أنسي الحاج: الأرض السائبــة
■ جديّاً؟
ممّا يستوقف في المشهد العربي منذ بدأ «ربيعه» أنّ البديل المتقدّم هنا وهناك ليس أفضل من الذين خُلعوا أو هم مرشّحون للخلع. يحكى عن ضرورة مرور وقت. يحكى عن الثورة الفرنسيّة. أمّا الوقت فلم يدخل ولن يدخل في الحساب العربي إلّا بالمقلوب. وأمّا الثورة الفرنسيّة فهل نحن جادّون حين نرتكب هذه المقارنة؟
--------------------------------------------------------------------------------
■ إعادة اختراع
القتل على مراحل بلّد المشاعر. حتّى التلفزيون لم يعد يلتفت إلى المجازر. لا العراق ولا سوريا، مع أنّهما ضربا الأرقام القياسيّة. لقد تغيّرت مقاييس التراجيديا، صار الموت أصغر. لو حصلت اليوم أحداث الالياذة والأوديسه وكلّ تراجيديّات شكسبير في أفريقيا أو الشرق الأوسط لما استدعت بضعة أسطر في قاع صفحة داخليّة من الجريدة.
هذه الألفة مع الموت تساعد أهل الفقيد على استيعاب فقده وتغيير الموضوع، لكن يُخشى أن يرفض البعض الموت في ظروفٍ كهذه ويتشبّثوا بالحياة ريثما يصبح الوقت ملائماً للبكاء عليهم. وأكبر الظنّ، إذا استمرّت شلّالات الدم الفعليّة من هنا والقتل السينمائي الأميركي بإغراء سهولته من هناك، أكبر الظنّ أنّ البشريّة ستطالب بعد حين بإعادة اختراع الموت.
--------------------------------------------------------------------------------
■ مطالعة ومشاهدة
مطالعة الصحف ترعب ومشاهدة التلفزيون تقطع الظهر. وما كان ذلك بمهمّ لو أنّ البلاد في أيدٍ أقوى من أيدي المواطنين، لكنّ نظرةً واحدة إلى طاقم السفينة اللبنانيّة تُغني عن الشرح. وهكذا صَدَق تحذير السيّد نصرالله لـ14 آذار وطلع ارتياح المحور الإيراني _ السوري في محلّه.
عند خلط الأوراق ابحث عن مكانِك وإنْ لم تجده فاصنعه. وهذا ينطبق على المنطقة كلّها من خليجها إلى المغرب. لقد وضع التذبذب الأميركي الجميع في حالة ضياع ودرجة الحدّة التي بلغتها السعوديّة في مجافاة أميركا ليس لها سابقة في تاريخ المملكة. والسؤال اليوم كيف سترجع الرياض إلى عهدها في الدبلوماسيّة الهادئة بعدما ذاقت طعم الغضب وكيف سيُعاد الإسلاميّون السلفيّون إلى مناخات التعايش مع الآخرين بعدما خرجوا بلا أقنعة وجرّدوا السيوف.
يبدو الشرق الأوسط أرضاً سائبة برسم مَن يخطفها.
--------------------------------------------------------------------------------
■ «كلّما نضجت عاطفة السلام»
أقرأ في عدد 7 حزيران 1936 من جريدة «المكشوف» (الرقم 52) بتوقيع الياس أبو شبكة:
«كانت المساخر البشريّة تشهر الحروب بالسيف والبندقيّة فأصبحت تشهرها بالمدفع والمدمّرات. وقد تشهرها غداً بالكيمياء. بالكيمياء دون غيرها، فيقتل الألوف بدقيقة بدل أن يُقتلوا بساعة. وهذه لعمري طريقةٌ في سرعة الدمار والفناء تنضح في نفوس البشر كلّما نضجت فيها عاطفة السلام وفكرة الفلسفة!».
--------------------------------------------------------------------------------
■ صمت
الخوف من الصمت. كما يخاف التائه في الغابة من احتمال وحش. للصمت جبينٌ مغلق وعاصف. الصمت ليس أنْ لا يكون لنا ما نقوله بل أن يكون الظلام فينا قد التهَمَ المساحة.
لا يقف في وجه الصمت غير العيون.
--------------------------------------------------------------------------------
■ قطيعة
ـ ماذا تشعر أمام الإرهاب؟
ـ بأنّ في رأسي ماء. وأنت؟
ـ بالعجز المهين.
ـ العجز عن ردّ الفعل؟
ـ لا، العجز حيال الكلمات. أمام الإرهاب ما معنى الحريّة؟ ما معنى المطالعة، السينما، الموسيقى؟ الإرهاب قطيعة. إنّه أفظع ما أنتجه الإنسان.
--------------------------------------------------------------------------------
■ قسوة
اليوم، لأوّل مرّة، تصطدم مشاعري بقسوةٍ لم أرَ مثلها. قد أرى أسوأ، كاللامبالاة والبرود، لكنّهما دون القسوة حَزّاً وخضّاً وتعنيفاً. في مَن يقسو عليك طارد بلا رحمة. وسيقول لك إنّ ذلك لتربيتك. وإنْ صحّ، فلهجةُ القسوة وتحجّرها ليسا أفضل من رخاوة الرخو.
بين الرخاوة والقسوة مساحةٌ للرحمة.
--------------------------------------------------------------------------------
■ شرق وغرب
لم يعتد الشرق تبدّلات الغرب. لا يزال يحاكمه أخلاقيّاً. مع استثناء اثنين: سوريا ابتداءً من حافظ الأسد وإيران بعد الثورة الإسلاميّة. مسيحيّو لبنان لا يزالون يعتقدون أنّهم «حصّة» أميركا بعدما أمسوا خارج الحساب لا بل أحياناً للمقايضة. أمّا السعوديّة فيبدو أنّها بدأت تكتشف وجهاً حقيقيّاً من وجوه أميركا ظلّ شبه غائب عنها منذ عبد العزيز.
--------------------------------------------------------------------------------
■ هامليتيّات
من مسرحيّة شكسبير
أيّتها الهشاشة! اسمُكِ امرأة.
(هاملت، مرتدياً الأسْوَد، في بداية المسرحيّة)
■ ■ ■
خافي يا أوفيليا، خافي يا شقيقتي الحبيبة،
قفي بعيداً من عاطفتك،
في منأى عن الرغبات الخطرة.
أعْقَلُ العذارى تسخو أكثر ممّا يجب
إذا أَرَتْ جمالها للقمر.
(لاييرت محذّراً شقيقته من الاستسلام إلى تودّد هاملت)
■ ■ ■
(بولونيوس، مستشار التاج، مخاطباً ابنته أوفيليا قبل دخول هاملت):
طالعي في هذا الكتاب
ستخففين عن وحدتك.
غالباً ما يُعاب علينا _ والبراهين كثيرةٌ على صوابيّة هذا اللوم _
أنّنا تحت مظهر الورع
وبأعمالٍ تقيّة
إنّما نغطّي بالسُكّرِ الشيطان.
هاملت _ تكون أو لا تكون، تلك هي المسألة كلّها.
أهو أنبل للنفس أن تتحمّل رجم الحجارة وطعن السهام من القَدَر الغاشم،
أو أن تحمل السلاح ضدّ الأمواج العدوّة ومواجهتها للخلاص؟
أن نموت... أن ننام،
لا شيء آخر.
(...) أن نموت... أن ننام.
■ ■ ■
(الملك قاتل أخيه والد هاملت):
أَمَا في السماواتِ الرحيمةِ مطر كافٍ
لتبييض هذه اليد الملعونة
وجعلها كالثلج؟
ما نفع الرحمة
ما لم تساعد على النظر إلى الجريمة في عينيها؟
ما نفع الصلاة بدون هذه القوّة المزدوجة
التي توقفنا عند حافة الهاوية
وتغفر لنا بعد السقوط؟ آه أنْ أستطيع رفع رأسي
وأعْبُر فوق خطيئتي... ولكنْ أيّ صلاةٍ أجد
فتكون هي الصلاة؟
(...) وكيف يُغْفَر لي وأنا محتفظٌ بثمرةِ جريمتي؟
وما حيلةُ التوبة، واأسفاه، عندما لا نعرف أن نتوب؟
■ ■ ■
(الملك قاتل أخيه والد هاملت):
أعرفُ أنّ الحبّ يولد في الزمن،
وما تقوله التجارب أنّ الزمن يقوم بإيهان شرارته وإخماد ناره.
في عمق أعماق لَهَب الحبّ
يُقيم بكامل حيويّته ذلك الفتيل
الذي يَتفحّم ويتفحّم حتّى إطفاء اللَهَب.
لا شيء ثابت على محض فضيلته
لأنّ الفضيلة تنمو حتّى الإفراط
وتموت من تخمة ذاتها.
ما نودّ أن نفعل
يجب أن نفعله فور الرغبة به،
لأنّ هذه الرغبة تتبدّل
وتعاني انهيارات ومعوّقات كثيرة
بمقدار كثرة اللغات والأيدي والحوادث.
أنسي الحاج
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد