عندما يصبح الغدر مكافأةً كبرى
التضحية والإيثار صفتان ملازمتان للمرأة بشكل عام- وإن كان هناك استثناءات فهي قليلة- وانطلاقاً من ذلك فإن الكثير من النساء( عازبات أو متزوجات) يؤثرن محيطهن الأسري وربما الاجتماعي على أنفسهن بما يعزز تلك الروابط ليكنَّ مثالاً يُحتذى، مما يستدعي في أبسط الأحوال ردّ هذه التضحية بما يكافئها.
وكما هو معروف فإن التربية الأسرية تعزز هذا الصفات لدى الأنثى باعتبارها الحلقة الأضعف في التراتبية الأسرية والاجتماعية، وعليها أن تقدّم كل ما لديها لأجل الآخرين ولاسيما الذكر في محيط الأسرة والعائلة، لذا فقد أصبحت تلك السمات من خصائص شخصيتها تلقائياً لاسيما عندما تصبح أُمّاً حيث يكون عمرها وجهدها هبة للجميع.
وكثيرة هي القصص والوقائع التي تحكي عن نسوة ضحيّن بكل ما يملكن لأجل الأبناء والزوج والأخوة والأبوين، وفي حالات ليست بقليلة كان المقابل نكراناً وجحوداً غير إنسانيين.
ومعروف في وقتنا الراهن أن غالبية الشباب يبحثون عن زوجة موظفة كي تساعد في تحمل مسؤوليات تأسيس الأسرة واحتياجاتها على مر الأيام..
آمال واحدة من أولئك الفتيات اللواتي طرزن حلم الزواج وتأسيس أسرة وأطفال بنجمات يشعُّ نورها كما أحلامهن الزاهية المنسابة انسياب قوس قزح...
آمال ممرضة بإحدى المشافي الحكومية بريف حماه أرادت لأحلامها أن تحيا وترفرف في سماء حياتها، اقترنت بشاب موظف بسيط أيضاً وتعاهدا على أن يؤسسا خليتهما الزوجية كما يؤسس النحل مملكته بشراكة لا متناهية الأبعاد إذ لا فرق بين ما تجنيه وتملكه وما يجنيه هو طالما أن النتيجة هي لصالح أسرتهما الصغيرة.
لم تفكّر يوماً أن تمتلك قيوداً وسجلات وفواتير تثبت أن هذه الأشياء أو التجهيزات هي من دفع ثمنها من تعبها أولاً ومن عمرها وفرحها بأنها تحقق أحلاماً وأفكار آمنت بها باعتبارها شريك حقيقي لزوجها رافضةً أن تكون تابعاً ومستهلكاً لتعبه...
اقترضت من المصرف لتساعد في بناء بيت الأسرة، اشتركت بالجمعيات التي تنشئها زميلاتها في العمل، اقتصدت في مصروفها الشخصي الذي تلاشى أمام مسؤوليات جسام يتطلبها مشروعهما – امتلاك بيت- وراحت تؤسس معه لكل ركن من أركانه يرافقها أطفالها بزقزقاتهم كعصافير تسعد لبناء عشها...
لكن القدر والزوج كانا لها بالمرصاد، أرادا أن يغتالا أحلامهما وآمالها واستقرارها بعد تعبٍ مضنٍ استهلك أجمل سني عمرها وشبابها. فقد بدأت المشاكل تنمو في تلك الأسرة الجميلة دون مبررات مقنعة لما يُقدم عليه الزوج من ثورات وغضب يطال كل شيء وصل حدّ إخراجها من بيتها خالية الوفاض إلاّ بما يستر جسدها المنهك، حتى أطفالها تنكروا لها بإيحاء من الأب وأهله. صرخت بأعلى الصوت: هذا تعبي وهذه أحلامي أنا من صنعها وبناها طوبة طوبة.. وهؤلاء أبناء روحي وقلبي سهرت عليهم حتى شبوا عن الطوق، هل من المعقول أن تكون هذه هي مكافأتي على عمرٍ أفنيته في تأسيس مملكتي التي كنت أحلم بها منذ طفولتي..؟
ولكن لا حياة لمن تنادي، لأنها لا تملك ما يُثبت ملكيتها ولو لممسحة البيت في ظل قانون جافٍ جامد لا يؤمن إلاّ بالمعطيات الملموسة والحسية، بأوراق ثبوتية لم تفكر يوماً أن تمتلكها لأنها تبني بيتها هي لا بيت الجيران، هي مع من وهبته روحها وأحلامها والذي لم يكن ليخطر في بالها أن يغدر بها يوماً، أو أن يتنكر لأحلامهما ولما تعاهدا عليه.
وخرجت من جنتها كما خرج آدم والخطيئة متشبثة بها كونها لم تحفظ حقها عبر وثائق أو فواتير أو ما شابه، حالها حال الكثيرات اللواتي يؤمنَّ أن التشاركية في الحياة الزوجية هي من أولى وأسس هذه الحياة بعيداً عن مجرد التفكير بالغدر والخيانة...
آمال اليوم شبه مهزوزة، أو لنقل شبه مجنونة لأن عقلها لم يستوعب ما جرى لاسيما تنكّر أولادها لها، صارت إنسانة موتورة وغير متوازنة لا في تصرفاتها ولا في حياتها كافة.
إننا وانطلاقاً مما أصاب آمال وسواها من نساء يعملن خارج البيت، ولا يُحتسب عملهن وراتبهن بأنه من ركائز ودعائم تكوين الأسرة طالما لا إثباتات مادية يملكنها، نطالب بقانون أسرة عصري يكفل لأولئك النسوة حقهن دون اللجوء للمحاكم وسواها، قانون ينصفهن طالما الغدر قائم من قبل بعض الأزواج بدل مكافأتهن على تضحياتهن وتحملهن مسؤوليات الزواج والأمومة والأسرة بامتياز.
فهل هناك من يسمع أنين آمال ورفيقاتها في ذات المصير..؟ هل هناك من ينصفهن من ظلم ذوي القربى الذي هو أشد وأمرُّ ظلماً...؟؟؟
إيمان أحمد ونوس
المصدر: الثرى
إضافة تعليق جديد