الحارة الشامية غرقت في وادي الدموع

24-08-2009

الحارة الشامية غرقت في وادي الدموع

باسل خياط ودارين حمزة في «الدوامة».قد يكون الحكم مبدئياً على ما يمكن رصده من الدراما السورية في رمضان أمراً غير مجدٍ، وتسرّعاً غير مستحبّ. مع ذلك، يبدو أنّ المكتوب يتّضح فعلاً من عنوانه. إذ يمكن المشاهد «المتمرِّس» الذي سيتنقّل من محطة إلى أخرى بسرعة البرق، أن يلمس ما تعد به الدراما السورية في أحدث إنتاجاتها هذا الموسم. هكذا، لن يخفى عليه أنّ هذه الدراما باتت تنساق بطريقة غير مسبوقة إلى وصايا المنتج التي تنفّذها بحذافيرها، أو تتجه نحو تقليد غير مدروس لموضة مسلسلات «العشوائيات» التي حقّقت في السابق نجاحاً لافتاً.
لكن بعيداً عن هذا وذاك، يبدو أنّ القائمين على صناعة الدراما السورية تخيلوا أيضاً أنّ المواطن السوري فارغ البال، يحاكي السويديين بأطباعه ورفاهيته، فأرادوا أن يصنعوا من هذا المواطن ـــــ بما يقدّمونه من مسلسلات في الموسم الرمضاني ـــــ مواطناً جاداً قاسياً، وقرّروا تزويده جرعات مضاعفة من الحزن والقلق واليأس لعلّه يكترث!
هكذا نفّذ بسام الملا مخرج المسلسل السوري الشهير «باب الحارة 4» كل وعوده وحبة مسك. فمنذ الحلقة الأولى من المسلسل، أعلن الملا الحداد على شهداء الحارة، الذين سقطوا في الجزء الفائت خلال صراعهم مع قوات الانتداب الفرنسي، ونكّست حارة الضبع راياتها، واستنفر أهاليها، فحملوا أسلحتهم وكشفت النساء عن وجوههن، ليقفن جنباً إلى جنب مع رجال الحارة الصغيرة، التي أرعبت فرنسا آنذاك. فيظهر أرفع مسؤولي قوات الاحتلال حائرين مرعوبين ومهزومين، بينما سيكون «العكيد» موضوع حزورة رمضان! أين هو العكيد (سامر المصري الذي استُبعد من السلسلة) الذي اختفى فجأةً من حارة الضبع ليظهر في حارة «بيت جدي 2» في شخصية هطلت على الجزء الثاني من السماء، واسمها على وزن العكيد نفسه أي أبو حجاز؟! إذ حاول صنّاع «بيت جدي 2» نقل شهرة شخصية «العكيد أبو شهاب» الاستثنائية إلى ملعبهم، فاستعانوا به لإعلان المسلسل الذي يظهر اسمه فيه قبل اسم بسام كوسا الأكثر خبرةً والأعمق موهبة....
إذاً الحزن يخيّم على الحارات الشامية. لكن ماذا عن موضة العصر الرائجة والأعمال المعاصرة التي تذهب نحو جرعة أكثر كآبة لتبدو الصورة قاتمة السواد وفي أفضل أحوالها داكنة باللون العسكري؟ إذ تنام دمشق في الحلقة الأولى من «قاع المدينة» على بحر من مياه المجارير والصرف الصحي التي تُغرق لوحات الفنان الحالم وترمي له بقايا أحلامه في حاوية القمامة. بينما ستتحوّل نسبة مخيفة من أطفال العاصمة السورية إلى باعة مسكة ودخان مهرَّب عند إشارات المرور، وعمّال في ورش إصلاح السيارات، يباغتهم ظلم آبائهم، وتنقذهم المؤسسات الاجتماعية الافتراضية المسؤولة عن رعاية الأطفال. ولن يكون حال الشباب أفضل: هم إما سجناء ومنفّذو صفقات تهريب مخدرات كما في المسلسل البوليسي الاجتماعي «تحت المداس»، أو أنّهم عصابات منظمة تصول وتجول وتسهم في نشر المخدرات كما في «شتاء ساخن».
طبعاً كل هذه الآفات هي مشاكل حقيقية يعانيها المجتمع السوري، لكنها تبدو في دراما الموسم مبالغاً فيها أضعافاً مضاعفة. كما أنّ معظم مخرجي تلك الأعمال يرغبون في استجرار دموع المشاهد بسبب أو من دونه. هكذا، سيُدخلون في أعمالهم جوقات تردّد جملاً تشاؤمية، تحاكي نعيق الغربان من حيث أثرها في نفس المتفرج. وعلى رغم أن مشاهد كثيرة مرّت من دون تحقيق غايتها في إبكاء المشاهد، فإنّ بعضها حقّق غايته ببراعة فائقة. وقد ساعد على ذلك أداء احترافيّ لممثلين كبار، فيما فشلت الحلقات الأولى من «زمن العار» و«عن الخوف والعزلة» في الاستحواذ على اهتمام المشاهد من الحلقة الأولى. إذ يبدو العملان كأنهما كتابان هامّان كُتبت مقدمتاهما على عجل أو من دون بذل جهد. كذلك كانت حال «رجال الحسم» الذي أرجأ التشويق إلى حلقات قادمة. فيما استمرت الكاتبة أمل حنا ـــــ رغم إقامتها في المهجر ـــــ في ملامسة ثنايا المجتمع السوري من خلال جرعة من الحب والرومانسية ظهرت منذ الحلقة الأولى من مسلسها «قلبي معكم»... فيما يبشّر مسلسل «الدوّامة» لمخرجه المثنى صبح بمحاكاة التاريخ السوري المعاصر، لكن العمل لن يلفت ربّما سوى المشاهد النوعي الذي تهمّه أحداث تاريخية مرت على سوريا. وقد يكون مشاهد هذا العمل قارئاً لفواز حداد صاحب رواية «الضغينة والهوى» المقتبس عنها العمل. وستظهر واضحةً من حلقة «الدوّامة» الأولى عين المخرج التي عملت على المسلسل بإتقان لتختار الشخصيات بعناية، وتحاكي تاريخ جامعة دمشق أيام الخمسينيات من القرن الماضي. هذه الجامعة التي كانت محرّكاً أساسياً للأحداث السياسية، ودينامو فعالاً للاعتصامات والتظاهرات والسجالات. كذلك سيظهر الجهد الواضح في إظهار تفاصيل تلك المرحلة في ما يخص الأزياء والمناظر العامة.
وسط كل هذا، يبدو غياب الكوميديا السورية واضحاً، باستثناء «إذاعة فيتامين» الذي لم يحظَ بأوقات أو أماكن عرض هامة (يُعرض على «شام»). إضافةً إلى الجزء الثالث من «بهلول أعقل المجانين» الذي فُصِّل هذه المرة على مقاس تلفزيون «المنار».
ومن خلال نظرة سريعة إلى ما تنتجه الدراما السورية هذا الموسم، يبدو واضحاً ابتعادها عن رغبة المشاهد الذي تُظهر معظم استطلاعات الرأي التي تجريها الجهات السورية المعنية، أنّه ميّال إلى مشاهدة الكوميديا أو الأعمال الاجتماعية المعاصرة التي تقترب من شخصيّات واقعه ويعيشها كل يوم. لكن يبدو أن هذه الدراما ستتّجه نحو مصالحها التمويلية، ضاربة برغبات المشاهد وواقعه عُرض الحائط، ومراهنةً على ما بقي من مواهبها التمثيلية التي ربّما باتت العنصر الوحيد الذي يميّزها.

وسام كنعان

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...