بندر بوش, ‘محرر’ سوريا

15-08-2013

بندر بوش, ‘محرر’ سوريا

الجمل-بيبي إسكوبار- ترجمة: د. مالك سلمان:
 
نتحدث عن "الجاسوس العائد". الأمير بندر بن سلطان, أو بندر بوش (بالنسبة إلى "دوبيا" *, كان واحداً من أفراد العائلة), ظهر من جديد بشكل استعراضي بعد تكهنات دامت سنة (هل هو ميت أم لا, بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في تموز/يوليو 2012). وقد عاد إلى الأضواء في لقاء, وجهاً لوجه, مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الملك السعودي عبد الله, واقتباساً عن [مغني الروك الأمريكي] بوب ديلان, "ليس منهمكاً بالولادة, إنه منهمك بالموت". كان على الأقل قادراً على التقاط قلم  وتعيين بندر, مؤخراً, رئيساً ﻠ "إدارة المخابرات العامة السعودية"؛ أي مسؤولاً عن الخطة الأمريكية- السعودية المشتركة حول سوريا.
اكتسب الاجتماع الذي دام أربع ساعات بين "بندر بوش" و "ڤلاد المطرقة" بُعداً أسطورياً. فتبعاً لتسريبات دبلوماسية, طلب بندر من " ڤلاد" التخلي عن الرئيس السوري بشار الأسد وعدم الوقوف في وجه قرار محتمل من مجلس الأمن/الأمم المتحدة بإقامة منطقة حظر طيران (وكأن موسكو يمكن أن تسمحَ بتكرار قرار الأمم المتحدة 1973 ضد ليبيا). وبالمقابل, يشتري آل سعود كميات هائلة من الأسلحة الروسية.
لم يُعجب العرض  " ڤلاد", كما هو متوقع. ولا حتى عندما أصرَ بندر بتبجح أنه بغض النظر عن الوضع الذي سيسود بعد الأسد, فإن السعوديين سوف "يسيطرون" على الأمور بشكل تام. كان " ڤلاد", والاستخبارات الروسية, على علم مسبق بذلك. لكن بندر تجاوز الحدود, حيث وعدَ بأن المملكة السعودية لن تسمحَ لأي بلد عضو في "مجلس التعاون الخليجي" – مثل قطر – بالاستثمار في خطوط أنابيبستان تمر عبر سوريا لبيع الغاز الطبيعي إلى أوروبا وتدمير المصالح الروسية, في إشارة إلى "غازبروم".
وعندما رأى بندر أن الطريق أمامه مسدود, انكفأ إلى موقفه السابق؛ الطريق الوحيد للخروج من الأزمة السورية هو الحرب – وعلى موسكو أن تنسى مؤتمر "جنيف2" المؤجل لأن ‘الثوار’ لن يذهبوا إليه.
ومرة أخرى, لم يكن " ڤلاد" بحاجة إلى تذكير بأن السعوديين - ﺑ "التعاون" مع واشنطن – يهيمنون الآن على مجموعات ‘الثوار’. فقد تم رمي قطر في علبة قمامة (ثمينة), تبعاً للصحفي ڤيجي براشاد. وهذا جزء من خطة واشنطن – إن كانت هناك خطة أصلاً – في عزل الإخوان الإسلامويين السوريين ومجموعاتهم/ارتباطاتهم الجهادية الظلامية.
لكن بندر المحتال, من جهته, ليس غبياً ليصدقَ دعايته نفسها؛ فهو يعرف أن لموسكو مصالحَ جيو- استراتيجية أكبر من الحفاظ على سوريا بصفتها زبوناً لأسلحتها. وربما يكون قد شك بأن موسكو غير معنية بالمنافسة الخليجية في خط أنابيبستان الذي يستهدف الأسواقَ الأوروبية.
من المفيد أن نتذكر أن دمشق, في سنة 2009, لم توقع اتفاقية مع قطر لمد خط أنابيب عبر سوريا؛ لكنها وقعت مذكرة تفاهم السنة الفائتة بخصوص خط الأنابيب الإيراني- العراقي- السوري بقيمة 10 مليار دولاراً أمريكياً. فبالنسبة إلى دمشق, كانت الصفقة مع إيران أفضلَ بكثير؛ وإذا تم بناء خط الأنابيب هذا, يمكن أن تكون "غازبروم" جزأ منه, من حيث البنية التحتية والتوزيع. ما استنتجته موسكو هو أن "غازبروم" لن تفقد هيمنتها المتعلقة بالطاقة على أوروبا لصالح الغاز الطبيعي القطري. ويمكن القول إن "غازبروم" تتمتع بالسلطة على منطقة اليورو المنكوبة والمتآكلة أكثر من "البنك المركزي الأوروبي".
ما يخشاه ڤلاد هو فوضى عارمة محتملة بعد الأسد يعمل السلفيون/الجهاديون على استغلالها بشكل كامل. وعلينا أن نتذكر دوماً أن المسافة الفاصلة بين حلب و غروزني لا تتجاوز 900 كم. إذ إن المحطة التالية للجهاد الكوني في سوريا ستكون القوقاز. وهذه هي النقطة التي يمكن أن يلتقي فيها بندر بوش و "ڤلاد المطرقة"؛ المصلحة الاستراتيجية المشتركة في لجم الجهاديين – على الرغم من أن بندر يقوم, في الواقع, بتسليحهم أيضاً.

أفغانستان الجديدة
لن تتخلى موسكو عن دمشق. نقطة. وفي الوقت نفسه, وكما هدد بندر, فإن احتمال انعقاد مؤتمر "جنيف2" مكافىء لاحتمال توقف إدارة أوباما عن قصف اليمن بالطائرات الآلية ("درونز") حتى الموت.
وكما جاء على موقع "إيشا تايمز" بشكل متكرر, فإن اسمَ اللعبة – من الناحية العملية – يبقى سوريا بصفتها أفغانستان الجديدة, مع تحكم آل سعود بكافة أوجه الجهاد (وواشنطن "تقود من الخلف"). كما أن لدينا هنا المفارقة التاريخية القاتلة؛ فبدلاً من الاصطدام مع الاتحاد السوفييتي, يصطدم السعوديون الآن مع روسيا الاتحادية. إذ إن بندر, في الوقت نفسه, قائد التسليح الجديد, وقائد تحرير سوريا. حيث أن "الجاسوس العائد" لا يفكر في ردة الفعل المستقبلية المحتومة؛ والمخيف في الأمر هو أن إدارة أوباما تقف خلفه مباشرة.
لم يكن لزيارة بندر بوش إلى موسكو أن تحدث من دون ضوء أخضر من واشنطن. ما هي, إذاً, الخطر الرئيسة (المشوشة)؟ يبدو أن إدارة أوباما تؤمن بنوع من سايكس- بيكو معدلة – بعد مضي قرن تقريباً على الاتفاقية الأصلية. لكن المشكلة تكمن في أنهم لا يعرفون كيف يقيمون مناطق النفوذ الجديدة هذه. وفي هذه الأثناء, يتركون للسعوديين مهمة القيام بالأعمال الصعبة. كانت الخطوة الأولى إخراج قطر من الصورة. ومن المدهش السرعة التي تم بها تقليص هذه الإمارة, التي كانت منذ شهرين فقط قوة عظمى صغيرة, إلى لا شيء.
ولكن من المحتمل أن بندر قد رأى الآن الكتابة على الحائط (الدموي): بشار الأسد سيبقى في السلطة حتى انتخابات 2014 في سوريا, ومن الممكن حتى أن يفوز في تلك الانتخابات. يمكن أن يقبلَ السعوديون نوعاً من التعويض في لبنان يتمثل في إعادة دميتهم العاجزة, سعد الحريري, إلى السلطة في حكومة ائتلافية تشمل الجناحَ السياسيَ لحزب الله, وليس الجناح الآخر الذي أسمته الكلاب الإفرنجية الأوروبية "إرهابياً". ولكن من غير المحتمل أن يحصل هذا أيضاً.
إذاً, ما ذا على "بندر المحرر" أن يفعل؟ في الحقيقة, يمكنه دوماً أن يوجهَ طائرته الخاصة إلى دالاس ويحررَ أحزانَه في بحر من المشروبات الكحولية التي يقدمها له "آل دوبيا".

* "دوبيا": كلمة عامية شائعة في الولايات المتحدة تشير إلى أغبى رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية: جورج "دوبيا" بوش. وقد أتت الكلمة من الطريقة التي يلفظ بها محافظو ولاية تكساس الجنوبية (موطن آل بوش) حرف (دبليو) الذي يميز بوش الابن عن بوش الأب.   



http://www.atimes.com/atimes/Middle_East/MID-02-130813.html

تُرجم عن ("إيشا تايمز", 13 آب/أغسطس 2013)

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...