«إخوان»مصر يخسرون معقلهم الأول: الجامعات تُسقط «حكم المرشد»
المحبطون والمكتئبون الذين اعتقدوا أن الثورة المصرية ماتت، وأن لحظات الحلم انتهت لتفتح الباب أمام سنوات الكوابيس، وأن الغد لا يمكن أن يحمل سوى ما هو أسوأ... تنفسوا بعض الصعداء. والواثقون المتأكدون من أن الثورة أغلقت أبوابها عليهم دون غيرهم، وأن كل ما هو آت إنما يأتي ليصب في مصالحهم ويزيد من سطوتهم ويحكم قبضتهم... كتموا أنفاسهم خوفاً!
فحين يخسر إبن نائب مرشد جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة في مصر انتخابات طلاب جامعة عين شمس، وحين يفقد زملاؤه من أقطاب الاتحادات الطلابية من شباب الإخوان المسلمين مواقع الصدارة التي كانوا يحصلون عليها حتى في أعتى أيام النظام السابق، وحين تأتي مثل هذه النتائج في ظل قبضة تمكينية إخوانية آخذة في التعاظم على مفاصل الدولة وخلاياها وعضلاتها وخلجاتها، فإن رد فعل طلاب التيارات الثورية واليسارية وغير المتأسلمة يكون «ألا تهللون؟!»
والحقيقة هي أن التهليل لم يتوقف عند حدود الطرف الفائز من شباب ثوري وليبرالي وغير متأسلم، لكنه امتد خارج أسوار الجامعات حيث الآباء والأمهات وأبناء العم والخالة والأصدقاء والجيران ممن ينتهجون الاتجاه الفكري والأديولوجي نفسه، ففوز غير المتأسلمين نسمة هواء عليل في طقس ملبد بالغيوم مشبع بالغبار محمل بالأتربة.
لكن خبراء الأرصاد يؤكدون أن حال الطقس في تغير مستمر. فالأتربة وإن انقشعت، لا تنقشع للأبد، فهي مرشحة دائماً للعودة والهبوب على البلاد والعباد، إضافة إلى أن درجة التضرر منها تختلف من شخص الى آخر ومن مكان الى غيره، بل أن ما يراه البعض طقساً ملبداً مخيفاً، يعتبره آخرون طقساً جميلاً حاملاً خيراً وفيراً.
وبعيداً عن مقاييس الخير والشر التي تبقى نسبية، فإن التاريخ يقول إن التجمعات الطلابية، سواء كانت اتحادات أم جماعات أم تنظيمات، في كل أنحاء العالم هي مصانع إنتاج شرارات إسقاط أنظمة سياسية، ومقاومة احتلال، وتغيير معادلات الأوطان مع الانحياز الدائم والمستمر للفئات والطبقات المهمشة والفقيرة، حتى وإن كان الطلاب لا ينتمون إليها طبقياً.
فمن إشعال وقود ثورة 1919 اعتراضاً على فرض الأحكام العرفية، إلى حادث «كوبري عباس» الأشهر والذي قدم الطلاب من خلاله دماءهم لعودة الحياة الدستورية إلى مصر بعد محاولات وأدها، إلى الغضبة الطلابية التي شهدها ميدان التحرير في عام 1972 بعد ما تبين أن العام لم يكن عام حسم مع العدو الإسرائيلي كما وعد الرئيس الراحل السادات، وغيرها الكثير من التحركات الطلابية التي أدت إلى سطور جديدة في تاريخ مصر، يستمر النهج نفسه ويأتي طلاب الجامعات المصرية مجدداً بكل ما يدعو إلى الاندهاش، سواء كان سعيداً للبعض أو حزيناً للبعض الآخر.
البعض الآخر، وهو في هذه الحالة جماعة الإخوان المسلمين، اختارت أن تتبنى ظهوراً إعلامياً غير متأثر بخسارة أبنائها غير المتوقعة في انتخابات الاتحادات الطلابية. رباطة الجأش وصلابة رد الفعل عبرتا عن نفسيهما من خلال تعليق المسؤول الإعلامي للجماعة الدكتور أحمد عارف الذي أدرك ما يجري في العقل الليبرالي والثوري الباطن من عقد مقارنات بين الانتخابات الطلابية وقرينتها البرلمانية المرتقبة، نافياً ذلك بقوله أن «هناك فارقاً كبيراً بين انتخابات الاتحادات الطلابية والبرلمانية»، مشيراً (وحده) إلى أن «الإخوان استطاعوا أن يحصلوا على نتائج مميزة فى عدد من الجامعات. ولعلها من المرات النادرة التي يشير فيها رمز من الجماعة إلى ما يحدث في المشهد السياسي المصري من حركة من دون التلويح باتهامات المؤامرة وأوصاف الفلول، ويصف الحراك الحادث بعيداً عن قائمة الوصم الإخوانية المعتادة من بلطجة ومحاربة للمشروع الإسلامي وانقلاب على الشرعية وقوى خارجية وأخرى داخلية تعمل على زعزعة عجلة الاستقرار، إذ قال أن «ما حدث فى الجامعات الأخرى (من فوز غير الإخوان) أمر طبيعى نتيجة الحراك السياسى فى الشارع المصري. ليس هذا فقط، بل غازل عارف الشباب الذين يعرف الجميع أنهم من قامت الثورة على أكتافهم دون غيرهم، وقال ان «التنافس فى الجامعات شيء مهم كونه سينتج لنا شباباً صاحب رؤية سياسية تستفيد منه مصر فى المستقبل، على خلاف ما كان يحدث فى أيام النظام البائد».
وإذا كان المتحدث باسم الجماعة حتم عليه منصبه وأملى عليه ظهوره الإعلامي الرسمي الابتعاد عن التخوين والفكر التآمري وصب اللعنات الغاضبة على بني ليبرال، فإن غيره من غير الحاملين لهذا العبء قاموا بالواجب وزيادة.
فمن غير مصدق لما حدث ومطالب بـ «ممكن أي أحد يفيدنا بالنتائج الحقيقية للانتخابات الطلابية لأنني لا أصدق الإعلام الليبرالي الكاذب» إلى «الليبراليون فرحون بنتائج انتخابات الاتحادات الطلابية. إفرحوا شوية لكن من ضحك أخيراً ضحك كثيراً» وغيرها من التغريدات والتدوينات والمناقشات الشبابية الإخوانية أو المحبة للإخوان راوحت بين عدم التصديق من هول الصدمة، ومقابلة الخسارة بعنجهية إضافية، والتأكيد على أن نتائج هذه الانتخابات لا تعني شيئاً حتى وإن كانت تعني الكثير في الماضي القريب!
المتحدث باسم الجماعة قال ان الانتخابات البرلمانية ستظهر الأوزان الحقيقية للتيارات السياسية فى الشارع، مؤكداً أن «الجماعة وحزبها سيحصدان الغالبية، لأنهم جزء من الشارع يعرفون الآلام وأحلام المواطن البسيط ويسعون للقضاء على الفقر والبطالة».
قد يكون مثل هذا الحديث صحيحاً. لكن تجب الإشارة إلى أن انتخابات الاتحادات الطلابية الجامعية كانت منزوعة الزيت والسكر واسطوانات الغاز، كما أن هذه الانتخابات الطلابية لا تلعب على أوتار البطالة المتفاقمة في ظل حكم الإخوان، بحكم أنها تجري بين مشاريع عاطلين عن العمل لم يحصلوا على لقب «عاطل» بعد ليسهل جذبهم إلى عالم الرشى الانتخابية.
رشى انتخابية، صراعات سياسية، زيت سكر شاي، تكفير الليبراليين تشكيك في الإسلاميين، حرب حامية الوطيس بين مطبقين على مفاصل الوطن وآخرين، في خضم هذا المشهد الملتبس، مازالت كلمة السر هي «الشباب». صحيح أن المعادلة الانتخابية تتغير، وصحيح أيضاً أن مقولة «الإخوان كسبانين كسبانين» لم تعد سارية المفعول، وصحيح أن مجريات الأمور تشير إلى سوء الأوضاع وتدهورها وظهور ملامح الدولة الفاشلة، لكن يظل الشباب هم أصحاب القدرة الحقيقية على إحداث التغيير.
وعلى رغم منطقية نظرية «المصيدة» التي تشير إلى أنه ربما تجيء هزيمة الجماعة في الانتخابات الطلابية لـ»جر رجل» المعارضة لخوض الانتخابات البرلمانية، بعد «الضحك عليهم» بفوزهم في انتخابات جرت العادة على استحواذ الإخوان عليها، وإيهاهمهم بأن ما حدث هو تغيير محوري مفصلي في اتجاهات المصريين تجاه الإخوان، في حين أنه تحول مدروس ومخطط له من أجل غاية أرفع ألا وهي إقناع المعارضة بطريقة غير مباشرة لخوض الانتخابات البرلمانية.
وعلى أية حـــال، فالتغيير، أي تغيير، لن يتم عبـــر مكتب الإرشاد، ولا أمراء الجماعات، ولا شيوخ جبهة الإنقاذ، ولكن من خلال «الورد الذي فتح في جناين (حدائق) مصر» ومعها أولئك الذين لا ترهبهم قنابل الغاز أو فتاوى التــكفير أو حتــى أوامر السمع والطاعة.
أمينة خيري
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد