لبنان فوق بركان: من يشعل شرارة الحرب
الجمل: تناقلت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وانتماءاتها التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بالتركيز على أوضاع الملف اللبناني. وفي هذا الخصوص، وبرغم كثافة التقارير الإعلامية التي رصدت تطورات الأحداث والوقائع، فإن التحليلات السياسية سجلت غياباً غير مسبوق عن المتابعة: فما هي التطورات الجديدة؟ وما هي المسارات الجديدة المتوقعة وسيناريوهاتها الممكنة؟ وإلى أين تمضي قاطرة شرق المتوسط؟ باتجاه التهدئة أم باتجاه التصعيد أم باتجاه "المنزلة بين المنزلتين"؟
* ملف الصراع اللبناني: المعطيات الجديدة
رصدت أجهزة الإعلام طوال يوم أمس الجمعة العديد من التصريحات المختلفة المصادر والتي تسعى جميعها إلى تفعيل مضمون موحد يتعلق بأوضاع الملف اللبناني، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:
• أطلقت سوزان رايس مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي تصريحاً اتهمت فيه سوريا وإيران بالاستمرار في تزويد حزب الله اللبناني بالأسلحة والقدرات العسكرية.
• رصدت بعض الفضائيات خبراً أمريكياً يقول بأن واشنطن التقطت مشاهد لعمليات نقل الأسلحة والصواريخ عبر الحدود السورية إلى لبنان.
• تحدث السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني مطالباً بعدم التعامل مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وذلك على خلفية قيام بعض عناصر المحكمة بانتهاك حرمة وخصوصية إحدى العيادات الطبية النسائية الخاصة في الضاحية الجنوبية ببيروت.
• أجرت قناة العربية –المدعومة سعودياً وأمريكياً- لقاء مطولاً مع سمير جعجع زعيم القوات اللبنانية، تحدث فيه مؤيداً وداعماً لجهود المحكمة الدولية، وما هو جدير بالملاحظة أن اللقاء جاء مباشرةً بعد حديث السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله.
برغم تعدد مصادر التصريحات، فإن ما هو لافت للنظر يتمثل في تصريحات السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، وهو التصريح الذي خصصت له صحيفة أورشليم بوست الإسرائيلية-الليكودية- تقريراً كاملاً ركز في مقدمته على اتهام سوريا وإيران وحزب الله اللبناني بأنهم يشكلون حالياً مثلثاً يهدف إلى مساعي تهديد استقرار لبنان وتقويض استقلاله.
* تحليل المسارات المحتملة لصراع الملف اللبناني: شرق المتوسط إلى أين؟
يقول خبراء علم تحليل النزاعات والصراعات بأنه توجد دائماً ثلاثة مسارات محتملة لتطور الحراك الصراعي بين الأطراف المتنازعة وهي:
- مسار التصعيد: ويتضمن إزكاء المزيد من الوقود لجهة دفع الصراع ضمن المستويات المرتفعة الشدة.
- مسار التهدئة: ويتضمن تقليل شدة الصراع بما يؤدي إما إلى الحل أو إلى دفع الصراع ضمن المستويات المنخفضة الشدة.
- مسار التعليق: ويتضمن الإبقاء على الوضع الراهن الجاري معلقاً لفترة ريثما يتم اعتماد رؤية واضحة إزاء المفاضلة بين خيار التصعيد وخيار التهدئة.
هذا، وعلى أساس اعتبارات إدراك الأطراف لطبيعة الصراع وحسابات العائد والتكلفة وما شابه ذلك، فإن كل طرف ينظر إلى الصراع على أساس اعتبارات النتائج التي يمكن أن يحصل عليها، ومدى ملاءمة هذه النتائج لجهة تعزيز المصالح والمكاسب.
وتأسيساً على ذلك، برزت في الآونة الأخيرة، وتحديداً على يد خبراء محور واشنطن-تل أبيب، ما أطلقوا عليه تسمية إدارة الصراعات، الأمر الذي أدى إلى نشوء ظاهرة "صناعة الصراعات"، وباختصار، فإن ما يحدث منذ لحظة انعقاد مؤتمر المانحين الأول للبنان، والذي أعقبته سلسلة الاغتيالات التي بدأت باغتيال الحريري وانتهت مؤخراً بحادثة انتهاك حرمة العيادات النسائية في بيروت وتصريحات السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة سوزان رايس، ووقائع تسعى جميعها لصب المياه في طاحونة تصنيع الأزمة اللبنانية.
أبرز خطوط و مؤشرات إجارة ملف الأزمة اللبنانية يمكن أن يتم التعرف عليها من خلال التدقيق في مضمون ومحتوى تصريحات السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سوزان رايس وذلك من خلال المعطيات الآتية:
• خط نوايا التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي السيادي اللبناني من خلال اتهام حزب الله بعدم المسؤولية إزاء المؤسسات السياسية الديمقراطية اللبنانية.
• خط نوايا استهداف سوريا من خلال اتهام دمشق بأنها تتجاهل بشكل واضح سيادة لبنان واستقلاله السياسي.
• خط تفعيل حملة بناء الذرائع لجهة شن عملية نفسية تستهدف مثلث دمشق-طهران – حزب الله باعتبارهم الساعين لجهة استقرار وأمن لبنان.
• خط نوايا استقلال مجلس الأمن الدولي ومؤسسات المجتمع الدولي من خلال الثناء على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، والذي أشار إلى أن سيادة وأمن لبنان يواجهان تهديداً وخطراً أكبر بسبب حزب الله والميليشيات المسلحة الأخرى.
نلاحظ أن مفردات السفيرة سوزان رايس تركز على الانسجام مع المصطلحات الواردة في القرار الدولي 1559 والقرار الدولي 1701 والقوانين التي سبق وأن أصدرها مجلس النواب الأمريكي وأجازها الكونغرس الأمريكي، ثم أصدرت الإدارة الأمريكية الجمهورية السابقة الأوامر التنفيذية المتعلقة بتفعيلها على المسرح السياسي الدولي والإقليمي والأمريكي الداخلي.
* السيناريو القادم: المسارات والمفاعيل والعوامل الحاكمة
برزت خلال الأسبوعين الماضيين المزيد من التحركات الدبلوماسية الوقائية التي تشير إلى أن منطقة شرق المتوسط سوف تشهد خلال الأسابيع القادمة المزيد من الحركيات الساخنة، وفي هذا الخصوص نرصد الآتي:
• جاء الرئيس الإيراني أحمدي نجاد زائراً إلى لبنان حيث تم استقباله بحفاوة كبيرة، وبالمقابل، سعت واشنطن إلى إرسال حاملة طائرات إضافية إلى منطقة الخليج بحيث أصبحت تواجه الآن حاملة الطائرات أبراهام لينكولن إلى جانب حاملة الطائرات هاري ترومان وهي من السوابق والحالات النادرة في تاريخ عمليات البحرية الأمريكية.
• تحدثت التسريبات عن تزايد ضغوط السعودية على رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لجهة الاستقالة من منصب رئاسة الوزارة بما يتيح المزيد من حرية الحركة في الساحة اللبنانية طالما أن وجوده في المنصب سوف يجعله مقيداً بتوجهات الحكومة اللبنانية التي يستطيع حزب الله اللبناني ضبط إيقاعها عن طريق استخدام وتفعيل فيتو الثلث الضامن.
إذاً، قيام واشنطن باستخدام العقوبات ودبلوماسية دبلوماسية البوارج ضد إيران، ثم استخدام الضغط السعودي لجهة تقويض الحكومة اللبنانية بما يمكن أن يؤدي إلى حدوث أزمة وزارية داخل لبنان، وأما بالنسبة لسوريا ، فإن واشنطن لن تستطيع استخدام دبلوماسية البوارج بشكلها المكثف في منطقة شرق المتوسط، إضافةً إلى أن حلفاءها ليست لهم أي قدرة أو فاعلية لجهة الضغط على رموز الحكومة في دمشق، وبالتالي بقي الخيار الأوحد وهو استخدام الأمم المتحدة، وتحديداً مجلس الأمن الدولي إما لجهة تعديل القرار الدولي 1701، أو إصدار قرار دولي جديد يتماشى مع المطالبات الإسرائيلية بتوسيع نطاقات ولاية قوات اليونيفيل باتجاه خط الحدود السورية-اللبنانية، إضافةً إلى احتمالات توظيف المزيد من مفاعيل القوانين الأمريكية الصادرة باتجاه معاقبة سوريا والضغط على دمشق.
التطور الأكثر دراماتيكية سوف يتمثل في الخطوات المرتقبة في ملف المحكمة الدولية، وفي هذا الخصوص تقول التسريبات بأن المحقق الدولي بلمار قد شهد تجربة انفجار تجريبي في إحدى القواعد العسكرية الفرنسية، وهي قاعدة كابيتو العسكرية الجوية الفرنسية الواقعة بالقرب من مدينة بوردو، وتقول التسريبات بأن التجربة قد ركزت على أن يكون سيناريو الانفجار متماثلاً ومتطابقاً مع انفجار اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وفي هذا الخصوص تقول المعلومات بأن الخبراء الفرنسيين قد أعدوا مجسماً لمنطقة بيروت التي تمت فيها عملية الاغتيال وقافلة السيارات الخاصة بموكب الحريري، لذلك أكدت التسريبات بأن المحقق دانييل بلمار قد حضر الانفجار التجريبي، ثم شارك بعد ذلك في سيناريو عمليات رصد وتجميع الحطام.
سيناريو التصعيد دخل كما هو واضح الجزء الأخير من مرحلة التعبئة السلبية الفاعلة، وكما هو واضح، فمن المحتمل أن تشاهد تحركات مجلس الأمن الدولي الإضافية تتزامن مع قرارات الاتهام الظنية التي سوف يصدرها المحقق الدولي بلمار!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد