شغب : نبيل صالح

02-10-2022

حديقة الحيوانات

أثناء الثورة كان لابد لرجالها من أن يؤمموا شيئاً ما لكي يكتمل الإعلان عن ثورتهم الاشتراكية بعد البلاغ رقم واحد، ولما كانت البلاد زراعية لم يجدوا في طريقهم سوى بضعة معامل وورشات صغيرة فأمموها، ومن بينها هذه المنشأة التي غدت خاسرة إلى يومنا هذا، ردد (س) مستغرباً: خاسرة! تابع السائق: نعم، وبعد ربع قرن من الخسارة قررت الحكومة أن تعرف لماذا؟ فأرسلت خبيراً لدراسة الأمر. جاؤوا له بالسجلات والأضابير حتى امتلأت الغرفة ثم أرسلوا له قهوته مع الحاجب. نظر إليه المفتش ثم قال: من كم سنة أنت تعمل هنا يا عم؟ قال الحاجب: من زمان يا سيدي، من قبل التأميم! قال المفتش: وهل كانت الشركة خاسرة حينذاك؟ الحاجب: لا، كانت رابحة، المفتش: ولماذا برأيك كانت رابحة ثم غدت خاسرة؟ الحاجب: العفو يا سيدي أنا مجرد حاجب أمي. المفتش: وأنا يهمني أن أسمع رأيك. الحاجب: السبب بسيط يا سيدي: قبل التأميم كانت عين المدير على الشركة ومؤخرته على الكرسي، بعد التأميم صارت عيون المديرين المتعاقبين على الكرسي ومؤخراتهم على الشركة.
25-09-2022

سفر الرُّسُل (إصحاح 63)

فلنفترضْ أنَّ الإثني عشر ناجياً سورياً الذين لفظهُمْ بحرُ طرطوس بعد غرقِ قاربهم بالأمس، قرَّرُوا تشكيلَ وفدٍ والسَّفرَ عبرَ آلة الزَّمن إلى يوم 1 شباط من العام 1963 لمقابلة مجلس قيادة الثورة بدمشق كي يناقشوا معهم تصحيح الأخطاء التَّاريخيَّةَ التي تسبَّبُوا بها منذُ قيام ثورتهم المجيدة في الثامن من شهر آذار، وصولاً إلى اللحظة التي صعدَ فيها الرُّسُلُ إلى مركب الموت... سوف يسألُ الرفاقُ العقائديون، الذين يرتدون بدلات الكاكي ويدخِّنُون سجائر البولمو ، الرُّسُلَ من أيِّ زمنٍ هم قادمون، فيجيبُ الرُّسُلُ: من العام 2022، فيحتفي الرفاقُ بهم ويسألونهم عن سورية المستقبل بعد مرور ستين عاماً،
18-09-2022

نحن الدَّجاج لنا الغدُ...

تواكبُ مسيرةَ حياة المجتمعات البشرية مسيرةُ تدجين طيور الدَّجاج، فمع تأمين العلف والحماية والرعاية نسيت الدجاجة البرية أهمية جناحيها فاستكانت وصار وجهُها نحو الأرض لاترفعه إلى السَّماء إلا عندما تريد ابتلاع شربة الماء ويظن المتدينون أنها تشكر ربها... ومع تقدم العلم واختراع (الفقاسة) التي حلت مكان "القرقة" كأم بديلة، لم يعد هناك طيور دجاج خارج نطاق الحظائر، ولم تعد طيور الدجاج تموت بين أنياب الثعالب أو مخالب الصقور أو عدم توفر الماء والغذاء، فكلها باتت مؤمَّنة في حظائر وأمامها معالف لاتنضب ولايهددها أي خطر سوى الإنسان الذي يفترس منها يومياً بضعة مليارات ثم يتغوطها ليملأ شبكات الأرض وبحارها بفضلاته!؟
11-09-2022

عن اليأس والأمل في غياب العمل

لوين رايحين؟ سؤالٌ ما زلت أسمعه من الكثيرين على امتداد سنوات الحرب، ولستُ أكثرَ معرفةً منهم، وإنما يمكن أن نرى شكل العام القادم من خلال عملنا هذا العام، إذ يرتبط الأمل بالواقع وليس بالأحلام، وواقعنا اليوم أننا لا نصنع شيئاً سوى إلقاء اللوم على بعضنا، وعرقلة أعمال الناجحين بيننا، واللا مبالاة تجاه الهاجرين لبلادنا!
03-09-2022

ماهي مقومات الهوية السورية ؟

سورية المتخيلة وطنياً اليوم غير سورية التاريخية التي شكلها الغزاة والتجار والحجاج، فتاريخ السلالات التي تدفقت فوق تضاريسها يفرقنا ويقسمنا ويؤخر دولة المواطنة والمساواة التي أرادها آباؤنا بعد الاستقلال. فقد رسم المحتلون حدود سورية عبر تاريخها الطويل بحيث امتدت إلى فارس أيام الملك كورش، وإلى الهند أيام الإسكندر المقدوني، واتصلت بإرمينيا أيام الملك ديغران الكبير، مثلما اتصلت بروما أيام البيزنطيين، وبنجد والحجاز ومصر وشمال أفريقيا أيام الأمويين، وبالأناضول أيام العثمانيين... وهكذا كانت سورية الجغرافية تتمدد وتتقلص منذ عشرة آلاف عام حتى يومنا هذا بحسب سطوة حكامها وقوة جيوشهم وليس بحسب قوميتها أو دينها كما يزعم الإسلاميون والقوميون،
28-08-2022

الحمار الإلكتروني

عندما يحرن حمار الفلاح ولا يرضى أن يمشي خلفه إلى الطاحون يمد له باقة حشيش فيتبعه، وكلما حرن يعطيه قضمة من الباقة فيتبعه حتى يصل الحمار بحمله إلى الطاحون ومازال جائعاً: هكذا يعمل عقل مدمني وسائل التواصل الاجتماعي على معالف الإثارة الإلكترونية، إذ يشعرون بفراغ أكبر وجوع أكثر بعد كل قضمة منها، حيث يمضغ المتصفح خبيصة متنافرة من البوستات الغث فيها أكثر من الثمين والشاذ أو الكاذب أكثر من الصحيح، ذلك أن حجم الفراغ والملل عند الفرد يحددهما زمن تواجده على منصات التواصل، سوى أولئك الذين يديرون المنصات ويجمعون مالهم من مستهلكيها، كالسوبر ماركت: تدخل إليها لتأخذ غرضاً تريده وتخرج منها محملاً بأشياء لم تكن تريدها…
21-08-2022

بقر الرب وفئرانه

تزول الإمبراطوريات ولا يبقى منها سوى ثقافتها ولغتها، وبالتالي فإن اللغة والثقافة هما ما يميز أمة عن أخرى، إذ لا يمكن لأي فرد أن يزعم أنه من عرق صاف بعدما أظهرت اختبارات البصمة الوراثية اختلاط الأعراق، وفي سورية قلب العالم القديم يمكننا أن نحصي في الحمض النووي للمواطن السوري الكثير من السلالات المختلطة، إذ حكم الحثيون بلادنا والمصريون وشعوب البحر والآشوريون واليهود والبابليون والفرس والأنباط والأرمن والهيلينيون والبيزنطينيون والمسلمون العرب والصليبيون والسلاجقة والطولونيون والإخشيديون والزنكيون والأيوبيون فالمماليك فالمغول والعثمانيون، حيث اختلطت شيفرتنا بشيفرة المحتلين، واحتضن الرحم السوري عدداً كبيرا من حيوانات الأمم المنوية على مر القرون،
14-08-2022

ما أنا بقارئ!

لايبقى من المرء بعد موته سوى كلماته الجيدة، لذلك فإن الشعراء والكتّاب والمفكرين هم الأكثر هوساً بالخلود بيننا. ففي البدء كان الكلمة، ولايمكننا معرفة الله من دون الكلمة، لهذا أوصى عباده المؤمنين بالقراءة، غير أن القراءة قبل اختراع الكتابة لم تكن تعني ما تعنيه بعدها، فأن تقرأ الطبيعة أو الناس يعني أن تستكشف باطنهم، وعندما أمر الربُّ عبده ورسوله الأمي محمدا بالقراءة لم يكن يقصد تفكيك الحروف والكلمات المكتوبة في بلاد لا كتب ولا مكتبات فيها؛ إذ أن الخط والنحو العربي لم يكتملا حتى القرن الهجري الثاني وكانت الثقافة العربية شفوية، ولعل الربَّ كان يقصد قراءة معجزاته في الأرض من أجل فهم أفضل للحياة ..
07-08-2022

انتبه أيها المغفل

"ماأغبى هذا العالم وما أغباني": جملة صدَّرتُ بها كتابي الأدبيَّ الأولَ الذي أجاز نصوصَهُ نخبةٌ من الأدباء العرب، وطوَّبوني كاتبا قبل ثلاثين عاماً، ورأيتُ وقتها أنني لست الأذكى، وإنما الأقل غباءً بين الكتاب المتنافسين على جائزة الإبداع العربي في القاهرة، وذلك في جواب لي على سؤال محررة جريدة "الجمهورية" المصرية آنذاك. وقد اشتريتُ بقيمة الجائزة بقرةً هولنديةً بيضاءَ وسوداءَ لم تسرَّ سيرتُها الساخرةُ المسؤولين عندنا، حيث كتبتُ باسمها بعضاً من سيرة الوطن بعد الاستقلال تحت عنوان "يوميات الآنسة عدلا"، قبل أن أقدِّمَ لها طلبَ انتساب إلى اتحاد الكتاب العرب، رشَّحها ثلاثةٌ من أعضائه في حادثة شهيرة كتبتْ عنها الصُّحُفُ آنذاك واختلفَ الناسُ حولها كما اختلف بنو إسرائيل في سورة البقرة...
29-05-2022

تنافس حكومي على جيوب المواطن

خلال هذا الشهر تراجع ترتيب وزارة التجارة الداخلية في نسبة عدائها للمواطن السوري إلى المستوى الثالث، بينما حلت إدارة الهجرة والجوازات في المركز الثاني، ليتم تتويج وزارة الإتصالات بالمركز الأول بعد إقرار قانون الجرائم الإلكترونية ورفع أسعار خدمة الإتصالات : قيصر من ورائكم وحكومة عرنوس من أمامكم.. ليبقى السؤال: ماذا تتوقعون من مفاجآت التنافس الحكومي على تطويقنا وتطويعنا خلال الشهر القادم ؟