العرب في قمتهم: العدو إسرائيل أم إيران
على مدى 62 عاماً، كانت القضية الفلسطينية هي الشغل الشاغل للغالبية العظمى من القمم العربية، العادية منها والطارئة، منذ أنشاص عام 1946 وحتى الرياض عام ,2007 من بين استثناءاتها كانت تلك التي تلت اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية والاجتياح العراقي للكويت، وإن ظلت فلسطين حاضرة بقوة.
32 مرة اجتمع «ملوك وأمراء ورؤساء دول الجامعة العربية»، في قمم عادية وطارئة، وكانت «إسرائيل» دوماً حاضرة على طاولة مشاوراتهم. لكن حضورها على مدى تلك السنوات راح يتبدّل من «عدو» يتعين مواجهته، إلى «طرف» بالإمكان التوصل إلى «سلام» معه.
في هذه الأثناء كان ثمة عدو جديد ينمو بنظر بعض القادة العرب، اختصره الملك الأردني عبد الله بتعبير شهير حول خطر: «الهلال الشيعي»، الذي يمتد من إيران، مروراً بالعراق وسوريا، وصولاً إلى لبنان وفلسطين.
لكن الموقف الشعبي ازاء «محرقة غزة» مؤخراً و«حرب تموز 2006» على لبنان، أظهر شرخاً متزايداً بين الأنظمة العربية، التي اكتفت بـ«شجب الاعتداءات الإسرائيلية»، وشعوبها. هو شرخ يحمل في طياته سؤالاً اساسياً، ربما يتعين على القادة، الذين سيتوجهون إلى قمة دمشق، أن يجيبوا عليه: هل بدّلت بعض الدول العربية، عدوّها، من إسرائيل إلى إيران؟
في قمة أنشاص عام ,1946 رفع القادة العرب شعار «الدفاع عن عروبة فلسطين ورفض إقامة دولة لليهود فيها»، ومع ذلك اغتُصبت فلسطين بعدها بعامين. ثم انتظروا ثماني سنوات ليعقدوا قمتهم الثانية في بيروت، و«ناصروا» فيها مصر وغزة ضد العدوان الثلاثي.
خطر «الصهيونية» وسبل «مواجهتها» ظل ماثلاً في كل القمم العربية التي انعقدت حتى عام 1969: في الإسكندرية (1964)، وفي الدار البيضاء (1965)، وفي الخرطوم (1967) التي اشتهرت بلاءاتها: لا صلح، لا تفاوض، ولا اعتراف، وفي الرباط (1969).
بعد قمة الجزائر عام ,1973 شهد العالم العربي تحولات عديدة، أبرزها توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام ,1977 التي رفضها العرب في البدء، قبل أن تحذو دول عربية أخرى حذو القاهرة بشكل أو بآخر. ثم كانت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 التي سرعان ما تعامل معها بعض العرب على انها خطر يحدق بوجودهم في مقابل تسارع الانفتاح على فكرة الصلح مع اسرائيل، او ما يفترض انه العدو الحقيقي للعرب.
بالرغم من أن هناك قمماً ناصبت العداء لإسرائيل، يقول المحلل والكاتب السياسي في نشرة «تقرير الشرق الأوسط» الأميركي، معين رباني إن الدولة العبرية لم تكن يوماً «عدواً بالنسبة للدول المحافظة الموالية للغرب»، التي تقيم «مع إسرائيل، علاقات رسمية أو غير رسمية، دبلوماسية أو استخباراتية أو اقتصادية».
ويذكّر رباني، بأنه «خلال السنوات الأخيرة من عهد ياسر عرفات، كانت الدول العربية أكثر انتقاداً لمنظمة التحرير الفلسطينية منها لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون أو إسرائيل. وبالتالي موقفها من حماس أو اصطفافها إلى جانب إسرائيل خلال الحرب على لبنان عام ,2006 ليس مستغرباً»، ويذهب إلى حد القول أنه «انه لو كانت إسرائيل قد خرجت منتصرةً على حزب الله أو حماس، ربما، لكانت احتفالات الشمبانيا تتدفق» من المحيط الى الخليج.
ويتابع رباني أن «ما نشهده حالياً هو إحياء ناجح لخطة فاشلة أطلقتها إدارة رونالد ريغان في بداية الثمانينات لإقامة تحالف بين إسرائيل والدول العربية الموالية للغرب، في مواجهة الاتحاد السوفياتي» آنذاك، مع فارق مهم هو أن السوفيات استبدلوا بالإيرانيين. ويعزو رباني «النجاح الحالي» الذي يتحدث عنه إلى أن الأنظمة العربية «باتت أضعف بكثير عما كانت عليه قبل 30 عاماً، ما يعني أنها أكثر خضوعاً وعرضةً لتأثير الإدارة الأميركية».
وبهذا المعنى، يرى رباني أنه ليس بالإمكان الحديث عن «استبدال إسرائيل بإيران»، لأن الأولى «لم تكن يوماً عدواً» بنظر بعض الحكومات العربية، في حين أن العداء للثانية بدأ ما ان نجحت الثورة الإسلامية عام ,1979 ثم ازداد مع توسع النفوذ الإيراني في المنطقة.
ويقول الباحث في مجلس العلاقات الخارجية الاميركي محمد بزي، إن «الدول العربية السنّية السلطوية، كمصر والأردن والسعودية وغيرها من دول الخليج، وخلافاً للانطباع العام، لا تخشى من أن تصدّر إيران» ما يسمى بـ«الشيعية الثقافية، وإنما الشيعية السياسية التي تنتشر عبر مجموعات مثل حزب الله، الذي تمكّن، بانتصاره العسكري على إسرائيل في صيف ,2006 من تجييش الشارع العربي»، بما يتناقض بشكل صارخ مع «خطابها الخاضع لواشنطن». وللدلالة على الهوة بين بعض الانظمة وشعوبها، أفاد استطلاع أجراه معهد «زغبي»، بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان عام ,2006 أن 80 في المئة من المستطلَعين في دول مثل مصر والأردن والسعودية والمغرب والإمارات ولبنان، يعتبرون إسرائيل والولايات المتحدة هي مَن يهدد استقرار المنطقة، في مقابل 6 في المئة فقط حمّلوا إيران مسؤولية ذلك.
ثمة مَن يقول إن هناك علاقة طردية بين واشنطن والأنظمة العربية «المعتدلة». وفي حين ان الولايات المتحدة بحاجة إلى تحويل الانتباه عن فشلها في العراق، عبر التركيز على «الخطر الإيراني»، وأحجمت من اجل ذلك عن انتقاد الأنظمة الحليفة لها في ما يتعلّق بمسائل حرية التعبير والديموقراطية ونزاهة الانتخابات، كما اشار معين رباني، فإن هذه الدول العربية بدأت، بعد الغزو الأميركي للعراق عام ,2003 تتهم طهران بأنها «تغذّي الحرب الأهلية في العراق»، حسبما قال بزي، معتبراً أن «جملة الملك الأردني عبد الله، الشهيرة»، عندما تحدث في نهاية عام ,2004 خلال زيارة إلى واشنطن، عن «انبثاق هلال شيعي» يمتد من إيران إلى لبنان، «تعبّر عن حقيقة المخاوف التي تنتاب الأنظمة السنّية».
من جهته، يقول المحلل فرانكلين لامب، مدير مؤسسة «أميركيون معنيون بالسلام في الشرق الأوسط»، إنه «لا يستغرب أن يستبدل العرب المعتدلون إسرائيل بإيران»، إذا ما «أخذنا بالاعتبار الهوس الأميركي بإيران، والضغط الذي بإمكان واشنطن أن تمارسه على حلفائها».
تعتبر الباحثة في مركز «شاتهام هاوس» ريم علاف أن «العرب المعتدلين استبدلوا عدوهم، إسرائيل بإيران لأنه عدو تسهل عليهم هزيمته أو على الأقل احتواؤه»، موضحةً أن «قادة الدول العربية الحليفة لواشنطن لا يتجرأون على انتقاد إسرائيل بشدة»، ولهذا، و«في محاولة للالتفاف على عجزهم، يقدّمون مبادرات السلام».
ففي قمة فاس في أيلول ,1982 طرح ولي العهد السعودي آنذاك الأمير فهد، أول مبادرة من قمة عربية للسلام مع إسرائيل، وكانت بعد نحو شهرين من الاجتياح الإسرائيلي للبنان. ثم طرحت الرياض مجدداً مبادرة للسلام في قمة بيروت في آذار ,2002 في ذروة الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبعدها في قمة الرياض عام ,2007 التي تلت العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز ,2006 أعاد العرب إحياء مبادرة السلام.
ويشرح الخبير المصري في الشؤون الإيرانية مصطفى اللباد هذه «الظاهرة» بالقول إن «الدول العربية عجزت عن مواجهة التحدي الصهيوني، وقدرتها حالياً على المواجهة تدور حول الصفر في المئة، لكون واشنطن، حليفة إسرائيل، هي الضامن لبقاء الأنظمة العربية الرسمية في مواقعها. لذلك فإن طرح مبادرات السلام يلقي الكرة في ملعب واشنطن... فتتملص تلك الأنظمة من واجباتها وتربح شهورا وأعواماً للبقاء في السلطة».
ويوافقه في الرأي المحلل محمد بزي، الذي يضيف أن «أي تطور، ولو محدود، في جهود السلام يمنح الدول العربية غطاء دبلوماسياً لتعاونها الأوثق مع إسرائيل، والعمل أكثر على عزل إيران».
من جهته، يقول فرانكلين لامب إن «مبادرات السلام، التي تقودها السعودية، تحولت للأسف إلى مجرد ملحق للمشروع الإسرائيلي الأميركي في الشرق الأوسط. وهي مصممَة أصلاً لشراء الوقت لإسرائيل، لحين أن تستكمل الصهيونية استعمارها لفلسطين».
جنان جمعاوي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد