الفيلم السوري يموّل من رئاسة الجمهورية

05-01-2009

الفيلم السوري يموّل من رئاسة الجمهورية

من يطرق باب السينما في سورية سيجد أمامه مخرجاً عرفته السينما هناك منذ عقود، أفلامه تسبب أزمة على شباك التذاكر في بلد لا توجد فيه سينما "شباك التذاكر"، بعض من أفلامه يستمر عرضه لمدة عام كامل، والبعض الآخر صالح للعرض بشكل دائم، وهذه الأفلام تحصد الجوائز بشكل تلقائي في المهرجانات العربية والعالمية.

معروف عن المخرج السينمائي السوري عبد اللطيف عبد الحميد ابتعاده عن الأضواء والإعلام، وهو نادراً ما يتحدث للصحافة، ومع هذا حين تحدثنا إليه رحب بنا، فكان لنا معه الحوار التالي:

- أود أن أبدأ بسؤال عن السينما السورية، فمن المعروف أن السينما في سورية أكثر عراقة من التلفزيون بكثير، في رأيك، لماذا لم تتقدم السينما السورية كثيرا بينما نرى التلفزيون يحقق قفزات كبيرة؟

أستطيع القول إن الوضع السينمائي في العالم كله باستثناء بعض الدول كالولايات المتحدة والهند، يمكن تلخيصه بأن عزوف الناس عن صالات السينما هو أمر نسبي بين بلد وآخر، خصوصا وأن محطات التلفزيون والكابل أوصلت السينما إلى البيوت، إذاً هنالك وضع عام عالمي له علاقة بالسينما.

وفي أوروبا لا يمكن أن نجد الصالات ممتلئة في جميع الأفلام، ولكن طقس السينما لا يزال موجوداً عندهم أكثر من عندنا بكثير، أما في سوريا فيمكن القول إن المشكلة ظهرت مع ظهور أشرطة الفيديو وبعدها الأقراص المضغوطة، وهو أمر أثّر كثيرا في السينما بسبب الوضع المعيشي للمواطن، ولكون الإنسان ميال بطبعه للكسل، فيفضل أن يشاهد الفيلم في المنزل بدلا من تكبد عناء الذهاب إلى الصالة...

- ولكن نجد أن المسرح في سورية يستقطب جمهوراً كبيرا مع أنه سيتكبد نفس العناء؟

المسرح له وضع مختلف تماما عن السينما ولو كنت لا أتفق معك أن وضعه أفضل من وضع السينما، ما حدث أن التطور الكبير الذي حصل في التلفزيون أخيراً، سببه أن أصحاب السينما أنفسهم اتجهوا نحو الفيديو والمسلسلات التلفزيونية، لأن دورة رأس المال أسرع فيها، فلم يبق هنالك سينما قطاع خاص، وبقيت المؤسسة العامة للسينما هي الوحيدة التي تنتج الأفلام، والآن عاد القطاع الخاص لينتج سينما منذ عام أو عامين.

- هل تعاونت مع القطاع الخاص في أفلامك؟

فيلم قمران وزيتونة هو من إنتاج القطاع الخاص، ومشروعي القادم بالتعاون مع المخرج هيثم حقي سيكون من إنتاج القطاع الخاص.

الحديث عن الإنتاج السينمائي يدفعني إلى طرح سؤال، فلدينا في سورية مشكلة إنتاج خاص، ومشكلة قلة دور العرض، فمن أين تبدأ المشكلة؟ هل الأولوية للإنتاج أم لدور العرض؟
أعتقد أنه سؤال شائك وحساس، فالمشكلة تشبه أيهما أولا الدجاجة أم البيضة، أنا أرى أن الأمرين يجب أن يتما معاً، مع فارق زمني لبناء الصالة، لأن الفيلم يحتاج إلى صالة لعرضه، ومن هنا يمكن تفضيل صالة العرض على إنتاج الفيلم.

- ما الذي يعيق إقامة هذه الصالات، سواء الحكومية منها أم الخاصة؟

من الجيد تسليط الضوء على هذه النقطة، فالناس يعتقدون أن مؤسسة السينما هي المسؤولة عن بناء الصالات، وهذا غير صحيح، وحتى وزارة الثقافة ليست هي المسؤولة فهي تمتلك صالة الكندي في كل محافظة، أما الصالات الأخرى فهي تابعة للمحافظة وهي المسؤولة عن دور العرض.

- وصالات القطاع الخاص؟

المشكلة تكمن في القطاع الخاص، فمنذ أعوام عدة أعطي أصحاب الصالات امتيازات وإعفاء من الضرائب لمدة خمس سنوات كي يحدثوا صالاتهم، إذاً الكرة في ملعبهم وهم لا يريدون التحديث، وثمة مشكلة أكبر، فهنالك قسم من مالكي الصالات يريدون هدم صالاتهم والاستثمار في مجال آخر، لكن الوزارة لا توافق على الهدم، أي أن هنالك عزوفاً عن السينما لدى البعض.

- ما رأيك بمهرجان دمشق السينمائي لهذا العام؟

أنا أرى أنه كان أفضل من كل الأعوام السابقة على كل الصعد.

- وجعل المهرجان سنوياً بدلا من إقامته كل عامين ماذا سيقدم لكم كمخرجين؟

سيصبح هنالك فيلمان في العام بدلا من فيلمين كل عامين، وسيزيد من همة المخرجين، كما سيزيد من فرصة مشاهدة عدد أكبر من الأفلام خلال العام.

- تعود هنا مشكلة الصالات، فهل الصالات الموجودة في دمشق كافية؟
في الدورة القادمة للمهرجان، سيكون هنالك ثلاث صالات جديدة، اثنتان منهما قطاع خاص، والثالثة هي صالة الكندي الجديدة والتي تبنى في منطقة مشروع دمر في ضواحي دمشق.

- جعل المهرجان سنويا، ألا يضغط ويقلص الميزانية الخاصة بالإنتاج السينمائي السنوي؟
سأقول لك شيئاً، الجميع يعتقدون أن ميزانية الإنتاج هي من المؤسسة العامة للسينما، وهذا غير صحيح، وإذا توقف المهرجان فهذا لا يعني أبدا توقف الإنتاج من خلال المؤسسة، لأن التمويل مستقل.

- من أين التمويل إذاً؟

تمويل الإنتاج يأتي من رئاسة الجمهورية وبرعاية رئيس الجمهورية، وهذا ما يخفى عن الناس، فيعتقدون أن التمويل مرتبط بالمؤسسة.

- نلاحظ أن المهرجانات العربية سواء مهرجان دمشق أو القاهرة ودبي ومراكش تقام جميعها في أوقات متقاربة جدا، ما يسبب ضغطاً على صناع السينما والمهتمين بها، ألا يوجد تنسيق ليصبح هنالك فارق زمني بينها؟

أنا أرى أنه يجب أن يكون هنالك الفارق الذي تحدثتَ عنه، وهو أمر ضروري، ولكن هنالك مهرجانات تسعى للمنافسة مع المهرجانات الأخرى في عامل الوقت تحديدا، ومنذ فترة ليست بعيدة، اجتمع مدراء المهرجانات في الجزائر وبحثوا في موضوع التنسيق بين المهرجانات، لأنه كما أسلفت تقارب المهرجانات مرهق جدا لنا كصناع ومهتمين، وأحيانا تتداخل المهرجانات مع بعضها فيصبح التعب مضاعفاً.

- أيام الضجر، فيلمك الأخير، أثار ضجة كبيرة في أوساط النقاد والإعلاميين، فمنهم من رآه فيلما جميلا جدا، ومنهم من رآه لا يرقى إلى مستوى الفيلم...

ضاحكا: هل فسروا لماذا؟ هم لم يفسروا أي شيء، بالنسبة لي "أيام الضجر" هو أهم فيلم أخرجته، وسمعت هذه العبارة كثيرا من نقاد سينمائيين، والذين قالوا إن الفيلم لا يرقى إلى مستوى الفيلم، لم يوضحوا الأسباب واكتفوا بإطلاق عبارات في الهواء ليثبتوا للعالم أنهم عباقرة.

هم بمعظمهم سينمائيين!

أنا أريد فقط أن يفسروا لماذا، وأنا برأيي أن تسألهم أنت، فعلى ما يبدو انك قد سمعت ذلك منهم.

-... أنا لم أسمع ولكن قرأت ما كُتب مثلي مثل غيري.

-يقول البعض هنا في سوريا، إن عبد اللطيف عبد الحميد يغرق أفلامه باللهجة الساحلية المحلية، وهذا ما يجعل أفلامه ليست عالمية، إنما هي محلية، كيف تراها أنت؟

أنا حقيقة أستغرب ممن يقولون هذا الكلام، لديك فيلم ليالي ابن آوى، وقمران وزيتونة، وما يطلبه المستمعون، ورسائل شفهية، جميعها باللغة الساحلية السورية، وجميعها حصدت جوائز مهمة جدا خارج سورية، في اليابان وأوروبا والولايات المتحدة، فأين المشكلة، أنا أعتبر هذا الكلام سخيفاً جدا.

- هل تعتبر أعمالك للنخبة أم للعموم؟
إنها للعموم، ولكن في فيلم صعود المطر لم تكن كذلك...
مقاطعا...أنا دائما ما يقال عني في وسائل الإعلام إنني حققت المعادلة الصعبة، فقد وصلت للجمهور والنقد والجائزة معاً.

- إحدى قنوات التلفزة السورية قالت إن عبد اللطيف عبد الحميد يأخذ من طريق غيره في إنتاج الأفلام من خلال مؤسسة السينما، كيف ترد؟

ببساطة كل شخص قدم نصّاً أنجزه، هنالك مخرج يقدم كل سبعة عشر عاما سيناريو فيلم، وهنالك مخرج يقدم كل عام سيناريو، المشكلة في المخرجين الآخرين، واسألهم هم لماذا لا يقدمون نصوصا لأفلام، وسأقول لك أمراً لا أرغب عادة بقوله، نصف أفلامي كانت حالة إسعافية لمهرجان دمشق، لأنه لا يوجد لديهم أفلام، فيطلبون مني فيلما لإنقاذ الموقف وهذا حدث في خمس أو ست من دورات المهرجان.

- ما أقرب فيلم من أفلامك إليك؟

لدي فيلمان مقربان جدا، الأول هو أيام الضجر، والثاني هو الفيلم الذي لم أخرجه بعد!.

- كيف ترى السينما السورية بعد عشر سنوات؟

أنا أعتقد أن السينما السورية بعد عامين فقط سيكون وضعها أفضل بكثير مما هي عليه، ولكن نحن بحاجة إلى تدخل الدولة باتخاذ قرار سياسي بزيادة التمويل والدعم لمؤسسة السينما لزيادة عدد الأفلام المنتجة سنويا، بالإضافة إلى ضرورة استثمار القطاع الخاص في الإنتاج السينمائي، وهنالك خبر جيد في هذا المجال، فبعض أصحاب الصالات سينتجون أفلاما سينمائية ليعرضوها في صالاتهم، وقد طلبوا مني شخصيا أفلاماً عدة، وردا على سؤالك السابق حول القناة السورية، فقد طلبوا أن يتعاملوا مع عبد اللطيف عبد الحميد دون غيره.

- هل سبق وقدمت سيناريو ونصّاً لفيلم ورفض من قبل المؤسسة؟

رفض لي فيلم وثائقي في البدايات ولم يوضحوا الأسباب، وحدث أمر في فيلم خارج التغطية سأقوله للمرة الأولى أمام الإعلام، فالفيلم لم يصور إلا بعد موافقة وزير الثقافة، ودار حوار طويل بيني وبين الوزير إلى أن وافق على تصويره، وهو أمر حدث للمرة الأولى في سوريا لكون الفيلم يحمل جانبا سياسيا.

- ما الذي يشغل بال عبد اللطيف عبد الحميد؟

على صعيد العمل، أنا أحضر لإنجاز الفيلم المشترك بيني وبين المخرج هيثم حقي، أما بشكل عام، فهي الأمنيات لهذا البلد أن يبقى بخير، وأن نزيل هذه القسوة الموجودة فينا، فنحن كأشخاص قساة على بعضنا بشكل كبير، ويشغلني كثيرا أن الإنسان ليس لديه مقدرة لأن يفرح لنجاح الآخر، وهذه مشكلتنا الكبيرة.

عاصم جمول

المصدر: الصوت الكويتية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...