أمن الملاحة في الخليج: مطلب أمريكي بتنفيذ أوروبي
يارا انبيعة: تسعى بريطانيا اليوم إلى تشكيل قوة أمنية بحرية بقيادة أوروبية لضمان الملاحة الآمنة في مضيق هرمز، بعد أن كان الحرس الثوري الإيراني قد سيطر على ناقلة النفط البريطانية “ستينا إمبيرو” في المضيق، وقالت إيران إن الناقلة خالفت قوانين الملاحة الدولية مما إضطرها للسيطرة عليها وسوقها إلى الموانئ الإيرانية.
جاءت السيطرة على الناقلة بعد أسبوعين من مشاركة البحرية البريطانية في احتجاز ناقلة النفط “غريس 1” الإيرانية في مضيق جبل طارق، ويعتقد أنها كانت تنقل نفطاً إيرانياً إلى سوريا، في مخالفة للعقوبات التي فرضها الإتحاد الأوروبي، في حين برر زير الخارجية البريطاني، جيريمي هنت، أن الإستيلاء على الناقلة الإيرانية كان “قانونياً”، لكن إيران وصفت العملية بـ “القرصنة” وهددت بالإستيلاء على ناقلة بريطانية.
قوات أروربية
ربما هي مفارقة أن تستعد بريطانيا للخروج من الإتحاد الأوروبي وفي الوقت ذاته تسعى لتشكيل قوة أوروبية لضمان الملاحة في مضيق هرمز، حيث أعلن هنت، 22 يوليو/تموز 2019، أن بلاده ستسعى إلى تشكيل قوة حماية بحرية أوروبية في الخليج بعد حادثة احتجاز إيران لناقلة النفط البريطانية، في وقت شدد على أن لندن لا تسعى لمواجهة مع إيران.
وقال هنت، أمام النواب البريطانيين “سنسعى الآن إلى تشكيل مهمة حماية بحرية أوروبية لضمان العبور الآمن للطواقم والشحنات في هذه المنطقة الحيوية”، مضيفاً “سنسعى إلى تشكيل هذه القوة، لكنها لن تكون جزءاً من سياسة الضغوط القصوى الأميركية على إيران”، واصفاً احتجاز السفينة البريطانية بأنه عمل “قرصنة دولة”. كما أكد هنت أنه سيتم الطلب من جميع السفن التي ترفع العلم البريطاني منح السلطات البريطانية إشعاراً بموعد عبورها المخطط في المضيق “لتمكيننا من توفير أفضل حماية ممكنة”، وأضاف “بالطبع ليس من الممكن للبحرية الملكية مرافقة كل سفينة أو القضاء على جميع أخطار القرصنة.”
يأتي ذلك في غضون قيام رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، بعقد اجتماع أزمة وزاري لمناقشة مسألة “الحفاظ على أمن الملاحة في الخليج” بشكل خاص والتدابير التي تعتزم لندن اتخاذها، حيث أعلن المتحدث بإسم ماي للصحافيين أن السفينة احتجزت تحت ذرائع خاطئة وغير قانونية، وعلى الإيرانيين الإفراج عنها فوراً، وأضاف “نحن لا نبحث عن مواجهة مع إيران، لكن الإستيلاء على سفينة تقوم بأعمال قانونية، أمر غير مقبول وينطوي على تصعيد كبير.”
وفي غضون ذلك كشف وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، عن وجود “تنسيق وثيق” بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بشأن الأزمة الإيرانية، بيد أنه لم يتطرق إلى قوة الحماية الأوروبية، مؤكداً على أن الدول الثلاث لن تنضم إلى استراتيجية الولايات المتحدة، قائلاً “اتفقنا على التنسيق على نحو وثيق للغاية في هذا الشأن”، مضيفاً “لا نريد المزيد من التصعيد، لكن يتعين علينا أن نضع في اعتبارنا أن هناك حوادث يتعين التعامل معها”، مؤكداً على أهمية استمرار الرهان على الوسائل الدبلوماسية، ومشيراً إلى أنه سيتعين على دول الخليج في وقت ما التحدث عن القضايا المتعلقة بالأمن البحري.
جهوزية تامة
في هذا الشأن، صرح المتحدث بإسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، بأن بلاده لم تحتجز الناقلة البريطانية ردا على احتجاز بريطانيا الناقلة الإيرانية “غريس 1” في جبل طارق، وأن احتجازها كان إجراء قانونياً ضرورياً لضمان الأمن الإقليمي، مضيفاً أن الناقلة البريطانية احتُجزت في المياه الإيرانية، ومؤكداً أن بلاده لن تتسامح بخصوص ضمان أمن الملاحة في المضيق.
وقال وزير الدفاع الإيراني، العميد أمير حاتمي، إن إيقاف بلاده ناقلة بريطانية في المياه الخليجية يُظهر أن إيران قادرة على الرد على أي تهديد، واصفاً عملية إحتجاز بريطانيا للناقلة الإيرانية بأنه “إجراء خاطئ”.
وفي ذات السياق، حذر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الغرب من “بدء صراع” الذي ستكون بدايته أمراً سهلاً وإنهاؤه سيكون مستحيلاً، مشيراً إلى أن بلاده “لا تسعى إلى مواجهة”، في وقت أخذت فيه طهران “إجراءات ضد السفينة تنفيذاً للقانون الدولي وليس رداً على احتجاز بريطانيا ناقلة إيرانية”، متابعاً “من المهم أن يدرك الجميع ومن المهم أن يفهم بوريس جونسون أن إيران لا تسعى لمواجهة”، مشيراً إلى أن إيران تريد إقامة علاقات طبيعية تقوم على الإحترام المتبادل.
وساطات إقليمية
في ظل تأكيدات أن أحداً لا يريد حرباً، تتطور الأحداث في الخليج بعد تبادل احتجاز ناقلات النفط، وذلك فيما تبرز تحركات تدل على وساطات لتهدئة الأوضاع، أبرزها عراقية وعُمانية ويابانية. فقد وصل رئيس مجلس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، إلى إيران، في زيارة رسمية، حيث بحث مع الرئيس الإيراني، حسن روحاني، العلاقات بين البلدين والشعبين الجارين وتطورات الأوضاع في المنطقة، وسبل نزع فتيل الأزمة الراهنة.
وقبل مغادرته بغداد، بحث عبد المهدي مع وزيرة الدفاع البريطانية، بيني موردونت، العلاقات الثنائيَّة والأمن الإقليمي وسبل التهدئة في المنطقة، حيث أكد الجانبان على ضرورة تحقيق الأمن والإستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط، وشددا على أهمية حرية الملاحة لجميع الدول واحترام القانون الدولي، واتفقا على التعاون لتحقيق ذلك.
في نفس السياق، أفادت الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية العمانية على “تويتر” بأن وزير الشؤون الخارجية، يوسف بن علوي، سيقوم بزيارة إلى إيران، وأضافت أن محادثات الجانبين ستركز على وجه الخصوص على التطورات الأخيرة في المنطقة.
كذلك أكد رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، أن بلاده تريد بذل كل ما في وسعها لتهدئة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، قائلاً “لدينا تاريخ طويل من الصداقة مع إيران، والتقيت برئيسها مرات كثيرة وكذلك مع زعماء آخرين.”
ختاماً، يرى مراقبون أن واشنطن تعمل على خطين؛ الخط الأول، تحقيق المزيد من التضييق على طهران، التي باتت تشكل تهديداً كبيراً لمصالح واشنطن وحلفائها في المنطقة وإجبارها على القبول بمباحثات جديدة وفق شروط تتماشى مع تطورات الوضع. أما الخط الثاني، فيكمن في تحميل حلفائها مسألة أمن الخليج لتوفير النفقات مع بقاء على عنصر المراقبة، وهو ما عرضته على ألمانيا في مسألة التواجد العسكري البري في الشمال السوري.
ومن الواضح، إن الخطوة الأوروبية تحمل الكثير من السيناريوهات، بشأن ردود الفعل الإيرانية حول الوجود الأوروبي الدائم في مضيق هرمز، والتي تعتبره طهران رئتها الإقتصادية، وربما لا تسمح بذلك، وعليه قد يكون البداية لصدام عسكري.
الجمل بالتعاون مع مركز سيتا للدراسات
إضافة تعليق جديد