ما هي الأسباب الحقيقية لتعيين إيزينكوت قائداً لجبهة إسرائيل الشمالية
الجمل: على أساس اعتبارات الانتشار العسكري الجغرافي يتوزع الجيش الإسرائيلي إلى أربعة مناطق عسكرية، تمثل كل واحدة منها قيادة مسؤولة عن منطقة مواجهة محددة، والمناطق الأربع هي:
- القيادة العسكرية الشمالية.
- القيادة العسكرية الوسطى.
- القيادة العسكرية الجنوبية.
قيادة الدفاع عن الوطن الأم.
نطاق مواجهة القيادة العسكرية الشمالية هو المنطقة التي تشمل الحدود السورية، والحدود اللبنانية، وبالتالي فهذه القيادة مسؤولة عن المواجهة في الجبهتين السورية واللبنانية.
تتكون القيادة الشمالية من القطعات الآتية:
• الفرقة 36 المدرعة: وتعرف باسم تشكيل قاعاش، وهي من أكبر الفرق المدرعة تحت الخدمة العادية في الجيش الإسرائيلي، وقد تم إنشاء هذه الفرقة في عام 1954م، لذلك فقد خاضت هذه الفرقة كل الحروب والمعارك التي دارت في منطقة القيادة الشمالية.
• الفرقة 91: وتعرف باسم تشكيل الجليل، وتمثل فرقة إقليمية الطابع وذلك لأن نطاق انتشار تشكيلاتها يقع حصراً ضمن المنطقة الممتدة حصراً من روش هاينكر وحتى جبل حرمون، وبالتالي فهي تعمل حصراً في منطقة الحدود اللبنانية مع إسرائيل.
الألوية العاملة ضمن نطاق القيادة الشمالية هي: اللواء السابع، اللواء 477، لواء باراك المدرع، لواء الجولاني.. وذلك إضافة إلى الكتيبة 605 الهندسية، وكتيبة شاهاق لمخابرات الميدان.
قبل الحرب العدوانية الأخيرة التي شنتها إسرائيل ضد لبنان، وتحديداً خلال شهر تموز الماضي، كانت التقديرات الاستراتيجية، وتقديرات الموقف الميداني، التي شكلت الإدراك في القيادة العليا السياسية والعسكرية والاستخبارية في دولة إسرائيل تقول: عن القدرات العسكرية الإسرائيلية تستطيع خلال أسبوع واحد، أو بضعة أيام القضاء على حزب الله والمقاومة اللبنانية، واحتلال كامل المنطقة الممتدة من الشريط الحدودي وحتى نهر الليطاني.
أعدت قيادة منطقة القيادة الشمالية الإسرائيلية كامل خططها العسكرية العملياتية الميدانية، وذلك بالتعاون مع إدارة الأركان الإسرائيلية، وأصبحت منذ فترة طويلة في حالة جاهزية كاملة، وعندما قام كوماندوس حزب الله اللبناني، بتنفيذ عملية عسكرية جزئية (خلف) الخطوط الإسرائيلية، واشتبكوا في معركة دامت نصف ساعة، قتلوا فيها ثمانية وأسروا اثنين من جنود إسرائيل، وجدت القيادة الإسرائيلية في ذلك (ذريعة) مناسبة، وأطلقت خطة غزو جنوب لبنان من عقالها، تنفيذاً للخطوة الأولى من الخطة (A) الخاصة بالحرب الواسعة التي تم الاتفاق على شنها في منطقة شرق المتوسط بين إسرائيل وأمريكا.
لم يتفاجأ الإسرائيليون وحدهم بعجز القوات الإسرائيلية، وإنما تفاجأ العالم كله، فقد استطاعت مقاومة حزب الله اللبناني لا أن توقف إسرائيل عند حدها، بل وأن تكسر العقيدة العسكرية والقتالية التي ظلت تعمل هيئة الأركان الإسرائيلية والبنتاغون من أجل الاستناد إليها في غزو الشرقين الأوسط والأدنى بالقوة العسكرية.
حاولت قيادة الجيش الإسرائيلي إلقاء اللوم على أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، عندما قالوا: إن عدم إحرازهم النجاح المطلوب قد حدث بسبب نقص المعلومات الاستخبارية عن قدرات حزب الله، وطلب القادة العسكريين من القيادة السياسية الإسرائيلية (مجلس الدفاع الإسرائيلي) مهلة زمنية أطول، بحيث تصبح أسبوعين بدلاً من أسبوع واحد، ثم عادوا، وطلبوا فترة أكبر، وطوال هذه الفترة كانت أمريكا وحلفاءها يعملون على عرقلة قرارات مجلس الأمن، وفي نهاية الأمر، لم تستطع القوات الإسرائيلية تنفيذ خططها العسكرية الخاصة بغزو جنوب لبنان، الأمر الذي أدى إلى فشل الخطط السياسية التي كانت تسعى حكومة ايهود أولمرت بتطبيقها بعد اكتمال تنفيذ الخطط العسكرية.
الأزمة داخل إسرائيل بدأت بأزمة سياسية، ثم تحولت إلى أزمة بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية، ثم تحولت إلى أزمة بين القيادة العسكرية، وقيادة المنطقة الشمالية، كان واضحاً أن القيادة السياسية الإسرائيلية تريد (كبش فداء) تحمله مسؤولية ما أطلقت عليه تسمية (الأداء غير الكفوء للقوات الإسرائيلية في جنوب لبنان).
حملت الأنباء اليوم خبراً مفاده أن عامير بيريتس قد وافق على استقالة الجنرال أودي آدم قائد المنطقة العسكرية الشمالية، التي قدمها على خلفية نتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة في لبنان، وأصدر عامير بيريتس قراراً بالموافقة على قرار تعيين قائد غرفة العمليات اللواء غادي ايزينكوت قائداً جديداً للمنطقة الشمالية.
وتجدر الإشارة إلى أن اللواء يواف غالعانت قائد المنطقة الجنوبية كان مرشحاً لتولي قيادة المنطقة الشمالية، ولكن وزير الدفاع عامير بيريتس اختار في اللحظة الأخيرة أن يستبقيه في المنطقة الجنوبية، تحت مبرر أن فترة خدمته في المنطقة الجنوبي أقل من عام، وبالتالي فإن تحويله إلى قيادة منطقة أخرى قد يؤدي إلى بعض الإرباكات في الجيش الإسرائيلي.
الملامح العامة لشخصية اللواء ايزينكوت العسكرية، تقول بأن عمره حوالي 46 عاماً، وله 27 سنة خدمة عسكرية ضمن الجيش الإسرائيلي، كذلك كانت معظم فترة خدمته ضمن لواء الجولاني، إضافة إلى أنه عمل سكرتيراً عسكرياً لرئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ايهود باراك، ويحظى بالكثير من الاحترام والهيبة ضمن هيئة إدارة أركان الجيش الإسرائيلي.
قوبل قرار تعيين ايزينكوت ببعض الانتقادات، وذلك لأنه من الخاضعين للمساءلة، بحكم منصبه، بوساطة لجنة التحقيق حول حرب لبنان، وبالتالي فإنه قد يواجه الإدانة إذا ثبت تورطه في أخطاء حرب لبنان.
بعض الآراء تقول بأن تعيين اللواء ايزينكوت في هذا الموقع بسبب أن شخصيته العسكرية تمثل نموذج الانضباط والاحترافية خلال فترة الحرب.
ولكن على أية حال، فقد عبّر ضباط قيادة المنطقة الشمالية عن رضاهم عن قرار تعيين ايزينكوت قائداً لهم.
أبرز التساؤلات التي يثيرها تعيين ايزينكوت قائداً للمنطقة الشمالية (والتي تعتبر المنطقة الرئيسة الأكثر أهمية في الجيش الإسرائيلي حاليا، بسبب كونها تمثل منطقة المواجهة الحربية المتوقعة الحدوث بين إسرائيل، وسوريا، ولبنان، وإيران...).
يمكن أن يكون على النحو الآتي:
- هل يعكس تعيينه برغبة قيادة الجيش الإسرائيلي في تبني عقيدة عسكرية وقتالية جديدة.
- هل يعكس تعيينه توجهاً إسرائيلياً بالتركيز على حرب المشاة بدلاً من الاعتماد على الحرب الجوية، خاصة وأن خبرة إيزينكوت هي في مجال المشاة والقوات الخاصة (معظم خدمته كانت في لواء الجولاني والذي يعتبر من قوات النخبة) والذي يتكون من خمسة كتائب كاملة الاعداد.
- هل يعكس تعيينه رغبة القيادتين السياسية والعسكرية، في المزيد من إخفاء الحقائق، عن لجنة التحقيق، وذلك لأن اللواء ايزينكوت كان يعمل في مكتب رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، وفي لجنة العمليات التابعة لهيئة أركان الجيش، وبالتالي يعرف كل شيء في الحرب الأخيرة، الأمر الذي يجعل قدرته أكبر على إعاقة عمل لجنة التحقيق إذا كان مسؤولاً عن قيادة المنطقة الشمالية.
- هل يعكس تعيينه رغبة إسرائيلية في المزيد من الحروب في المنطقة، وهو تساؤل يقوم على آرائه التي كان يتبناها خلال فترة الحرب الأخيرة، خاصة إذا كان له رأي مختلف عن ادام قائد المنطقة الشمالية السابق، ثم تبين بعد ذلك أن آراء ادام كانت خاطئة وآراؤه كانت صائبة، وبالتالي جاء تعيينه في هذه المنطقة العسكرية الشمالية الهامة، لكي يتيح له المجال من أجل إنفاذ تطبيق رؤيته ميدانياً وعسكرياً.
وعموماً نقول: لن يكون تعيين اللواء ايزينكوت هو الحل والمخرج لأزمة الجيش الإسرائيلي في الحرب الأخيرة، وعلى ما يبدو سوف يعقب ذلك المزيد من الاستقالات والتعيينات في هيئة الأركان وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد