نبيل المالح: الثقـافـة في المـرآب

08-04-2009

نبيل المالح: الثقـافـة في المـرآب

الجمل - نبـيل المــالح: أسعدنـي منذ سنـوات قليلة الاستـمـاع إلى فكـرة أطلقـهـا مسـؤول ثـقـافي كـبـير بـأنـه في صدد إطـلاق قـنـاة فضـائيـة ثـقـافيـة بحيث تــقدم للعـالم العـربـي صـورة الفن والثـقـافـة والإبـداع والتــاريخ في سـورية، خـاصـة بعـد أن تحـقـقت خـطـوات هـامـة في مختـلف مجـالات الفن والإبـداع ، كـالدرامـا التلفـزيـونـيـة المتـقـدمـة والمسـرحـيـات والنشـر، إضـافــة إلى الأفـلام السينمـائيـة التي قـد لا يشـاهـدهـا الجـمـهـور، ولكنهـا تـذهب إلى المهرجـانـات الدوليـة تـرافـقـهـا وفـود، قـد لا يـكـون أفـرادهـا مـمـن لـه عـلاقـة بهــذه الأفـلام، أو موظفون يقبضون رواتبهم من هـنـا بالرغم من إقامتهم في بلد آخر ، ولكنهـم يـرفـعـون رأس بـلادنـا عـاليـا .
لقــد بــدت الفـكـرة واضحة ، منطـقـيـة وقـريـبـة المـنـال ، ولكن شـهـورا مـرّت ولـم أســمـع عـن لجنــة مـا مكلفــة بدراسـة عـن شـكل القنـاة وبـرامجـهـا وكـادرهـا وتوجهـاتهـا وتـمـويلهـا، وذلك ربمـا لأنـنـي لست مـوظـفـا في وزارة الثـقـافـة لأعـرف مـا يجـري مـن استعدادات لهـذا الحـدث ،  خـاصـة وأنـه في الحـين نـفسـه ، كـانت هـنـالك تحضيرات نشـطـة لإطـلاق قـنـاة الدرامـا، وأحسـسنـا بالغبطـة للتـنـافس الإيجـابـي الذي سيحـدثـه وجود قـنـاتـين تـبثـان نـفس المـواد تـقـريـبـا .
تـعـاظـمـت سـعـادتي عـنـدمـا عـلمت بـأن المؤسـسة العامـة للسينمـا قـد اشتـرت سـيـارة نـقـل خـارجي لصالح وزارة الثقـافـة بأكثـر من مائـة مليون ليرة لنـقل الأحـداث الثقـافيـة مـن شـرق وغـرب الوطـن، وفهـمـت آنـذاك أن خـطـوة عمليـة قـد اتخـذت ولـم يـبق إلا إنـشـاء القنـاة الثـقـافيـة المشتهـاة، إذ مـا المـانع من شـراء الحصـان حتى قبل أن نـعـرف شـكل العـربــة...!
طـبعـا، وبعد شـهـور، لـم يكن هنـالك من أخـبـار سـوى مـا يتـنـاقلـه المغـرضـون هـمـسـا، بأن المقصـود كـان شـراء سيارة النقل وليس إنـشـاء القـنـاة، وأن المستـفيد الوحـيـد مـن العمليـة هـم الوكـلاء ووكلائهم أيضا الذين قبضـوا عـمـولاتـهـم، وهـذه مـزاعـم أرفض مـجـرد التفكيـر فيـها، وخـاصـة عـنـدمـا يضـيفـون إليهـا بعض البهـارات كالقـول بأن أجهـزة التصوير وملحقـاتهـا في السيارة هـي مـن جيل سـابق، وأن قيمتهـا الفعليـة الآن أقل من قيمتهـا عـنـد شـرائـهـا بكثير .
طبعـا، وبالرغم من أنـني لا أستطيع أن أغـفل الجـهـود المبذولـة في سبيل جمع بضعة مـلايـين عـبـر حـمـلات التبـرعـات لصـالح أطفـال غـزة والأطفـال المصـابين بالسـرطـان وذوي الاحـتـيـاجـات الخـاصـة ومحاولات تـأمين فـرص عـمل لآلاف العاطلين عن العمل، وقـرى وأحياء تصـرخ من أجل إصـلاح الصـرف الصحي، ونفق البرامكـة الأبدي الانـتظـار، فإنني مصـرّ على أن الثـقـافــة هـامـة مثل أي شـأن عـام آخــر، وبـذا أعطـيت الحق لصـاحب القـرار في صـرف المـال العام عـلى السيارة المذكـورة .
الأمـر الوحيــد الذي يـؤلمـنـي هـو أن هــذه القنــاة المشتهـاة لـم تــر النــور، بينـمـا تـقـبـع سـيـارة النـقـل الخـارجي مـنـذ أكثـر من عــام مثـل أي قطـعـة خـردة ثمنهـا عـشـرات المـلايـين في مـرآب دار الأسـد للثقـافـة والفنــون . وهـكـذا خسـرنـا القنـاة والسيارة وربح الوكلاء وارتــاحـوا، وأصبحـت الثـقـافـة في المـرآب.

 

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...