الأسواق الشعبية سعر رخيص وجودة ضائعة
لا يوجد أمام المواطنين، ذوي الدخل المحدود، سوى تلك الأسواق التي يطلق عليها «الأسواق الشعبية»، كي يشتروا منها ألبستهم وحاجاتهم الضرورية، وبأسعار رمزية بسيطة تناسب دخلهم المحدود، ولكن مع الارتفاع الحاصل في الأسعار داخل الأسواق أيضاً؛ ارتفعت أسعار تلك الأسواق، وذلك على الرغم من أنّ البضاعة الموجودة داخلها لم يطرأ عليها أيّ تغيير، إلا أنّها لا بدّ من أن تلحق موجة ارتفاع الأسعار.
من المعروف أنّ الأسواق الشعبية كانت تتميّز ببضاعة جيّدة إلى حد ما، ورخيصة، لذلك تلقى إقبالاً واسعاً وكبيراً من ذوي الدخل المحدود، الذين لا تسمح أوضاعهم المادية بالشراء من الأسواق العادية والنظامية.
وبعض الأسواق الشعبية توجد في مناطق عشوائية وغير نظامية، لكنّ الذي يحصل داخل تلك الأسواق في الوقت الحالي هو أنّ أسعارها ارتفعت من دون مبرّر، على الرغم من بقاء جودتها على ما هي عليه، أو إذا ما قلنا أسوأ، فـ «الكنزة»، التي يكون سعرها في السوق النظامي 1000 و 1500 ليرة سورية، يهبط ثمنها إلى 800 و 500 ليرة سورية، وهذا المثل ينطبق على جميع البضاعة المعروضة في السوق.
لم تعد الأسواق الشعبية الآن هي نفسها كما كانت عليه من قبل، إذ أصبحت تجارية همّها الربح، شأنها شأن الأسواق الأخرى، فالجودة التي كانت تتمتع بها تناسب سعرها سابقاً، أمّا الآن، فكفتا الميزان غير متساويتين؛ فالسعر ارتفع، بينما الجودة بقيت ثابتة، أو حتى هبطت إلى الأسفل، من دون أدنى رقابة، أو حتى تنظيمٍ للأسعار داخلها.
فسوق «البالة»، على سبيل المثال، من الأسواق الشعبية، التي تتميز ببيعها الأشياء المستعملة، وبأسعار مناسبة ورخيصة، وذات جودة جيّدة إلى حدٍّ ما، كونها بضاعة أجنبية مستوردة، فسعر «الكنزة» في سوق «البالة» يصل حتى 100 أو 150 ليرة سورية فقط، وسعر «السترة» المصنوعة من القطن 100 ل.س، والسترة المصنوعة من الجلد الأصلي 200 ليرة سورية، وقس على المنوال نفسه، فالأسعار في سوق «البالة» لا تتعدى 200 ليرة سورية، حيث من الممكن أن تشتري أكثر من خمس كنزات بـ 1000 ليرة سورية، وبالسعر نفسه لـ»كنزة» واحدة في السوق العادي.
إلى جانب سوق «البالة» هناك الأسواق التي تقع في مناطق المخالفات، كسوق المخيم، وجرمانا، ودويلعة، وتلك المناطق التي يعتبر فيها إيجار المحل مناسباً مكان المحل والمنطقة الموجود فيها، وكل تلك العوامل تدخل في تحديد سعر القطعة، فبنطال الجينز، الذي لا يقلّ سعره عن 1800 و 2000 ليرة سورية في الأسواق العادية، نراه مسعّراً بـ 1000، وأحياناً بـ 1200 ليرة سورية في محلّ في منطقة مخالفة.
في النهاية، إنّ هذه الأسواق وجدت لكي تريح مواطني الدخل المحدود، من خلال أسعارها المقبولة، إلى جانب أنّها توفّر له تقريباً جميع احتياجاته، لكنّ تلك الأسعار في تلك الأسواق، ما لبثت أن ارتفعت ولحقت بموجة الارتفاع الحاصلة في الأسواق النظامية على أساس أنّ من حقّ الجميع استغلال تلك الفرصة لزيادة أرباحهم، ذلك أنّهم يعلمون أنّ أسعارهم لو ارتفعت ستبقى أرخص من الأسعار الأخرى، بالإضافة إلى ثقتهم بأنّ زبائنهم لا تنقص جرّاء ارتفاع الأسعار، لأنّهم - الزبائن - يعلمون أيضاً أنّه لا يوجد إلا السوق الشعبي ليشتروا منه احتياجاتهم.
لكن ما يجب أن يسلط الضوء عليه في هذه الأسواق هو الجودة، التي نادراً ما تتمتّع بها البضاعة المعروضة فيه، والسبب أنّه يجب أن تكون تكلفة إنتاج القطعة مناسبة لسعرها، فمن المستحيل أن يكون سعر بنطال قماش 800 ليرة سورية، بينما هو يكلّف أكثر من ذلك.
فمن جهة الأسواق العادية بأسعارها المرتفعة وجودتها العالية، ومن جهة أخرى الأسواق الشعبية ذات السعر المناسب والجودة السيئة، والمواطن أو المستهلك يبقى أسير هذه المعادلة، فما الحل ؟.
ما زال حتى الآن، وعلى الرغم من الجهد الذي تبذله وزارة الاقتصاد، وخاصة مديرية الأسعار، في إصدارها تقرير الأسعار التأشيري لأغلب السلع الغذائية والمواد الأخرى، إلا أنّ التجار أو المنتجين لا يبذلون جهدهم في قراءته، أو حتى إلقاء نظرة سريعة عليه، على اعتبار أنّ أسعارهم خارج هذا التقرير.
حيث يعتبرون أنّ ساحة السوق مفتوحة على مصراعيها أمامهم كي يسودوا ويمرحوا بأسعارهم كما يحلو لهم، وليس هناك من ضابط أو حتى رادع، سواء كان رقابياً أم أخلاقياً.
ليس هذا الكلام تنظيرياً، بل هو من صميم الواقع الذي نعيشه، عند نزولنا إلى الأسواق كي نشتري.
والمضحك المبكي في هذا الموضوع أنّ المواطن ليس لديه أدنى علمٍ بأنّ هناك تقريراً للأسعار على التجار أن يأخذوه في الاعتبار أثناء وضعهم سعر السلعة التي يبيعونها.
وممّا يزيد الطين بلّة أنّ القائمون على وضع هذا التقرير ليس لديهم معرفة بالأسعار التي يضعها أغلب التجار على منتجاتهم أو سلعهم، لأنهم، وببساطة، يكتبون الأسعار وهم جالسون وراء مكاتبهم، فلا يكلفون أنفسهم عناء التجول في السوق، لرؤية تلك الفوضى وأساليب الغش والتلاعب بالأسعار.
ومع ذلك فإنّهم دائماً يتذرّعون بأنّهم يضبطون الأسواق، وليس هناك مخالفات على الإطلاق.
والسؤال الذي نطرحه على المكلّفين بالرقابة: ألا تعانون مثل باقي المواطنين والمستهلكين جرّاء الأسعار المرتفعة؟!
ماريشا زهر
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد