامي فيها هو المهزوم لا محالة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد