الحكومة البريطانية الجديدة و سياستها الشرق أوسطية

20-05-2010

الحكومة البريطانية الجديدة و سياستها الشرق أوسطية

الجمل: تعتبر بريطانيا من بين البلدان الأوروبية الغربية الأكثر تأثيرا في منطقة الشرق الأوسط, وذلك بسبب دورها التاريخي السابق إضافة إلى علاقاتها وروابطها الوثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية, وبعد الانتخابات البريطانية الأخيرة والتي أدت نتائجها إلى حدوث عملية تغيير كبيرة في معالم شكل الحكومة البريطانية, من المتوقع بالضرورة –على الأقل من الناحية النظرية- أن ينعكس هذا التغيير ليس على السياسة الداخلية البريطانية وحسب, وإنما على السياسة الخارجية البريطانية والتي من بينها سياسة بريطانية إزاء الشرق الأوسط.

الائتلاف السياسي البريطاني الحاكم: الطبيعة والخصوصية
أدت نتيجة الانتخابات العامة البريطانية الأخيرة إلى برلمان معلق بين ثلاث كتل حزبية سياسية رئيسية, هي حزب المحافظين بقيادة ديفيد كاميرون وحصل على 305 مقاعد, وحزب العمال بقيادة غوردون براون وحصل على 258 مقعدا, وحزب الديمقراطيين الأحرار بقيادة نيك كليغ وحصل على 57 مقعدا, وعلى هذه الخلفية فقد نجحت تفاهمات ديفيد كاميرون-نيك كليغ في تكوين كتلة المحافظين-الديمقراطيين الأحرار التي مثلت الأغلبية البرلمانية البريطانية بحجم 362 نائبا, وتأسيسا على ذلك فقد أصدرت ملكة بريطانيا توجيها إلى الزعيم ديفيد كاميرون صاحب الوزن الأكبر في كتلة الأغلبية الائتلافية البرلمانية بتشكيل الحكومة البريطانية الجديدة التي سوف تحل محل حكومة غوردون براون العمالية وبالفعل فقد تم تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة من الحزبين المكونين للائتلاف البرلماني الجديد, بحيث نال حزب الديمقراطيين الأحرار 5 مقاعد, ونال حزب المحافظين بقية المقاعد الوزارية البالغ عددها 18 مقعدا.
الائتلاف الحكومي البريطاني الجديد سوف يضطلع بالعويليام هاغيوديد من المهام الصعبة, وبرغم أن الأولوية سوف تكون للقضايا الداخلية المتعلقة بالاقتصاد والخدمات وما شابه ذلك من الاصلاحات الداخلية فإن السياسة الخارجية البريطانية سوف تكون لها أهميتها الخاصة بها والمتعلقة بمكانة بريطانيا كقوة كبرى ودولة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
منصب وزير الخارجية البريطاني كان من نصيب حزب المحافظين, وبالتالي فقد تم تعيين أحد كبار السياسيين في الحزب وهو ويليام جيفرسون هاغيو في منصب وزير الخارجية البريطاني, وتقول المعلومات بأنه تولى العديد من المناصب الحزبية والحكومية الهامة منها على سبيل المثال لا الحصر عضوية مجلس العموم البريطاني عن دائرة ريتشموند التابعة لمقاطعة يوركشير – منصب زعيم المعارضة لفترة أربع سنوات, من عام 1997 وحتى عام 2001, وقد صعد نجمه السياسي خلال فترة حكومة الزعيم جون ميجر حيث تولى في عام 1995 منصب وزير خارجية مقاطعة ويلز, وبعد هزيمة حزب المحافظين في انتخابات عام 1997 العامة فقد انتخبه الحزب ليكون زعيما لحزب المحافظين, واستمر يتزعم الحزب حتى استقال من قيادة الحزب بعد هزيمة انتخابات عام 2001 العامة التي فاز فيها حزب العمال مرة أخرى, هذا وتجدر الإشارة إلى أن تعيين ويليام هاغيو في منصب وزير الخارجية البريطاني كان مثيرا للاهتمام وذلك لأنه أول زعيم من المحافظين لا يصبح رئيسا للوزراء منذ عشرينات القرن الماضي, وبكلمات أخرى كل زعماء حزب المحافظين في هذه الفترة وجدوا الفرصة في تولي منصب رئيس الوزراء إلا ويليام هاغيو الذي حرمته انتصارات حزب العمال المتتالية السابقة من هذه الفرصة.
هذا ويعتبر ويليام هاغيو من الكتاب البريطانيين المختصين في كتابة السيرة الذاتية (البيوغرافيا) وقد صدر له كتابين في ذلك.
تم تشكيل الحكومة البريطانية الجديدة التي تولى فيها زعيم المحافظين ديفيد كاميرون منصب رئيس الوزراء البريطاني وتولى منصب نائب رئيس الوزراء نيك كليغ زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار. هذا وتشير المعلومات الجارية إلى أن المشكلة الرئيسية المطروحة على طاولة مجلس الوزراء البريطاني الجديد في تتمثل في كيفية الخروج من نفق الأزمة الاقتصادية إضافة إلى كيفية الخروج من مأزق ملفات الحرب الأميركية ضد الإرهاب التي تورطت فيها بريطانيا بسبب توجهات الحكومات العمالية السابقة, وما هو جدير بالاهتمام يتمثل في أن الحكومة الائتلافية الجديدة سوف تسعى إلى تحقيق ذلك, ولكن بشرط عدم إلحاق أي ضرر بالعلاقات البريطانية-الأميركية والتي توصف بأنها علاقة خاصة لا تتحمل الخلافات وتباين المواقف.بريطانيا

الحكومة البريطانية الجديدة: المأزق الشرق أوسطي
تميز الأداء السلوكي للسياسة الخارجية البريطانية الشرق أوسطية بازدواجية غريبة الأطوار, فمن جهة ظلت الحكومات البريطانية أكثر دعما وتأييدا للسياسة الخارجية الأميركية الشرق أوسطية, ومن جهة أخرى ظلت المعارضة البريطانية أكثر انتقادا لتوجهات السياسة الخارجية البريطانية الشرق أوسطية, وما هو جدير بالاهتمام هنا يتمثل في أن حكومات حزب المحافظين كانت على الدوام الأكثر تأييدا لأميركا في مواجهة معارضة حزب العمال لتلك التوجهات, ولكن عندما يتولى حزب العمال الحكومة فإنه يمضي في نفس توجهات الوقوف إلى جانب السياسة الخارجية الأميركية الشرق أوسطية, أما المعارضة التي يسيطر عليها  حزب المحافظين فإنها تسعى إلى انتقاد تلك التوجهات التي سبق أن انتهجتها حكومات المحافظين نفسها, وبكلمات أخرى تعاقبت حكومات حزب المحافظين وحزب العمال, وكانت المواقف البريطانية الرسمية إزاء الشرق الأوسط لا تبارح مكانها, ولكن بالنسبة للحكومة البريطانية الجديدة الحالية فإن الأمر قد يبدو مختلفا بعض الشيء وذلك لعدة أسباب من أبرزها:
• إن عملية صنع قرار السياسة البريطانية الشرق أوسطية وإن كانت في يد وزارة الخارجية البريطانية التي يسيطر عليها حزب المحافظين, فإن وجود حزب الديمقراطيين الأحرار –المطالب بإصلاح السياسة الخارجية البريطانية الشرق أوسطية-  في مجلس الوزراء سوف يشكل عاملا حاكما في عملية صنع قرار السياسة الخارجية البريطانية.
• شهد الرأي العام البريطاني عملية تحول واسعة بحيث لم يعد يهتم حصرا بأجندة السياسة الداخلية وإنما بأجندة السياسة الخارجية أيضا, وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بـ"علاقات عبر الأطلنطي" مع الولايات المتحدة وبـ"علاقات عبر المانش" مع بقية القارة الأوروبية, وأيضا بملفات الحرب ضد الإرهاب والتي تندرج فيها عمليات وجود القوات البريطانية في مسرح الحرب العراقية ومسرح الحرب الأفغانية.
• الدور المتعاظم للمنظمات غير الحكومية البريطانية المهتمة بملفات حقوق الإنسان والقضايا المتعلقة بالمساعدات الإنسانية والعدالة الجنائية وجرائم الحرب وما شابه ذلك من الجوانب والعوامل التي دفعت الرأي العام البريطاني إلى الانتباه للجرائم والانتهاكات الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط.
• ظهور المزيد من الزعماء البريطانيين المناهضين لإسرائيل, وأيضا المناهضين لمشروع الهيمنة الأميركية, والمعارضين بقدر كبير لتوجهات حكومة الزعيم العمالي توني بلير السابقة, ومن أبرز هؤلاء الزعماء الجدد نجد جورج غالوي وغيره من أصحاب الأصوات البريطانية المطالبة بإنقاذ بريطانيا من شبح التبعية والهيمنة المفروضة على لندن بواسطة محور واشنطن-تل أبيب.
صدرت الكثير من التحليلات السياسية التي حاولت استقراء مستقبل السياسة الخارجية البريطانية, وقد اتسمت هذه التحليلات بالعديد من تباين وجهات النظر إزاء برنامج عمل الدبلوماسية البريطانية ضمن أبعاده الأربعة المتمثلة في الآتي:
• التوجهات: من الصعب أن تسعى بريطانيا إلى تبني خيار "الانحياز الكامل" لأميركا, أو خيار "الانعزال الكامل" عن أميركا, أو خيار "الحياد المطلق", وبالتالي فإن الأكثر احتمالا هو أن تسعى الدبلوماسية البريطانية إلى تعميق التفاهمات مع واشنطن بما يشكل عامل ضغط جديد على مركز عملية صنع واتخاذ قرار السياسة الخارجية الأميركية الشرق أوسطية.
• الأهداف: أهداف الدبلوماسية البريطانية خلال الفترة القادمة واضحة كل الوضوح, فهي تتمثل في العمل من أجل تعزيز المصالح الاقتصادية البريطانية بما يعيد لبريطانيا العظمى مكانتها في الأنشطة المالية والتجارية الدولية, وتفعيل حركة التجارة الخارجية البريطانية عبر البحار وفي هذا الخصوص تعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق التي سوف تستهدفها الدبلوماسية البريطانية خلال الفترة القادمة, وعلى ما يبدو أن المصالح البريطانية في الشرق الأوسط سوف تواجه بعض العقبات بسبب تزايد وزن المصالح الأميركية في المنطقة, وفي هذا الخصوص من المتوقع أن تلجأ الدبلوماسية البريطانية إلى محاولة التوافق مع واشنطن بما يؤدي إلى انسجام مصالح محور لندن-واشنطن في منطقة الشرق الأوسط.
أما على أساس الاعتبارات الاستراتيجية فإن علاقات محور لندن-واشنطن سوف يتمثل الطابع المهيمن عليها في ملف علاقات عبر الأطلنطي, خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن بريطانيا قد ظلت تاريخيا بالنسبة لأميركا تلعب دور (إسرائيل أوروبا الغربية) وقد شهدنا هذا الدور طوال الفترات الماضية وعلى وجه الخصوص من خلال الدور البريطاني في مؤسسات الاتحاد الأوروبي, والدور البريطاني في حلف الناتو, والدور البريطاني في الخلافات الفرنسية الأميركية, وما شابه ذلك من الأدوار الكثيرة التي قامت بها لندن إلى الحد الذي أطلق فيه خبراء الشؤون الدولية على بريطانيا تسمية (حصان طروادة الأميركي) في القارة الأوروبية, وهو اللقب الذي استحقته بريطانيا ونفذه عن جدارة زعيمها العمالي السابق توني بلير.

 

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...