السفر قاسم مشترك بين الشباب السوريين
تدخل إلى صفحة «الماسنجر» على شبكة الانترنت، وتحدد حالتها بأنها «مشغولة». فهي الآن في العمل حيث يمنع إضاعة الوقت على الانترنت، إلا أن نورا (24 سنة) التي تعمل محررة أخبار في صحيفة محلية، تنتهز استراحة وقت الغداء التي لا تزيد عن نصف ساعة، لتستعمل الانترنت لأسباب شخصية غير استخداماته في العمل.
خلال نصف ساعة أو أقل، وبينما هي تتناول «سندويشتها» تفتح بريدها الشخصي، وتحادث أصدقاءها من خلال الماسنجر، والأهم من ذلك كله بالنسبة إليها، تبحث يومياً عن معلومة جديدة قد تنشرها المواقع الالكترونية المعنية بشؤون الهجرة.
تهنئ «نورا» أصدقاءها بالعيد وبالسنة الجديدة، وتعتذر لمن لم تسعفها فاتورة هاتفها النقال بأن ترسل إليه رسالة نصية تتمنى له فيها «سعادة زائفة». تطغى على كلماتها التي تكتبها بأحرف ملونة نزعة السخرية حيناً، واليأس من ظروف عملها الصعبة أحياناً أخرى.
يسأل الأصدقاء نورا عن أمنيتها في مطلع العام الجديد، فتبادر بالقول وكأن الإجابة حاضرة في كل وقت: «أتمنى أن أسافر من هذا البلد في أقرب وقت ممكن». تبدو إجابتها نسخة مكررة عن إجابات شريحة واسعة من شباب سوريين ضاقوا ذرعاً بواقع لا يلبي طموحهم في بلدهم، ولا ينفكون يعبرون في كل مناسبة عن رغبتهم بالسفر إلى بلدان أخرى.
وتتوزع دوافع سفر الشباب بين العمل والدراسة في أغلب الأحيان، وتتأرجح النوايا بين عقد عمل لعامين من الاغتراب يثمر ثمن شقة معقولة وسيارة صغيرة، أو سنوات معدودة للحصول على شهادة عليا، وصولاً إلى الهجرة مدى الحياة. وفي مطلق الأحوال تنسلخ أمنيات العام الجديد عن موطنهم، لتدور في نطاق «تأشيرة خروج»، وقد يسأل سائل إلى أين؟ وتقفز الإجابة «إلى أي مكان غير هنا!».
ثم يضاف بعدها تفاصيل لا تعبر عن آرائهم بقدر ما تعبر عن واقعهم مثل « مكان يؤمن لي دخلاً جيداً» أو «بلد لا أختنق فيه بالزحام وأصل متأخراً كل يوم» أو حتى « بقعة من أرض الله الواسعة أتنشق فيها جرعة حقيقية من الحرية» و «أي مكان يحترمني ويقدر إمكاناتي».
تلك مقتطفات من عبارات تتردد بكثرة في أحاديث الشباب تبدأ بمقولة باتت شائعة « لن أعيش مرتين... من حقي البحث عن حياة مريحة». وعلى رغم عدم توافر إحصائية رسمية تعبر عن عدد الشباب الذين يغادرون سوريا سنوياً، من الواضح أن عشرات الشباب يحتشدون يومياً على أبواب السفارات، بينما المئات منهم يعكفون على تقديم طلب عمل في شركات توظيف تدعي أنها تؤمن عملاًً في دول الخليج، وفي الوقت نفسه يداوم آخرون على متابعة مواقع الشبكة العنكبوتية، التي تفتح آفاق الهجرة لتجعلها حلماً يتملك الشباب، والأمر لا يتوقف فقط على السوريين، إذ خلص تقرير الأمم المتحدة حول شباب العالم الصادر في أواخر 2007، الى أن العالم العربي هو المنطقة الوحيدة في العالم التي تشهد أعلى معدلات البطالة، إذ لا تتعدى نسبة العمالة في أوساط الشباب العرب الـ29.7 في المائة، أي بمعدل عامل واحد مقابل ثلاثة بلا عمل.
ويخلص التقرير إلى أن الهجرة، قد تكون الخيار الوحيد، تفادياً للبطالة والفقر بخاصة في البلدان النامية، علماً أن الشباب الأكثر كفاءة علمياً ومهنياً، يشكلون غالبية المهاجرين ويعملون في ظروف صعبة وفي مهن وضيعة ويتلقون أجورا متدنية ويستسلمون إلى كونهم «في أسفل درجات سلم العمالة».
وينبه التقرير إلى أنه إذا لم يتم التعاطي مع قضايا الشباب بجدية، فإن المعادلة قد تنقلب إلى مسار مأسوي، إذ يصنف التقرير الهجرة بأنها «معضلة محبطة لآمال الشباب واستقرارهم». في المقابل تبدو سياسات الدول العربية بخصوص الشباب تعمل وفق مقولة «الله يبعدهم ويسعدهم»، لتظل نورا وأمثالها يترقبون أي معلومة جديدة قد تظهر في مطلع أي عام جديد تدعو إلى الهجرة إلى ما وراء البحار، لعل الأحلام هناك تأتي بألوان مختلفة.
لينا الجودي
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد