الحل السعودي للمسألة العراقية: دبلوماسية وقائية أم علاجية؟
الجمل: تحدثت التقارير الجارية عن مساعي عقد اجتماع لسفراء دول الجوار العراقي، وسبق ذلك المزيد من التقارير حول قيام العاهل السعودي الملك عبد الله بتوجيه الدعوة للقوى السياسية العراقية المتصارعة بالحضور وعقد اجتماع في العاصمة السعودية الرياض: ما هي مصداقية الدبلوماسية الوقائية السعودية إزاء العراق؟ وما مدى فعالية دبلوماسية الجوار العراقي في إنفاذ الترتيبات الإقليمية لحل الأزمة العراقية؟ وإلى أي مدى يمكن للبيئة السياسية العراقية أن تستجيب لذلك؟
* توصيف المعلومات الجارية
تقول التقارير والتسريبات بأن المسرح العراقي قد دخل فعلاً في نفق الدائرة الخبيثة، وذلك وفقاً لمعطيات الصراع العراقي-العراقي، بمكوناته الإثنية-الطائفية-السياسية، وفي هذا الخصوص، يكمن الإشارة إلى الآتي:
• المؤشر الإثني: أصبحت الفصائل الكردية المتمركزة في إقليم كردستان العراقي أكثر اهتماماً لجهة القيام باستثمار الخلافات السياسية العراقية، و دفع الأطراف الأخرى باتجاه تقديم التنازلات مقابل الحصول على دعم الكتل الكردستانية داخل البرلمان العراقي. وآخر المعلومات تقول بأن الزعيم الكردي جلال الطالباني قد وافق على التخلي عن منصب الرئيس العراقي ولكن وفقاً لشرطين هما: الأول أن يتم تخصيص منصب الرئيس لزعيم القائمة العراقية إياد علاوي حصراً، والثاني أن تأخذ القوى السياسية العراقية الموافقة المسبقة بذلك من مسعود البرزاني رئيس حكومة إقليم كردستان.
• المؤشر الطائفي: بدأ الصراع الطائفي بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة، واستمر متفاقماً بما أدى إلى حدوث المستويات المرتفعة الشدة من العنف الدامي، ولاحقاً، وبحسب ما حدث بالأمس، فقد أدت المواجهات المسلحة في كنيسة «سيدة النجاة» بالعاصمة العراقية بغداد إلى تزايد الاحتمالات بتورط المسيحيين كطرف في الصراع الطائفي العراقي-العراقي، خاصةً وأن الهجوم قد أدى إلى تزايد الغضب وإثارة حفيظة المجتمع المسيحي العراقي الذي ظل بعيداً –بعض الشيء- عن عمليات العنف السياسي العراقي.
• المؤشر السياسي: ويعتبر من أوضح المؤشرات على الإطلاق، فالانقسامات السياسية العدائية منعت البرلمان من القيام بتشكيل الحكومة و بانتخاب الرئيس العراقي الجديد، إضافةً إلى اتفاقيات وصفقات وتحالفات الكتل السياسية العراقية التي تتم بالليل وتختفي مع ضوء الصباح.
على أساس اعتبارات معطيات علم الإنذار المبكر، فإن هذه مؤشرات الثلاثة لا تحمل لمستقبل العراق والعراقيين ودول جوارهم الإقليمي سوى نذر الشر الذي بدأت ملامحه أكثر وضوحاً من خلال الانفجارات والاعتداءات المسلحة التي حدث آخرها بالأمس وأدى إلى سقوط 58 قتيلاً في قلب العاصمة بغداد.
* الخيار السعودي: دبلوماسية وقائية أم دبلوماسية علاجية؟
تقول التقارير والمعلومات، بأن دعوة العاهل السعودي الملك عبد الله للأطراف السياسية العراقية قد تضمنت النقاط الآتية:
- أن تستضيف السعودية محادثات سياسية عراقية-عراقية لجهة إنهاء الخلافات السياسية العراقية التي امتدت لفترة ثمانية أشهر.
- أن يتم عقد لقاء المحادثات العراقية-العراقية في العاصمة السعودية الرياض وتحديداً بعد انتهاء موسم الحج الحالي، وبالتالي فإن التاريخ المتوقع لعقد هذا اللقاء هو النصف الثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 الحالي.
- أن يتم اللقاء تحت رعاية مظلة جامعة الدول العربية.
- مناشدة العاهل السعودي للعراقيين بضرورة العمل على تجاوز الخلافات والتخلي عن العداوات، وإدراك أن اليد السعودية ممدودة إلى الجميع.
هذا، وتأسيساً على ذلك، فقد أثارت الدعوة السعودية العديد من ردود الأفعال العراقية والتي وصفها العديد من الخبراء بأنها ردود أفعال حملت المزيد من الإشارات المختلطة والمتعاكسة، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• المتحدث الرسمي باسم القائمة العراقية (كتلة إياد علاوي) قال بأن القائمة العراقية تدعم وتؤيد دعوة العاهل السعودي الملك عبد الله، وطالب بضرورة تمديد الدعوة بحيث تشمل تركيا وإيران.
• حسن السنياد العضو البارز في ائتلاف دولة القانون (كتلة المالكي) وصف الدعوة السعودية بأنها سوف لن تفضي سوى إلى تعقيد الوضع السياسي العراقي، إضافةً تأخير تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
• محمود عثمان العضو البارز في التحالف الكردستاني (كتلة البرزاني-الطالباني) تحدث قائلاً بأن التحالف الكردستاني لا يؤيد الدعوة السعودية، ووصف الجهد السعودي بأنه سوف يؤدي إلى التأثير سلباً على الجهود الجارية حالياً والتي وصلت إلى مراحل متقدمة لجهة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
• عبر العديد من زعماء التحالف الوطني العراقي (كتلة الصدر-الحكيم-الجعفري) عن رفضهم للدعوة السعودية، وذهبوا مذاهب شتى في تبرير عدم رغبتهم التعامل بشكل إيجابي مع جهود الرياض الأخيرة.
تحليل ردود أفعال الكتل السياسية الرئيسية الأربع يعكس بوضوح أن كتلة واحدة هي التي وافقت، مقابل رفض الكتل الثلاث الأخرى، وما هو جدير بالملاحظة يتمثل في أن هذه الكتل الثلاث:
- رفضت جميعها بشكلٍ قاطع المبادرة السعودية.
- لم يسعَ أي طرف منها إلى التعامل بشكل مرن، كأن يقول بأنه سوف يدرس الأمر ويحدد رأيه بعد ذلك.
على أساس اعتبارات الأوزان السياسية، فإن حجم الرفض العراقي الكبير للمبادرة السعودية هو أمر يعكس في حد ذاته مدى حجم الإدراك السلبي العراقي لجهود الدبلوماسية الوقائية السعودية في العراق، وبكلمات أخرى، فقد أصبح العديد من السعوديين ينظرون إلى الدور السعودي في العراق على أساس أنه يندرج ضمن دور «الطرف الثالث» غير المحايد في إدارة الصراعات والنزاعات السياسية، ونلاحظ أيضاً أن كتلة القائمة العراقية التي وافقت بشكلٍ سريع وفوري على الدعوة السعودية، قد أدرجت ضمن موافقتها اقتراحاً سعت من خلاله إكمال النقص، فعامل الضعف الواضح في المبادرة السعودية، هوفي دعوة «إيران وتركيا»، ونلاحظ أيضاً أن لا دعوة الملك السعودي، ولا موافقة القائمة العراقية قد تضمنت الإشارة إلى تمديد الدعوة لسوريا والأردن والكويت.
تشير المعطيات والحقائق الماثلة إلى أن الاستقطاب السياسي والاحتقانات المتزايدة بين الكتل الرئيسية في الساحة السياسية العراقية تمثل في حد ذاتها مخزوناً ينطوي على قدر كبير من المحفزات الدافعة لجهة إعطاء الزخم الأكبر للخلافات المستمرة، وفي هذا الصدد نشير إلى الآتي:
- كتلة القائمة العراقية (إياد علاوي) تنظر إلى الرياض كقوة مضافة.
- كتلة كردستان (البرزاني-الطالباني) تنظر إلى واشنطن كقوة مضافة.
- كتلة التحالف الوطني (الصدر-الحكيم-الجعفري) تنظر إلى إيران كقوة مضافة.
- كتلة ائتلاف دولة القانون (المالكي) تنظر إلى طهران وواشنطن وأنقرة باعتبارهم قوى مضافة ضمن قدر محدد وصغير نسبياً.
وعلى خلفية الإدراك المتزايد بمدى أهمية دور القوة المضافة لجهة الحصول على الترجيح في مواجهة الكتل الأخرى، فقد سعى زعيم كل تكتل عراقي لجهة القيام بتحركاته الدبلوماسية الإقليمية والدولية.
ولكن، وبرغم ذلك، تبقى الحقيقة الماثلة وهي أن العمل الإقليمي المتعدد الأطراف يمكن أن يساعد بقدر كبير في إخراج الساحة السياسية العراقية من نفق الخلافات المظلمة، فهل يا ترى سوف يكون اجتماع دول الجوار العراقي على مستوى السفراء هو نقطة البدء الصحيحة بحيث تعقبه دعوة لاجتماع وزراء خارجية دول الجوار العراقي، ثم قمة رؤساء دول الجوار العراقي، بما يحقق التفاهم الكامل والاقتناع الكامل للكتل العراقية بضرورة تقديم التنازلات دعماً للمصلحة الوطنية العراقية، أم أن الأمر سوف يتعرقل بسبب تدخل واشنطن، وضعف بعض جيران العراق لجهة الإجهار بكلمة لا وإشهارها في وجه واشنطن!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد