مؤتمر اسطنبول ولعبة الأيادي الخفية
الجمل: نشرت صحيفة كريستيان سينص مونيتور الأمريكية تقريراً عن المعارضة السورية، تطرقت من خلاله إلى التصدعات وعوامل عدم التماسك التي انطوى عليها مؤتمر المعارضة السورية الأخير بمدينة اسطنبول التركية: فما هي حقيقة مقاربة صحيفة كريستيان سينص مونيتور لمؤتمر اسطنبول، وإذا أخذنا في الاعتبار أن الصحيفة تمثل الكيان الصحفي الأمريكي الأكثر ارتباطاً بتوجهات التيار الديني الأمريكي اليميني المرتبط بدوره بالصهيونية، كيف يمكن أن نفهم إدراك هذا الكيان إزاء تطورات فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري الراهن؟
* مؤتمر اسطنبول: القراءة في بنود جدول الأعمال
عقدت فصائل المعارضة السورية مؤخراً مؤتمرها في مدينة اسطنبول التركية، وفي هذا الخصوص أشارت التقارير والتحليلات السياسية إلى النقاط الآتية:
• ضعف تمثيل رموز المعارضة الداخلية، الأمر الذي أدى إلى سيطرة نفوذ رموز المعارضة الخارجية، وعلى وجه الخصوص المقيمين في البلدان الأوروبية الغربية وأمريكا إضافة إلى بعض الدول العربية، وأشار مراسل وكالة رويترز في هذا الخصوص إلى أن معظم هؤلاء المشاركين هم من كبار السن الذين ظلوا في حالة انقطاع كاملة عن الواقع السياسي السوري الداخلي، ولفترات تتجاوز السنوات إلى الحقب الطويلة.
• واجه جدول أعمال المؤتمر خلافاً رئيسياً، تمثل في تباين وجهات النظر حول طبيعة القوام السياسي التنظيمي الذي يتوجب انتخابه داخل المؤتمر، وفي هذا الخصوص رأى البعض بضرورة أن يسعى المؤتمر إلى انتخاب حكومة ظل. ورأى البعض الآخر بضرورة الامتناع عن انتخاب مثل هذه الحكومة ريثما تتضح مدى مصداقية استمرار الفعاليات المعارضة الداخلية.
هذا، وأشارت التقارير إلى أن أبرز المعطيات الخاصة بمؤتمر اسطنبول تمثلت في الآتي:
• حضور 350 مندوباً شاركوا في المؤتمر.
• حمل المؤتمر اسم: مؤتمر الإنقاذ الوطني.
• تم انتخاب مجلس مكون من 25 عضواً.
• سعى مجلس الـ25 عضواً لانتخاب لجنة مكونة من 11 عضواً.
• تم تفويض لجنة الـ11 عضواً بالإعداد لانعقاد مؤتمر لاحق للمعارضة السورية.
وإضافة لذلك، رصدت التقارير الآتي:
• تصريح المعارض السوري ـ المقيم بالمملكة العربية السعودية ـ أديب الشيشكلي، القائل بأن المجلس سوف يكلف بمهمة التحضير لمؤتمر آخر سوف يضع في قمة أولويات أجندته عملية انتخاب "حكومة في المنفى" تهتم بالتعامل ومعالجة القضايا الانتقالية التي سوف تعقب "انهيار دمشق" المفترض بواسطة المعارضة.
• تصريح المعارض السوري ـ المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية ـ رضوان زيادة، القائل بأن المعارضة سوف تجد نفسها مضطرة لجهة القيام بتضييق خلافاتها. وأضاف قائلاً بأن الشارع السوري سوف يتخلى عن رموز المعارضة إذا لم يتخلوا عن خلافاتهم.
• تصريح المعارض السوري (المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين السورية) علي صدر الدين البيانوني المقيم في بريطانيا، الذي قال فيه بأن الشعب يطالب المعارضة بالتسريع في جهودها.
تحدث العديد من المحللين والخبراء وشهود العيان، عن تفشي المزيد من مشاعر الغيظ وعدم الرضا في أوساط المعارضين العلمانيين والليبراليين السوريين إزاء الحضور الكبير لجماعة الإخوان المسلمين على النحو الذي أدى إلى سيطرتها على فعاليات مؤتمر اسطنبول، وإضافة لذلك فقد كشف الأداء السلوكي داخل المؤتمر إلى أن رموز الجماعات القبلية والعشائرية قد أبدوا الكثير من الضيق والحنق بسبب تهميشهم داخل المؤتمر، ولم يتوقف الأمر على ذلك، فقد سعت الفصائل الكردية إلى استغلال انعقاد فعاليات جولة مؤتمر اسطنبول من أجل الحصول على مكاسب ومزايا نوعية وصفها المحللين السياسيين بأنها سوف تكون في غاية الخطورة، لأنها تتعلق بدفع المؤتمر إلى أن يدرج في بيانه الاعتراف ببعض المزايا الخاصة لصالح الأكراد السوريين بما يفسح المجال أمامهم لجهة إقامة "إقليم كردستان السوري" والذي سوف يكون على غرار "إقليم كردستان العراقي" لجهة وجود رئيس جمهورية في الإقليم وبرلمان كردستاني سوري منفصل ومجلس وزراء كردستاني سوري منفصل، وعلاقات دبلوماسية كردستانية سورية منفصلة وما شابه ذلك.
* نتائج مؤتمر اسطنبول: التصنيع الإعلامي ولعبة إلقاء اللوم
تحدث تقرير صحيفة كريستيان سينص مونيتور الأمريكية واصفاً سعي المعارضة السورية للوحدة بأنه قد فشل بسبب قدرة دمشق المتفوقة لجهة القيام بإحباط فعاليات هذا المؤتمر، وركزت الصحيفة على النقاط الآتية باعتبارها سبب الفشل:
• عدم نجاح عملية الانعقاد المتزامن لمؤتمر رموز المعارضة في الداخل، ومؤتمر رموز المعارضة في الخارج. بما أدى إلى عدم تحقيق ربط المداولات بين المؤتمرين. الأمر الذي أسفر عن غياب وجهة نظر المعارضة الداخلية عن المؤتمر والذي عبر حصراً عن توجهات الأطراف المعارضة الخارجية.
• وصف أحداث الجمعة الماضية التي سبقت المؤتمر بأنها كانت سبباً في إعاقة جهود توحيد الفصائل المعارضة.
هذا، ونلاحظ أن تقرير الصحيفة قد أخذ اتجاهاً أكثر انسجاماً وتطابقاً مع اتجاهات الصحافة والإعلام الأمريكي والغربي، وأيضاً السعودي ـ الخليجي، وذلك لجهة تجاهل الوقائع الآتية:
• التزامن المثير للاهتمام بين توقيت انعقاد مؤتمر اسطنبول وزيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون لتركيا.
• التزامن المثير للاهتمام بين مطالبة بعض المشاركين في المؤتمر لجهة القيام بانتخاب حكومة منفى سورية بالخارج. وتصريحات هيلاري كلنتون التي وصفت من خلالها دمشق بأنها أصبحت فاقدة الشرعية.
يبدو أن هذا التزامن كان يهدف فعلاً إلى الدفع باتجاه انتخاب حكومة المنفى، والتي كانت وزيرة الخارجية الأمريكية جاهزة لجهة القيام بمهمة الاعتراف بها. وإضافة لذلك، تبدو جهود "الأيادي الخفية" واضحة المعالم في هذا الجانب:
• تصريحات كلنتون بإنكار شرعية دمشق، حيث أكدت المصادر الأمريكية الرفيعة المستوى بأنها لم تكن معدة سلفاً، وليس لأي طرف أمريكي رسمي علماً مسبقاً بها، والسؤال الهام هنا: من هو الذي قام بإعداد هذه التصريحات. والتي وصفتها المصادر الأمريكية بأنها كانت تصريحات "مرتجلة" لا تعبر عن الموقف الرسمي الأمريكي.
• قيام "بعض المشاركين" في مؤتمر اسطنبول بالمطالبة بانتخاب حكومة منفى. معناه إدراكهم الكامل، إلى أن حدوث هذا الفعل سوف يكمل الجانب الآخر لتصريحات الوزيرة كلنتون. وبكلمات أخرى، عبرت كلنتون نظرياً وقاموا هم بإنجاز الأمر عملياً.
الجدير بالاهتمام والانتباه هنا يتمثل في تزامن مؤتمر اسطنبول الخاص بالمعارضة السورية مع انعقاد جولة اجتماع لجنة تنسيق ليبيا، والتي أسفرت عن الاعتراف بـ"المجلس الانتقالي الليبي" باعتباره الحكومة الشرعية الليبية، وهنا يبدو الأمر واضحاً، فالمعارضة السورية الخارجية تريد تشكيل حكومة منفى يتم الاعتراف بها على غرار الاعتراف بحكومة المجلس الانتقالي الليبية. وبالتالي إذا كانت أطراف التحالف الدولي الذي يستهدف ليبيا قد وجدت فرصة السيطرة على منطقة بنغازي واستخدامها تحت حماية الأطراف الدولية كمكان ونقطة ارتكاز لإدارة الفعاليات المسلحة ضد نظام طرابلس. فإن المعارضة السورية الخارجية تسعى أيضاً لجهة الحصول على مثل هذا الإسناد. مهما كان الثمن.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد