الأمن القومي السعودي الخليجي في ظل الوجود الأمريكي
الجمل: النظرة العامة لخارطة توزيع القوة والنفوذ في العالم تشير إلى وجود تمركز عالي مفرط الحجم والشدة للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة السعودية والخليج العربي.
هناك قاعدة عامة تتقيد بها كل دول العالم تقريباً، وذلك حفاظاً على سيادتها واستقلالها، وتتمثل في موازنة اقتصاد القوة، في حالة الدخول في الأحلاف العسكرية، بحيث لا يكون للقوات الأجنبية التي تتم استضافتها وزناً وثقلاً عسكرياً يفوق قدرة القوات المسلحة الوطنية.
إن تطبيق هذا المبدأ في حالة السعودية وبلدان الخليج العربي يشير إلى أن كثافة وجود القوات الأمريكية في هذه المنطقة أصبح أكثر وزناً وثقلاً عسكرياً، وذلك بما يفوق أضعاف القدرات العسكرية الوطنية لهذه البلدان. وهو أمر لا يمكن تجاوزه وتخطي دلالاته الاستراتيجية والجيوبوليتيكية. ومن أبرز الدلالات على ذلك المهددات الآتية التي يشكلها هذا الوجود:
• مهددات اقتصادية: وجود هذا الكم الهائل من القوات الأمريكية يجعل الموارد الاقتصادية (حقول النفط، وبقية الأنشطة الاقتصادية..) ضمن دائرة آليات السيطرة الأمريكية غير المباشرة.. وبكلمات أخرى لن تستطيع هذه البلدان التعامل مع أي شركات غير امريكية ، الأمر الذي يفوّت عليها الاستفادة من المزايا والفرص المتعلقة بحرية العمل والاستثمار، كذلك لن تستطيع هذه الدول الاستقلال بقرارها الاقتصادي، فهي سوف تظل مضطرة للتعامل مع الأسواق الأمريكية.. ومن الأمثلة البارزة في هذا المجال تدخل (جلالة الملك) في إحدى هذه البلدان، وتغييره لنتيجة المناقصة بعد اتصال الرئيس بوش به، بحيث تم تحويل وتغيير نتيجة مناقصة شراء طائرات لشركة الخطوط من شركة فرنسية وتم إعطاؤها لشركة بوينج الأمريكية، وما كان ذلك ليحدث لولا الوجود العسكرية الامريكي المخيف داخل هذا البلد..
• مهددات اجتماعية: أصبحت الإدارة الأمريكية بعد تغلغلها العسكري والاقتصادي الكبير، بما جعلها تحقق سيطرة اقتصادية كبيرة على موارد هذه البلدان تسعى إلى ضبط المجتمعات السعودية والخليجية ضمن نموذج نسق القيم الأمريكية، وحالياً تمارس الإدارة الأمريكية المزيد من الضغوط الهادفة إلى الدفع باتجاه التحلل من الإسلام، باستخدام أساليب القسر والإرهاب، وحالياً مايزال قانون محاسبة السعودية مطروحاً على طاولة الكونغرس، ومن أبرز الضغوط ما يتمثل في مطالبة أمريكا بتنقيح وتغيير المناهج الدراسية، وتغيير كتب التاريخ وفرض القيود على الصحافة والمنظمات الأهلية الدينية، بما يؤدي إلى إضعاف النسق القيمي الثقافي العربي الإسلامي ويهيء عملية التحول باتجاه النسق القيمي الثقافي الانجلوساكسوني.
• مهددات سياسية: الوجود العسكري الأمريكي أدى أيضاً إلى دفع النخب الحاكمة في السعودية وبلدان الخليج العربي إلى القبول بهامش الحركة ضمن سقف الأجندة الأمريكية، وتحاشى الحركة خارج (بيت الطاعة الأمريكي).. وأصبح ذلك واضحاً في مواقف نخب هذه البلدان الحاكمة، إزاء العدوان الإسرائيلي ضد لبنان، بحيث تفادوا تماماً تأييد المقاومة العسكرية ضد إسرائيل.. حالياً تعمل أمريكا وحلفاءها من أجل رسم دور محدد لهذه النخب يهدف إلى جعلهم يقومون بدور الوكيل لأمريكا في الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بحيث يتم توجيه المعونات والاستثمارات والمساعدات وتدفقات الأموال السعودية والخليجية وفقاً لتوجيهات الإدارة الأمريكية، بحيث تدعم هذه الدول من ترضى عنه أمريكا، وتدير ظهرها لمن يعارض أمريكا.. كذلك على الصعيد الداخلي تعمل الإدارة الأمريكية باتجاه عملية بناء هياكل سياسية تهدف إلى تعزيز مركز النخب الموالية للسياسة الأمريكية في المنطقة.
• مهددات عسكرية: الوجود العسكري المكثف أدى إلى وقوع الجيوش الوطنية لهذه البلدان تحت سيطرة القوات الامريكية، خاصة فيما يتعلق بمصادر التسليح والعقيدة العسكرية والقتالية، كذلك أدى إلى ما هو أخطر من ذلك، وهو استعانة القوات الأمريكية بهذه الجيوش في تنفيذ عملياتها باعتبارها (قوات صديقة)، وقد برز ذلك بوضوح في عمليات قوات (درع الجزيرة) التي قامت بتنفيذها في العراق.. ومن المتوقع أن يتوسع الدور الذي يمكن أن تقوم به هذه الجيوش بتقديم المزيد من خدماتها للقوات الأمريكية.
وحالياً، يمكن القول: إن الأمن العسكري في هذه البلدان قد أصبح مكشوفاً بالكامل أمام القوات الأمريكية، والتي بكل تأكيد سوف تعمل بقوة من اجل استغلال ذلك لمصلحة إسرائيل أولاً وقبل كل شيء.
وعموماً يمكن القول: إن الأمن الاستراتيجي في منطقة السعودية والخليج العربي سوف يظل يشكل جزءاً مهماً من مكونات الأمن الاستراتيجي القومي العربي، لذلك يتوجب على النخب الحاكمة والشعوب في هذه المنطقة، العمل بكل قوة من أجل الحد من النفوذ العسكري الأمريكي، وفي المدى القريب على الأقل، وذلك وصولاً إلى التخلص الكامل منه في المستقبل، على النحو الذي يحقق كمال السيادة الوطنية، بما يؤدي إلى تماسك قوام الأمن السياسي الاستراتيجي العربي في مواجهة قوى الهيمنة والاستكبار العالمي.
الجمل قسم الترجمة والدراسات
إضافة تعليق جديد