لمن تقرع طبول الحرب
الجمل: تشهد منطقة الشرق الأوسط, تصعيدا متزايدا, برزت معالمه وخطوطه الرئيسية من خلال التصريحات المتبادلة بين أطراف الصراع في منطقة شرق المتوسط, وبرغم أن الأداء السلوكي الخاص بأطراف الصراع لم يصل إلى مرحلة التعبئة المادية السلبية الفاعلة, فإن ما هو موجود حاليا يتمثل في عمليات التعبئة الرمزية السلبية الفاعلة, فما هي طبيعة هذه التعبئة, وما هي خطوطها؟
سيناريو التعبئة الرمزية السلبية الفاعلة: المنظور الإسرائيلي
نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية يوم الاثنين 15 شباط (فبراير) 2010م تحليلا أعده الخبير الإسرائيلي غابرييل سيبوني, حمل عنوان "سوريا لا تختلف عن حماس أو حزب الله", وما كان لافتا للنظر أن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب, قد قام في نفس الوقت بنشر هذا التحليل على موقعه الالكتروني, بما يؤكد لجهة تبني المعهد لوجهة النظر الواردة في التحليل.
تضمن تحليل الخبير الإسرائيلي غابرييل سيبوني النقاط الآتية:
• الاستناد على حديث وزير الخارجية السوري, الذي قال فيه للإسرائيليين بأنكم تعلمون أن الحرب هذه المرة سوف تصل إلى مدنكم.
• التأكيد على أن حديث وزير الخارجية السوري, هو اعتراف بأن الاستراتيجية السورية في الحرب المستقبلية سوف تقوم على استهداف المراكز السكانية الإسرائيلية.
• التأكيد على أن المدن الإسرائيلية سوف تشكل نقطة الضعف الإسرائيلي, لأن خصوم إسرائيل سوف يسعون إلى استغلال هذه النقطة.
• تعليق وزير الخارجية السوري يشير إلى أن أسلوب دمشق لن يختلف عن حزب الله أو حماس, وذلك برغم أن دمشق لم تسع حتى الآن إلى تحريك منصات الصواريخ إلى داخل المراكز السكانية كما فعل حزب الله, لجهة استخدام السكان كدرع بشري لحماية هذه المنصات.
• يتوجب على إسرائيل إطلاق تحذير بما يشمل سائر أنحاء العالم, يوضح بأن دمشق تسعى إلى مخالفة قوانين الحرب.
• يتوجب على إسرائيل, أن ترد على هذا النوع من الخطر السوري, وذلك من أجل تحقيق الردع وعدم السماح بحدوث هذا الخطر.
• يتوجب على إسرائيل, العمل من أجل مكافحة التداعيات الأخلاقية والقانونية المتعلقة "بمكافحة إسرائيل" للخطر السوري.
• في حالة التهديد الذي يواجه إسرائيل من جانب حزب الله وحركة حماس, فإن الموقف يبدو أكثر تعقيدا, فقد تم مؤخرا عقد مؤتمر في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي, من أجل تحديد الأساليب التي يمكن أن تستخدمها القوات الإسرائيلية في المواجهة المستقبلية مع حزب الله.
• شدد المؤتمر على حقيقة أن حزب الله يضع منظوماته التسليحية في قرى جنوب لبنان.
• إذا فتح حزب الله اللبناني نيرانه لجهة استهداف المدنيين الإسرائيليين, فإن الأسلوب الذي نفذته إسرائيل في حرب لبنان الثانية, سوف يركز هذه المرة على اتباع الآتي: طالما انه سيتم استهداف كل ما يلحق ضررا بالمدنيين الإسرائيليين بشكل فوري, فإن إسرائيل سوف تسعى إلى تحذير المدنيين الإسرائيليين من أجل منطقة الحرب, وذلك لحماية نفسهم, وبعد أن يتم إصدار التحذير, فإنه سوف يكون هناك مجالا لشن هجوم إسرائيلي واسع ضد أهداف حزب الله الموجودة في مناطق حشد قدراته.
• يوجد فرق بين "الحرب العادية" التي يقبل فيها الخصم الالتزام بقوانين الحرب, و "الحرب غير العادية" التي لا يقبل فيها الخصم الالتزام بقوانين الحرب.
• خلال حرب لبنان الثانية (صيف عام 2006م), وعملية الرصاص المسكوب (ضد قطاع غزة), لم يلتزم الخصم بقوانين الحرب, برغم أن إسرائيل كانت ملتزمة بها.
• يمكن لإسرائيل أن تعلن, بأنه بسبب عدم وجود التزام متبادل لجهة الالتزام بقوانين الحرب, فإنها سوف تنتهج مذهبيتها الأخلاقية الخاصة بها, والتي سوف تأخذ في الحسبان المبادئ الأخلاقية الخاصة بمذهبية الحرب العادلة, والتي تتضمن أن يحافظ كل طرف على قوانين الحرب, مع إمكانية القيام بانتهاج إجراءاته الضرورية في حالة عدم وجود الالتزام المتبادل بقوانين الحرب.
• قامت أميركا بتعميم مبادئ مذهبية الحرب الأميركية في أفغانستان, ومن الممكن, والمفيد أن تعمم إسرائيل مذهبية الجيش الإسرائيلي الأخلاقية.
• الأساليب والوسائل المشار إليها يمكن أن تساعد في تشكيل أسس هذه المذهبية الإسرائيلية, ولما كان تطبيق ذلك سيكون غير كاف, فإن على إسرائيل الاعلان عن ماهية هذه المبادئ, وأن تتأكد إسرائيل بأن هذه المبادئ تتطابق مع مبادئ مذهبية الولايات المتحدة الأميركية والبلدان الديموقراطية الأخرى.
• نشر وتعميم المبادئ المذهبية, يجب أن تعقبه حملة علاقات عامة, في إسرائيل وفي سائر أنحاء العالم, بما يؤدي إلى نزع الشرعية عن أساليب الخصوم, وتحسين الفهم الدولي لأساليب الجيش الإسرائيلي التي استخدمها في عملية الرصاص المسكوب ضد قطاع غزة, ويعزز قوة الردع, ويساعد في تأخير حدوث المواجهات المستقبلية, ويجعل الخصوم ينظرون بشكل جاد للثمن الذي سوف يدفعونه في حالة حدوث مثل هذه المواجهة.
سيناريو التعبئة الرمزية السلبية الفاعلة: منظور اللوبي الإسرائيلي
سارعت دوائر اللوبي الإسرائيلي إلى المشاركة و الإسهام في سيناريو التعبئة الرمزية السلبية الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط, وكان خبراء اللوبي الإسرائيلي البريطاني الأكثر اهتماما عن نظرائهم خبراء اللوبي الإسرائيلي الأميركي المشغولين بملفات إيران-أفغانستان-العراق-اليمن, وفي هذا الخصوص فقد نشر اللوبي الإسرائيلي البريطاني ورقة بحثية مختصرة تطرقت لجهة تفسير ما أطلقت عليه تسمية حرب الكلمات السورية-الإسرائيلية, هذا, ويمكن الإشارة إلى النقاط الرئيسية الواردة في الورقة على النحو الآتي:
• سعت إٍسرائيل في خطوتها لجهة نقل استعدادها وجاهزيتها لخيار السلام, مع ملاحظة أن لا يتم تفسير ذلك, بما يتجاوز الخطوط الأمنية.
• يعتقد العديد من الموجودين في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بأن التوصل إلى صفقة سلام مع سوريا, يمكن أن يبعد دمشق عن طهران, وبالتالي, يوجد تأييد كبير في أوساط المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لإعادة تجديد المفاوضات مع سوريا.
• تزايد إدراك المسئولين الإسرائيليين إزاء دور دمشق في تعزيز قدرات حزب الله, الأمر الذي أدى إلى تصاعد التوترات الأخيرة.
• نجحت سوريا خلال العام الماضي في تقليل عزلتها الدبلوماسية, دون أن تضطر إلى تقديم أي تنازلات, وقد أدى ذلك إلى تعزيز موقف دمشق.
تطرقت ورقة اللوبي الإسرائيلي البريطاني إلى شرح هذه النقاط بإسهاب أكثر, وبعد ذلك, خلصت الورقة إلى استنتاج عام, تشير إلى فحواه ضمن النقاط الآتية:
• نجحت سوريا بمهارة فائقة في تفادي التورط في أي مواجهة عسكرية طوال الفترة الممتدة من عام 1973 وحتى الآن.
• توجد مخاوف بان النجاح النسبي الذي حققته دمشق لجهة إحياء وتعزيز موقفها الدبلوماسي دون تكبد تقديم أي تنازلات, هو نجاح يمكن أن يعزز ثقة دمشق أكثر فأكثر بما يمكن أن يرفع مخاطر الصراع.
• اندلاع مواجهة حزب الله-إسرائيل, يمكن أن يشكل عاملا مساعدا لسيناريو الصراع الذي يتضمن مخاطر وجود القوات الإسرائيلية بالقرب من الحدود السورية-اللبنانية.
عند المفاضلة بين مضمون ورقة المنظور الإسرائيلي التي أعدها غابرييل سيبوني, ومضمون ورقة منظور اللوبي الإسرائيلي البريطاني, نلاحظ وجود قدر من توزيع الأدوار بين الطرفين, بحيث ركز المنظور الإسرائيلي على ملف مذهبية المواجهة العسكرية, وركز منظور اللوبي الإسرائيلي على ملف مذهبية المواجهة الدبلوماسية, وبالتالي, وبرغم الفرق والتباين الشكلي, فإن جوهر مضمون الورقتين, يمثل في نهاية الأمر شيئا واحدا: شن عملية نفسية إسرائيلية واسعة النطاق, بما يتيح لإسرائيل تحقيق المزيد من الأهداف النوعية الجديدة, والتي يمكن أن يتمثل أبرزها هذه المرة في الآتي:
• خلق إدراك وانطباع دولي عام بأنه لا يوجد فرق بين سوريا وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية.
• خلق إدراك عام في أوساط الأميركيين والأوروبيين بأن سوريا قد نجحت في إحراز المكاسب الدبلوماسية دون أن تقدم أي تنازلات مقابل هذه المكاسب.
وتأسيسا على ذلك, يمكن أن نفهم بوضوح من خلال المقارنة التحليلية بين الأداء السلوكي الجاري حاليا لحملة بناء الذرائع الإسرائيلية, والأداء السلوكي الميداني الإسرائيلي, بأن إسرائيل لن تستطيع أن تتجرأ على إشعال الحرب مرة أخرى, وإن كانت تل أبيب سوف تظل أكثر سعيا لجهة البحث عن وسيلة لإشعال هذه الحرب, ولكن دون خسائر, وهي الخسائر التي لن تستطيع هذه المرة تفاديها.وبالتالي, فإنه وإن كان الهدف الإسرائيلي البعيد هو المواجهة, فإن الهدف الإسرائيلي القريب يتمثل في إقناع الأميركيين بعدم جدوى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في هذا الوقت, طالما أن سوريا مازالت تدعم حزب الله, وحركة حماس, وأنه لا فرق بين سوريا وحزب الله أو حركة حماس, طالما أن سوريا قد أكدت بأن استهداف المناطق المدنية الإسرائيلية وارد, وبالتالي فإذا كانت أميركا تنظر لحزب الله وحركة حماس باعتبارهما حركات إرهابية طالما أنهما يستهدفان السكان المدنيين, فلماذا العلاقات مع سوريا, ولماذا عودة السفير الأميركي لسوريا, طالما أن سوريا ظلت قادرة على تحقيق المكاسب الدبلوماسية دون مقابل أو تقديم التنازلات, وطالما أن وزير خارجية سوريا قد هدد الإسرائيليين هذه المرة بأن الحرب سوف تصل إلى مدنهم, وما تجدر الإشارة إليه, يتمثل في أن التحليل الإسرائيلي وتحليل اللوبي الإسرائيلي البريطاني, قد تم التسويق لهما في وقت متزامن مع زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى الخليج, وزيارة برونز ثالث أكبر دبلوماسي في الخارجية الأميركية للعاصمة السورية دمشق, واقتراب موعد وصول السفير الأميركي الجديد للسفارة الأميركية في سوريا!!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد