«غزّة تحت النار»... أين (إعلام) العرب؟

29-12-2008

«غزّة تحت النار»... أين (إعلام) العرب؟

مجازر مصوّرة على مدى يومين. هكذا كانت حال المشهد الإعلامي العربي والعالمي منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزّة صباح أوّل من أمس. إذ عجزت الكاميرات عن تفادي كمية الجثث المتفحّمة والدماء السائلة كالأنهار في كل مكان، فجاءت الصورة قاسية بقدر وحشية الحدث، والعنف أمراً واقعاً لم يكن على المحطات التلفزيونية سوى مواكبته. لم تخترع الشاشات شيئاً، فـ«المواد» كانت جاهزة والمشهد في تصاعد مستمر: غليانٌ في كل الساحات. حتى التعاطف لم يكن مطلوباً. نقل الصورة فقط كان كافياً. لكن رغم كبر الحدث وامتداده، اختارت بعض المحطات... تغييبه. شاشات عربية ولبنانية قررت أن تتخذ موقفاً فانسحبت، ووقعت في خطأ مهني ــــ أخلاقي تُحاسَب عليه من جانب المشاهدين. هكذا وفي سابقة مخيفة في تاريخ التغطيات الإعلامية، سقط حدث عالمي ضخم من على الشاشات العربية: سوء تقدير؟ رسالة سياسية؟ غياب طوعي؟ لا يهمّ، النتيجة تجاهل الحدث الأبرز عربياً وعالمياً في اليومين الماضيين. بعض المحطّات اللبنانيّة والعربيّة دخل في غيبوبة طوعيّة، أو بدا بوقاً في خدمة أنظمة سياسية متواطئة.
LBC وOTV و«المستقبل» (لبنانياً) «العربية»، «المصرية»، «الأردنية»، «دبي»، «إم بي سي»، «أبو ظبي»، «السعودية» (عربياً)، أصرت على التغيّب والتغييب فتابعت برامجها المعتادة من دون أي تعديل: LBC فضلت أن تبقي على أجواء الميلاد الهادئة، بدلاً من تعكير صفو عطلة المشاهدين والاستغناء عن كمية من الإعلانات، بالتركيز على حدث... فلسطيني! اهتمّت المؤسسة اللبنانيّة للإرسال، في اليومين الماضيين، بمباريات كرة السلة، والطبخ، والأبراج، وأغاني الميلاد فقط. أما الـOTV فعملت وفق أولوياتها: أخبار نشاطات التيار الوطني الحرّ والنائب ميشال عون، لكن أحداً في إدارتها لم يتساءل: ماذا يحدث حولنا في العالم؟ هكذا لم يحظَ العدوان الدموى المتواصل على غزّة باهتمام المحطة التي فتحت هواءها لنقل وقائع «اللقاء الوطني المسيحي» في البترون ونشاطات عون... من جهتها، رأت قناة «المستقبل» الأرضية أنّ تخصيص الهواء المباشر لنقل مباريات كرة السلّة من دبي في عزّ العدوان الإسرائيلي هو أمر طبيعي... لكن هذا النقل تضمن توجيه تحية على الهواء لضحايا غزة... بكل طبيعيّة وراحة ضمير.
فضائياً، وبغض النظر عن باقة المحطات الخليجية التي ولدت على الساحة الإعلامية ميتة في الأصل، وتُمعن في تعميم سياسة تخدير إعلامية استهلاكية بامتياز، سُجّلت ملاحظتان على المشهد الفضائي. «العربية» حاولت جاهدة ألا تغيب عن الحدث، حفظاً لماء الوجه المهني، لكنّ اهتمامها بأخبار أسعار النفط والاستثمارات وتحليل ارتدادات الأزمة المالية أكثر من المجازر الفلسطينية كان جلياً. وفي اليوم الأول من العدوان الإسرائيلي، تفوّقت الـ «سي إن إن» الأميركية على «العربية» في تغطية أحداث غزّة مساحةً ومواكبةً آنية. أما الملاحظة الأسيّة فهي لأهل الدار أنفسهم: محطة «فلسطين» التي تحدّثت عن تلك الكارثة الوطنيّة في مقدمة نشراتها الأخبارية، كمن ينقل وقائع كارثة طبيعية في بلاد السند، فيما أخبار الرئيس محمود عباس تحتل الجزء الأكبر من النشرات الإخبارية.
وفي المقابل جنّد هواء محطات أخرى ومراسلوها، كـ«الجديد» و«أخبار المستقبل» و«المنار» و الفضائية السورية و«الجزيرة» الفضائية التي جاء أداؤها المهني على قدر مسؤوليتها الأخلاقية تجاه حدث ضخم قد يغيّر المعادلات الإقليمية. وقد توزّعت شاشات تلك المحطات (ولا سيما «الجزيرة» التي ذيّلت تغطيتها بشعار «غزّة تحت النار») بين غزة ورام الله والخليل وتل أبيب وسوريا واليمن والسودان وبيروت... ولم تغب أيٌّ منها عن مواكبة التظاهرات في شوارع بيروت، وما رافقها من اشتباكات وأحداث متسارعة. تحملت تلك المحطات ضغط الوقائع وحافظت على خيط من التعاطف المنطقي والأخلاقي مع الضحية.
غربيّاً، وقعت المحطات الأجنبية كما الصحف المطبوعة في حالة «شيزوفرينيا» إذ إنها أرادت أن تركز على أنّ «إسرائيل لا تستهدف إلا المواقع التابعة لحركة حماس»، فيما كانت تعرض صور جثث الأطفال والمدنيين المصابين التي تدحض ذلك. ولعلّ أبرز تعبير عن المتاهة التي وقعت فيها الصحف الأميركية بهذا الخصوص، هو عدم نشر صحيفة «واشنطن بوست» أي صورة من غزة على موقعها الإلكتروني، علماً بأنّها خصّصت خبرها الأول للحدث الفلسطيني ـــ الإسرائيلي. الغياب شبه التام لـ«بي بي سي» وEuronews عن الحدث كان لافتاً أيضاً، ما أعاد إلى الذاكرة اهتمامهما المبالغ فيه بتفاصيل بعض الأحداث الداخليّة اللبنانية، ما يدفعنا إلى التساؤل عن أولوياتهما المهنية في مثل هذا الظرف تحديداً.

صباح أيوب

المصدر: الأخبار

التعليقات

الدرس الكلاسيكي في الصحافة ان كلباً عض رجلاً هذا ليس بخبر. لكن أن يعض الرجل كلباً فهذا هو الخبر. لهذا فإن فإن الجريمة الاسرائيلية لا تشكل مقومات الخبر الصحفي. كما أن الغرب الذي وضع جماليات او أدبيات العمل الصحفي لم يفته حقيقة أن سيلعب دور الجلاد في معظم الأخبار لهذا فرض على الصحافة استثناء العنف تحت شعارات احترام الموتى و مشاعر الأحياء. لا أدري إن كانت مشاعر أب يفقد ابنته في غزة أوزوجة تفقد زوجها سيكون أفضل عندما يتجاهل الاعلام بعض حقائق العنف. لا أدري لما يصر الكثيرين على طوباوية الاعلام ! و الأخطر هو التورط السفسطائي بكل القضايا الجانبية و تجاهل حقيقة واضحة و نهائية و هي ان الحرب تفرض على الجميع انقلاب في قراءة الواقع , بحث عن جذور المشكلة لأن أي تهديد سينسحب على المستقبل بدون أي شك. و لهذا لا يجب الفصل بين الاحتلال الاسرائيلي و عجز أي مواطن عربي عن التخلص من آليات الفساد في مؤسسات دولته. فالعنف لا يتجزأو أسباب الفشل لا تتجزأ. إنها علاقة عضوية. و يبدو ****(ماقاله) السيد الرسول /و يصدف ان اليوم هو رأس السنة الهجرية/ شديد الدقة و يطابق الطب الياباني. فعندما يؤلمك رأسك قد يكون السبب شوكة في القدم . و بنفس القياس فإن خسارة العرب في غزة و فشلهم في التعاطي مع قضية شديدة الوضوح مثل المطروحة بين أيديهم إنما تؤكد على أن الفشل و العلة أبعد عمقاً و أكثر تعقيداً و هي تتغلل في الخبز المسروق و العمر المسروق و الشجرة المسلوبة في كل بلد عربي. إن غزو غزة ليس هو ما يصنع اسرائيل و يحمي دولة اسرائيل و إنما قدرة اسرائيل على فرض نفسها على كل دول العالم: تكنولجيا الطائرات للهندو أوروبا, تقنيات الهندسة الوراثية , فلسفة المال, الأبحاث البيئية و أبحاث الطاقة. إن اسرائيل موجودة اليوم في كيماء المجتمع المعاصر, موجودة في هيكل الخريطة المستقبلية. العرب يعيشون حالة من العزلة ليس الجغرافية و لكن التواصل على صعيد المعرفة الكبرى. و المستعمر الذي انسحب من بلادنا لم بتخل عن حاجته الاستعمارية و لكن غير فلسفته. غن عدم قدرة أحد رغم غضبه على ان يفعل أي شيء ضد اسرائيل هو ليس إلا صورة -أشعة إكس- لهشاشة المواطن العربي و تفاهة حياته. إن الرد على قصف غزة يجب أن يكون اصلاح في المؤسسات الوطنية في كل دولة و تاكيد على حق المواطن بحياة كريمة لأن من يذل في بلاده ستدوسه عجلات التاريخ بلا رحمة. و الصراع مع دولة اسرائيل ليس صراع حرب واحدة و لا صراعدولة واحدة .إنه صراع رمزي للإنسان على الأرض. و يجب أن يكون فرصة لبناء هويتنا و ليس سبيل الى تحطيمها الى غبار. عندما يقصف الاسرائيلي شارعاً في غزة يجب ان نطلب من بلدياتنا أن تبني شارعاً في سوريا او في لبنان او في تونس. و عندما تقتل اسرائيل مواطنافي غزة يجب ان يدخل ألف مسؤول حكومي السجن في سوريا و في الاردن و في ليبيا.إن تحويل بلادنا الى موديل اقتصادي يتبع لمنظومة رأسمالية كما رسمه يهودي أمريكيبرغم وجود موديلات اقتصادية اكثر انسانية كالنموذج الاسكندنافي و النموذج النمساوي. كلا.إن رغبة بعض السفلة بأن يتحولوا الى مافيا كما رسمتها هوليوود سيقود الى تحويل البلاد العربية بأكملها الى مستعمرة غربية و تحويل العرب الى أغنام.فقط لأن هؤلاء لم يقرءوا كتاباً بل قضوا حياتهم التافهة في المولات التجارية و بين تجار الدعارة و المخدرات . إن لعن مصر و اسرائيل هو هروب من مواجهة تفاهتنا. ما الذي سنفعله لمنتظر الزيدي حتى لا تضيع المروءة في الصحراء؟ و ما الذي سنقدمه للعالم حتى يتخلى العالم عن دعمه لاسرائيل؟ إنها أسئلة سيتطلب حلها سنين من العمل الشاق و ليس من السمسرة و البلطجة و التلفيق و النخاسة و التذاكي و اللوفكة و الخسة و التفاهة و الأنانية و الغباء. عندما يصاب الكبد تعلو الصفرة وجه المريض. غزة تعني ان الوطن العربي في حالة موت سريري ليس لأنه لا ينقذ غزة و لكن لأنه لا ينقذ نفسه .

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...