«التحديث والديموقراطيةوالإسلام»جدل متجددلا يخلومن صبغةسياسية
سجل العالم الإسلامي متواضع في ما يتعلق بالتحديث والديموقراطية، غير أن أصل هذه الحالة ليس الدين الإسلامي لكن مجموعة من العوامل من بينها الاستعمار والأنظمة التجارية والاقتصادية العالمية ودور الجيش. ويمكن بالتعرف الى هذه الأسباب التفكير في أنماط العلاج الممكنة للتغيير في العالم الإسلامي. وبحسب كتاب «التحديث والديموقراطية والإسلام» (تحرير شيرين ت. هنتر وهوما مالك، تقديم أحمد ولد عبدالله، نهضة مصر بالتعاون مع مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية - واشنطن)، هذه العوامل الجوهرية – بعضها من داخل العالم الإسلامي وبعضها من خارجه – لها دور في المأزق الحالي للإسلام. وعلى عكس التفكير والرأي السائد، فالإسلام لا يتسم بالصلابة والتحجر اللذين يمنعان التغيير، وهو لا يناهض الديموقراطية ولا يعارض التحديث، وهما ليسا من أصوله. والإسلام نفسه، كما يوضح الكتاب، لا يعد السبب الأساس في القلق من العالم الإسلامي.
أيضاً، ليس الجدل الدائر في الغرب حول الإسلام جديداً، ولكن السنوات القليلة الماضية شهدت تزايداً لكتابات موضوعها الإسلام. ومنذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على نحو خاص والكلام على الإرهاب وعلاقته بالإسلام، أصبح الإسلام موضوعاً لمئات الكتب والمقالات والمؤتمرات، الأمر الذي أتاح فرصاً لـ «متخصصين» سريعي الاستجابة، لإضافة «خبراتهم» الغضة إلى المعرفة المتوطدة للأكاديميين والرَّحالة والديبلوماسيين المتمرسين الذين عاشوا وعملوا مع المسلمين وبينهم.
وما من شك في أن الكثير من الأعمال الجيدة تم إنجازها عن الإسلام والثقافة الإسلامية والقيم الإسلامية، لكنَّ هناك عدداً كبيراً من الأعمال المنحازة والمثيرة والمفعمة بالعواطف والنبرات المذهبية، إذ يبدو بالفعل أن الحياد في الوقت الراهن سلعة يندر وجودها عند الحديث عن الإسلام، بعدما أصبحت غالبية البحوث مُسيَّسة وذات صفة ذاتية، إلا أنَّ سؤالاً أساسيّاً يظل مطروحاً: كيف يمكن التعايش مع أكثر من 2,1 بليون مسلم موزعين في شتى بقاع الأرض؟
ويمثل الكتاب مساهمة استثنائية في النقاش الجاري حول الإسلام والإسلاميين والمسلمين، إذ يتناغم فيه التاريخ والاقتصاد والسياسة وقضايا التنمية من أجل شرح مشكلات شائكة وعلاقاتها ببعضها بعضاً، وذلك من خلال وضع الأشياء في سياقاتها المتعددة. وهذا التناول لا يبحث عن تبريرات للحكومات في العالم الإسلامي أو يدافع عنها، بل على العكس، فإن المطلوب من هؤلاء القادة إدراك «أنه بعد مرور خمسة عقود على جهود التحديث، لا يزال العالم الإسلامي قابعاً في المؤخرة، وليس وراء البلدان الغربية المتقدمة فحسب، بل وراء عدد من دول شرق آسيا أيضاً».
ويأخذ الكتاب خطوات إضافية نحو تحليل «الفجوة الموجودة بين التحديث وإرساء الديموقراطية في العالم الإسلامي». وأصبحت تداعيات هذا النقص - بما تنطوي عليه من تبعات أمنية - الشغل الشاغل لواضعي السياسات، لا سيما بين الدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية، وبعض الدوائر القيادية في العالم الإسلامي.
وعلى رغم أن هناك إجماعاً عامّاً حول واقع الفجوة بين الدول الإسلامية والبلدان الغربية في ما يتعلق بالتحديث وإرساء الديموقراطية، فإن شرح أسبابها الجذرية والحلول الممكنة يطرح إشكاليات كثيرة، إذ لا تساعد الآراء النمطية - في البلدان الإسلامية - على معالجة الهياكل التي تغذي تلك الفجوة. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه لم يتم التقليل من شأن الإرهاب الجسدي أو النفسي أو اللفظي أيّاً كان مصدره في هذا الكتاب، وتنصبّ بؤرة تركيزه على تحديد الظروف الأكثر ملاءمة للسلم والأمن الدوليين والتي تشمل بالضرورة التنمية الاقتصادية.
ويذكّر الكتاب بضرورة وضع التحليلات المتعلقة بالإسلام اليوم في سياقها التاريخي والاقتصادي والجغرافي الصحيح. ومن ثم، فإنه يبذل جهداً فائقاً لإنقاذ التاريخ من خبراء الإسلام الجدد ومؤرخيه. وقد لا يكون دعاة الطرح الثقافي والمستشرقون الآخرون على خطأ في طرحهم المتعلق بأسباب تأخر البلدان الإسلامية، غير أنهم مدعوون إلى «عدم تجاهل تنوع عملية التحديث». ويذكّرهم الكتاب بأن «التقاليد، بما فيها تلك الدينية ظلت حية في المجتمعات الغربية الحديثة، بل في بعض الحالات تصير أقوى، كما هو الحال في الولايات المتحدة».
وحول إرساء الديموقراطية، يعيد الكتاب التذكير بأن «بريطانيا كانت البلد الوحيد الذي كان فيه التحديث والديموقراطية ظاهرتين متأصلتين تم تحقيقهما بسلام نسبي في مدة تجاوزت مئتي عام». وفي المقابل، اتسم التطور الديموقراطي داخل جارتها فرنسا بالعنف، وبالتالي فمن الحصافة والحكمة أن يكون نقاشنا عن الإسلام والديموقراطية «أقل تعصباً» و «أقل تجريداً». وتظل المقارنة بين الثقافات الأخرى والديموقراطية من ناحية، والسياقات التاريخية من ناحية أخرى، ضرورية من أجل التقويم العلمي لتطور الثقافات وارتقائها، ولم يكن كل من التحديث والديموقراطية أيضاً، من العمليات التي تسير على خط مستقيم. ويعج هذا الكتاب بإيضاحات مثيرة للروابط بين أحداث الماضي التي يتم تجاهلها أو التقليل من شأنها اليوم على رغم أهميتها آنذاك.
ولا شك في أن هذا المنهج يساعدنا على فهم بعض الظواهر التاريخية ووضعها في منظورها السليم، فقوى الإمبريالية وأشكال الوجود الأجنبي الأخرى جعلت السكان المحليين أكثر وعياً حيال ضرورة الدفاع، ومن ثم إعادة تنظيم الأنساق الدينية والثقافية الخاصة بهم. وكان رفض النماذج التي يقدمها المستعمر أو التكيف أو الاندماج معها محل نقاش، وتم النظر إلى العودة إلى نموذج تاريخي مثالي للحكم في العالم المعاصر بمثابة الدرع الواقي في مواجهة التدخل الأجنبي أو الحديث.
ويخلص الكتاب إلى مجموعة من التوصيات الواقعية، ويشير إلى أن ليست الثقافات والقيم غير قابلة للتغيير، اذ ان التغيرات في البنى الاقتصادية والاجتماعية تؤدي في أحيان كثيرة جدّاً إلى تحول ثقافي. وفي الواقع، فإن الإصلاح ممكن في حال تبني عدد من الأعمال الداعمة لبعضها الآخر على مستويات مختلفة. فمن الواجب أن يتم إقرار المبادئ العامة - مثل احترام حقوق الإنسان والشفافية - على مدى فترة زمنية لها اعتبارها، ويتعين القيام ببناء أو تدعيم الرصيد البشري بطريقة مستدامة من خلال ثقافة التسامح والاشتمال.
وأخيراً، من الواجب على الديموقراطيات الناضجة المتمتعة بحصة عالية على مستوى الأمن الموجود في عالم مستقر، أن تقوم بدعم التحديث في شكل دائم. وفي الواقع، يجب في هذا العصر من التواصل الواسع النطاق، أن تتغلب القيم العالمية على المعايير المزدوجة، كما يتعين تنظيم جهود جادة لتعزيز صدقية المجتمع الدولي، ومن ثم معالجة الأسباب الجذرية للالتباس بين الثقافات والأقاليم المختلفة، وعندئذ يمكن دحر الإرهابيين وأصحاب المبادئ الهدامة وكل أولئك الذين يساندون أي شكل من أشكال الاستبداد نهجاً وفعلاً.
محمد عويس
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد