مطالبة بمجلس لتمثيل الطائفة العلوية في وزارة الأوقاف السورية
تساءل الكاتب السوري محمود عبد الرحمن, في أكثر من ترجمة من ترجماته التي أتت عبر سلسلة بعنوان "من مدرسة آل البيت"[1], عن السبب في عدم وجود مرجعية للطائفة العلوية, مبدياً رغبته في وجودها.
وللأمانة, ليس السيد محمود عبد الرحمن وحده من يطرح هذا السؤال, راغباً في الوقت ذاته بوجود مجلس أو مرجعية للطائفة المذكورة أعلاه, فقد سبق أن طُرح السؤال عينه في موقع "الملتقى العلوي" الالكتروني بتاريخ 23 حزيران 2009؛ ولا نكون قد بالغنا إذا ما قلنا: إن غالبية أبناء الطائفة العلوية (ربما) تراودهم تلك الأمنية/الحق التي حتى الآن يجهلون لماذا هي -بالرغم من تواضعها- عصية على التحقيق؟ ومن المستفيد من عدم وجود المجلس؟ لا بل, وأين الخطأ في وجوده؟!
من المُسلّم به أن جميع أتباع الديانات والمذاهب والملل والنحل-بشقيها السماوي والأرضي- وفي مختلف بقاع الأرض, لديهم مجالس تنظر في شأنهم الروحي واللاهوتي باستثناء الطائفة العلوية[2]! والآن, إذا ما ألقينا نظرة خاطفة على مجمل مكونات الشعب السوري, سنرى أن لكل شريحة دينية أو مذهبية مجلساً أو مرجعاً يمثلها في وزارة الأوقاف, وينظر في قضاياها الرعوية ويشرف على أمورها الروحية باستثناء العلويين! فمثلاً يوجد لأبناء الطائفة الإسماعيلية الكريمة مجلس باسم "المجلس الإسماعيلي الأعلى", وثمة شبيهه لطائفة الموحدين الدروز الأكارم, وقس على هذا المنوال في ما يخصّ ما تبقى من مكونات المجتمع السوري بمسلميه ومسيحييه على مختلف مللهم ونحلهم! ويُلاحظ في هذا المنحى وقوف الحزب الحاكم والنظام العلماني على مسافة واحدة ومتساوية من جميع تلك المكونات ومجالسها الممثلة لها, وهذا أمر بالغ الأهمية ونقطة تُحسب للبعث والنظام.
وغني عن البيان: إن بعض تلك المجالس الروحية استطاع تقديم خدمات استفاد منها المجتمع برمته, فمثلاً من يستطيع أن ينكر المدارس التي قامت بعض المجالس الكنسية بإشادتها في سوريا, وقد نهل من علومها العديد من أبناء الوطن الواحد بمعزل عن انتماءاتهم واتجاهاتهم الدينية والمذهبية وحتى الحزبية والإيديولوجية والسياسية. وهي بدورها –المجالس الكنسية- لم تميّز بين إنسان سوري وآخر ارتاد مدارسها ونهل من علومها!
وليس من قبيل المبالغة القول: إن وجود تلك المجالس الممثلة لشؤون طوائفها الروحية والرعوية قد زاد من اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد, خاصة أنها مجالس نجحت في إقصاء الديني عن السياسي, إذ اقتصر شأنها على الجانبين الروحي والمجتمعي والرعوي؛ عدا أن بعضها أدى دوراً حضارياً في الخدمات الاجتماعية التي يُقدّمها للمواطنين, فبذلك ساعدت تلك المجالس الحكومة السورية بطريقة أو بأخرى في عوامل التنمية وزيادة فرصها في البلاد, إضافة إلى التخفيف من غلواء البطالة في وسط الشباب, فعلى سبيل المثال بفضل وجود "المجلس الإسماعيلي الأعلى", بادر الإمام كريم آغا خان(مشكوراً) إلى فتح عدة بنوك لذوي الدخل المحدود في بعض المحافظات السورية.. الخ, وهذا الأمر كان من الصعب أن يحصل لولا وجود المجلس الإسماعيلي الكريم, وفق ما نعتقد! ومن المعلوم أن الفقراء(وما أقلّ نسبتهم لدينا في ظل سياسات العطري- الدردري الاقتصادية) على مختلف انتماءاتهم المذهبية والدينية والسياسية يستفيدون من تلك القروض الصغيرة والمُيسرة التي يمنحها بنك آغا خان.
بالعودة إلى ضرورة تشكيل مجلس أو مرجعية للطائفة العلوية المسلمة نفيد انه جرت عدة محاولات في السابق, أولها في ثلاثينات القرن الماضي, لكنها باءت بالفشل لأسباب نحن بغنى عن ذكرها الآن هاهنا. وتكررت المحاولات لاحقاً لكنها لم تكلل بالنجاح, من دون معرفة الأسباب! لكن من المهم القول: إن وجود المجلس المفترض أن ينظر في شؤون وقضايا المسلمين العلويين الروحية والرعوية أمر ضروري, وعدم وجوده أمر لم يعد يحتمل التأجيل والتأخير(ولا التسويف), وليس في صالح أحد عدم وجوده, وهاكم بعض العوائد والفوائد من وجوده:
1-بمقدوره المساهمة في التنمية الوطنية التي تقوم بها الحكومة من دون حاجته إلى خطط خمسية, فمن خلال تخصيصه لقسم من أموال الزكاة(مثلاً) يستطيع –مثالاً لاحصراً- مساعدة الحكومة في توفير شبكة الصرف الصحي في عدد من القرى التي لا توجد فيها تلك الشبكة والتي قد يحتاج وجودها إلى خمس خطط عطرية- دردرية خمسية قادمة. ومن المعروف أن من أهم التحديّات الماثلة أمام الحكومة الآن هي مسألة الصرف الصحي في سوريا.
2-إنشاء جمعيات خيرية, ونشر ثقافة الجمعيات الخيرية في أوساط أبناء الطائفة(وغيرهم إن شاءوا) في الأرياف بغية الإقبال عليها والتبرع لها, وتكون في مقدمة مهام الجمعيات مساعدة الفقراء والمحتاجين من أرامل ويتامى وسواهم, وتقديم أقساط للراغبين في التعليم كأولئك الذين قد لا تسعفهم ظروفهم الاقتصادية في متابعة التحصيل العلمي.. الخ.
3-يستطيع المجلس/المرجعية القيام بعدة مشاريع ذات نفع خيري عام, منها على سبيل المثال: إشادة المستوصفات في القرى التي تفتقر إليها بالتعاون مع الحكومة. إقامة "رياض أطفال" خاصة تتبع له, في مختلف قرى الريف بأجور وأسعار رمزية, تساعد الأهالي في التحرر من أسعار الرياض الخاصة وأمزجة أصحابها والقائمين عليها, على أن تشرف وزارة التربية على هاتيك الرياض. ومن الممكن جداً أن يكون بمقدوره –المجلس- بناء مستشفيات[3] وإن كانت صغيرة وذات اختصاصات محددة, وهذا ليس بالأمر المستبعد لاسيّما إذا أدركنا أن الكثير من مغتربي الطائفة العلوية(وربما عداهم) سيتبرعون بالمال حال وجود مجلس يقدّم خدمات ذات نفع عام في حين يترددون في ظل غيابه.
4-يشرف المجلس على إصدار مجلة أو مطبوعة تعرّف الآخرين بالمسلمين العلويين, فكما يبدو أن الكثيرين لا يعرفون عن العلويين شيئاً سوى ما يقدمه بعض المُشخصين والمخرجين الهزليين من ضحال الثقافة في الدراما السورية, وأسفاً عادة ما يأتي بطريقة مبتذلة فيها الكثير من الاحتقار والانتقاص من قدر العلويين, إضافة إلى الصورة النمطية المترسّخة في الأذهان عنهم, وهي بطبيعة الحال ليست صحيحة. مثلاً: ماذا يعرف الكثير من السوريين عن الفيلسوف أحمد قرفيص/العماد الغساني(برز في النصف الثاني من القرن السادس الهجري), أو الشاعر الصوفي الأمير حسن المكزون السنجاري أو المنتجب العاني وهلم جرا؟
5-يشارك في جلّ المناسبات الرسمية ممثلو الأديان والمذاهب في سوريا بصفتهم الرسمية عدا رجال الدين من أبناء الطائفة العلوية, فإنهم يذهبون ويشاركون بصفاتهم الشخصية, وأحياناً بحرج وصعوبة. ونعتقد أنه يحق لهذه الشريحة المجتمعية أن يكون لها رجال لاهوت يمثلونها في المناسبات الرسمية, وكلما دعت الحاجة إلى أي تمثيل, وهذا لا يُعيب أحد. وإذا ما توخينا الإنصاف, نقول: لابدّ أن يكون لهم فعلاً من يمثلّهم في المناسبات العامة والرسمية, شأنهم شأن باقي إخوانهم وشركائهم في الوطن.
6-النظر في شؤون الطائفة الرعوية والروحية, والعمل على تخليصها من بعض الشوائب, وأن يكون للمجلس الحق في تعيين شيوخ ورجال دين مؤهلين كي يأمّوا الناس في المساجد وفي صلاة الجنازة, والأخيرة تعتريها الكثير من الفضائح والفوضى التي نخجل من ذكرها في هذا المقام, وعادة ما يكون خلف تلك الفضائح بعض المشائخ "بتاع تلاتة مليم" أو من المهووسين بحب الظهور واستعراض "العضلات", وبدهي أن يتمادى بعضهم في ظل غياب مجلس يردع أو مرجعية تضبط وتمنع.
هذي عينة من ايجابيات نعتقد بوجودها من خلال توفر المجلس موضوع المقال, ويمكن أن نسهب أكثر في التعداد, غير أنّا نكتفي بهذا القدر.
وقد يقول قائل أو مغرض أو متفذلك: لِمَ الحديث عن المجلس والمطالبة به في هذا الوقت بالذات؟ من دون أن يتفضّل علينا ويفيدنا ذاك المتقول أو المتفذلك: متى يحين الوقت المناسب؟! وما الضرر في وجوده؟ مع معرفتنا وقناعتنا –نحن والكثير سوانا- بأن إيجابيات وجوده أكثر من سلبياته.
يكاد يتفق السوريون على أن أحد أهم عوامل الغنى في بلدهم كائنة في تنوعه الديمغرافي والإثني والديني.. الخ, وهذا صحيح. وعطفاً عليه نقول: إن أحد أسباب غنى الإسلام نجدها في تنوع مذاهبه وطرقه التي تشهد جميعها أن لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله, والقرآن كتابها..., من سُنّة وشيعة وإسماعيلية ودروز وعلويين ومرشديين.. , غير أن لكل منها خصوصيتها وقراءتها وفهمها للإسلام الذي ليس بالضرورة أن يتفق مع الآخرين, وأصولاً ليس مطلوباً من هذه الفرق أن تكون صور فوتوكوبي عن بعضها بعضا, فغنى سوريا الحضاري الراهن كائن في هذا التعدد والتنوع القائم على الائتلاف لا الخلاف, والالتفاف حول علم واحد ونشيد واحد لا على التنابذ. وبخصوص التعدد والتنوع, نعتقد أنه هو الطبيعي لاسيّما أن نهر الإسلام له أكثر من 1400 سنة, وصبّت فيه روافد عدة كما تفرّعت عنه سواقٍ كثيرة! وخصوصية الغير يجب أن تكون مصونة, من دون أن نغفل أننا قد نجد العشرات منها –أي الخصوصية- ضمن جدران البيت الواحد, من دون أن تؤثر على تلاحم العائلة وتماسكها.
يبقى أن نأمل من السيد وزير الأوقاف السوري المحترم, بما عُرف عنه من انفتاح وتحرر, ومن أصحاب العقول المرنة والمستنيرة في القيادة القطرية, أن ينظروا في هذا الأمر بما فيه خير البلاد والعباد.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - السلسلة عبارة عن مجموعة تراجم لبعض كبار رجال اللاهوت العلويين عبر التاريخ ابتداء من الشيخ علي الصويري وهو من أعلام القرن السابع الهجري, وانتهاء بالشيخ أحمد إسماعيل الرقمة 1909- 2009. وقد بدأ صدور السلسة عام 2009 عن شركة شاش في طرطوس, ويجدها القارئ في مكتبات الرصيف في دمشق.
[2] -في السنوات القليلة الماضية أنشأ علويو لبنان ما يشبه المجلس الروحي, وكان لديهم من قبل شبيهه. وبعض علويي تركيا لديهم مجالس رعوية وروحية خاصة بهم.
[3] -مع ملاحظة أن الكثير مما تقوم به الحكومة يستغرق عقوداً طويلة من الزمن حتى يُنجز, فمثلاً استغرق بناء مشفى بانياس الوطني قرابة ربع قرن حتى أنجز؛ في حين مشفى الشيخ بدر, يُقال أن بناءه تمّ منذ خمس
أبي حسن
المصدر: كلنا شركاء
التعليقات
الحق يقال
لست مع
العلمانية
الطائفية والطائفة
أنا علوي وأحب أولاد طائفتي
مجلس لتمثيل الطائفةأفترض أن
شعب واحدواسلام واحد
رد على ردشعب واحد واسلام واحد
لا للمذهبية. لا
الى عادل محفوض
الى السيد رأفت السقال
لاضير في وجود المجلس
مؤيد
المعاملة بالمثل
ليش لا؟
خجلتونا
الله يخليكم لا تعملوها و تبهدلونا
إضافة تعليق جديد