السودان | حملات تضييق بغطاء قانونيّ: المعارضة عاجزة عن التوحّد
تدرك القوى السياسية و"الثورية" السودانية أن لا سبيل أمامها لإسقاط الانقلاب الذي قاده المكوِّن العسكري في "مجلس السيادة"، إلّا عبر توحّدها، إلّا أن تبايُن رؤاها لكيفية تحقيق ذلك وإدارة المرحلة التالية، يجعل الوحدة أمراً صعب التحقّق، على الأقلّ في الوقت الراهن، بالنظر إلى إصرار كلّ من تلك الأطراف على عدم تقديم تنازلات تسمح بخلق أرضية مشتركة. مع هذا، تُواصل «قوى الحرية والتغيير» العمل على بناء جبهة عريضة في مواجهة الانقلاب، بما يوطّئ لإرساء «ترتيبات دستورية جديدة للسلطة المدنية»، باعتبار أن الشراكة القديمة أسقطها العسكر. ترتيباتٌ كشف عضو الائتلاف، جعفر حسن، بعض ملامحها في مؤتمره الصحافي الأخير، بإعلانه أن الدستور الجديد «يتكوّن من مجلس سيادة يمثّل رمزية الدولة، ومجلس تشريعي يضمّ الشباب والنساء ضمن تمثيل عادل، ومجلس للدفاع والأمن، على أن يكون نظام الحكم فيدرالياً». وتأتي تصريحات حسن، بعدما كان عضو «الحرية والتغيير»، وزير مجلس الوزراء في الحكومة السابقة، خالد عمر، قد أوضح أن «الدستور الجديد سيكفل للشعب حقّ اختيار رئيس الوزراء الذي يمثّله، كما سيتضمّن تحديد العلاقة بين المؤسّستيْن العسكرية والسياسية»، مشدّداً على «أهمّية أن يتعامل الدستور مع إصلاح المؤسّسة العسكرية، ليس كملفٍّ عادي، بل يجب وضع خريطة طريق محدّدة من أجله». وأبدى عمر أسفه لموقف «الحزب الشيوعي» الرافض لمقابَلة قوى «الحرية والتغيير»، مؤكّداً رفض الائتلاف، في المقابل، الجلوس مع «الشيوعي» كأحزاب منفردة. ورأى أن «الوضع الآن يتطلّب توحيد قوى الثورة»، مستدركاً بأن «الحرية والتغيير لن تتوقّف عند موقف طرف، وستعمل على توحيد الجبهة».
يرجِّح متابعون أن تؤدّي الهجمة الأمنية على القوى السياسية والثورية إلى اتخاذ خطوة الوحدة
في الأثناء، وفي ظلّ تبادل القوى المعارِضة الاتهامات في ما بينها، يمضي العسكر في تدعيم أركان سلطته، عبر التغوّل في مختلف مفاصل الدولة، من خلال عناصر تلتقي مصالحها مع مصالحه. ويجري ذلك في موازاة حملة اعتقالات واسعة للخصوم السياسيين، شملت عدداً من قيادات الأحزاب، من بينهم خالد عمر، وعضوا «لجنة إزالة التمكين» وجدي صالح والطيب عثمان، إضافة إلى عدد من الناشطين السياسيين، فضلاً عن حملة مداهمات لمقارّ «لجان المقاومة» في عدد من أحياء الخرطوم. ويصف مراقبون تلك الحملات بأنها «سياسية تحت غطاء قانوني، الهدف منها كسر شوكة المعارضة وترويع المواطنين، وزرع الخوف في نفوس الأُسر، بهدف منع أبنائهم من الخروج في التظاهرات ضدّ العسكر»، مبدين خشيتهم من كون الاعتقالات الأخيرة «مؤشّراً إلى عودة النظام الشمولي».
ولكي تُبعد شبهة الاعتقال التعسّفي عنها، شرعت السلطات، أمس، في فتح بلاغات جنائية في حقّ المعتقلين، إذ أعلنت نيابة شمال الخرطوم أن الإجراءات في حقّ المشتبه فيهم (وجدي صالح، عبد الله سليمان وآخرين)، قد تحوّلت بعد التحرّي، إلى دعاوى جنائية، بموجب المادة 177 من القانون الجنائي لسنة 1991، المتعلّقة بمخالفة القانون في التعامل بالنقد الأجنبي، ومخالفة الإجراءات المالية والمحاسبية وقانون مكافحة الثراء الحرام، مضيفة أن النيابة العامّة تتولّى التحقيق في البلاغات المذكورة. وردّاً على هذه التطوّرات، دانت دول الترويكا (النروج، المملكة المتحدة والولايات المتحدة) عمليات الحجز والاعتقال، عادّة إيّاها «متعارضة كلّياً مع التزام السلطات المُعلن بالمشاركة البنّاءة لحلّ الأزمة السياسية، والعودة إلى الانتقال الديموقراطي»، داعية إلى «وضع حدٍّ لتلك الممارسات، ورفْع حالة الطوارئ، والذي سيُرسل إشارة إيجابية».
وعلى رغم كثرة الانقسامات في صفوف القوى المناهِضة للانقلاب، لا يستبعد متابعون أن تؤدّي الهجمة الأمنية عليها إلى دفْعها نحو التوحّد وتكوين جبهة عريضة في مواجهة العسكر، خصوصاً أن الأمين العام لحزب «الأمة» القومي، دعا، في مؤتمر صحافي لحزبه، «لجان المقاومة» والمكوّنات السياسية والمجتمعية، إلى استشعار خطورة المرحلة، والعمل سويّاً على استعادة الحكم المدني.
الأخبار
إضافة تعليق جديد