علاقة تهميش متبادل بين المواطن السوري ووسائل إعلامه
الجمل ـ حسان عمر القالش: يسهب "علي" الشاب الطرطوسي المقيم في الشام للعمل في حديثه الهاتفي مع والده في طرطوس, يلخّص له الأخبار المحلية البحتة للبلاد..ينتقي له أبرزها وأدسمها ليجمعها في باقة معلومات يزيـّنها بأسلوبه في العرض, فيحدثه بداية عن الحدث الأخير الذي تم في المنتدى الاجتماعي والذي جرى فيه نقاش هام وحيوي لهموم الصحافة السورية الخاصة والالكترونية.." ايـه" يعلق السيد الوالد, ويكمل الابن بأخبار ارتفاع الأسعار وماسمعه من الناس وردة فعل الحكومة عليها..و.." ايه" أخرى يعلق بها الوالد, يتابع الابن النبيه كلامه بسرد آرائه في أخباره المحلية ونقده لعمل الحكومة..وستأتي " ايـه" جديدة من الوالد الذي لم تظهر على نبرة صوته أو انتظام أنفاسه أي ردة فعل, ليبدأ هو جولة "خبرياته" :..لا تفوت نشرة أخبار نيو تي هذه الليلة..اسمع ماقاله النائب – اللبناني - فلان عن فلان..وكيف رد عليه الرئيس الفلاني, ثم تلميح الوزير العلتاني لزميله من الفريق الآذاري الآخر وتهكمه عليه.."...هكذا الى أن يختفي الصوت الأبوي المنفعل ليبقى صداه في أذن ابنه..
"لقد كنت أكلم نفسي ولا شك" هذا تعليق علي, فلقد تعجّب من والده المثقف الوطني كيف أنه لم يبال بخبريات ابنه الوافية عن أحوال البلد..ان عدم مبالاته بحسب "فرويد" هي عدم مبالاة لاشعورية, فالرجل في حدودتنا السابقة بالتأكيد لم يتقصّد أن لا يهتم لأخبار البلد وهو ما يؤكده ابنه, لكنه "مأخوذ بأخبار لبنان..فهي مسلية ومشوقة "..فحال عمنا أبا علي كحال كثيرين من السوريين الذين لا يلاحقون "الخبر الطازج" الخاص بوطنهم "داخليا", فأخبار البلاد الاقتصادية مثلا يصدمون بها على أرض الواقع.."لايف" عندما يمرون بدكـّان جارهم ويجدون سعر صحن البيض "يا ويلي..مو طبيعي",ويفاجئون بأن سعر كيلو المسبّـحة – الحمص الناعم – 70ليرة هذه الأكلة التي قد تكون أكثر أصناف الأطعمة شعبية واستهلاكا, أو عندما يذهبون الى سوق الخضار ولا يجدون الخضرة والفاكهة التي تبهر الأعين بنضارتها وجودتها.."أين ذهبت؟"..كثيرين من السوريين لا يستعملوا تقنية الـ"آب ديت" أي التجديد اليومي لمعلوماتهم "المحلية"..
"في عندنا أخبار محلية على القناة الأولى في التلفزيون" تقول سمر, "لكن كيف يشاهدها الناس وتوقيتها المسائي في وقت تطغى فيه الكآبة على نفوس البشر ولا يطيقون حتى أنفسهم فيه..ثم ما هذه الأخبار.؟.. الأمور أندر كونترول أي المشاكل ستحل..هذا هو خطابهم الإخباري..!!"..أبو الأيهم الرجل السبعيني والذي عمل في التجارة طيلة حياته قال :" يريدون أن يلهوا الناس بأخبار لبنان حتى التي لا تتعلق بنا..هذا هو إعلام الرفاق..". فهل نستغرب أو "نــتـعود" مثلا عدم سماع بلال وهمام وريم بخبر هدم سوق القرماني بدمشق القديمة؟ والجدل الذي أعقب هذا الحدث, وأنه كان ممكنا أن يطير اسم عاصمة بلادهم عن لائحة التراث العالمي لليونسكو.. هكذا..على غفلة منهم. أو أن يقال عن عدم سماعهم بشيء اسمه "سوق القرماني" بالأساس بأنه "جريمة" ثقافية أو اعلامية؟!!
سألنا زين ونضال, أحدهما خريج جامعي يستعد لـ"رحلة العمر وقمة المبتغى" على مقاعد الوظيفة الحكومية والآخر في سنته الجامعية الأخيرة و"مو مطوّل" الى أن يلحق بصاحبه, سألناهم اذا كانوا يعرفون الاسم الحركي لاقتصاد بلدهم أو ماذا تسميه الحكومة؟ فلم يعرفا!! ولم تظهر على وجهيهما علامة اندهاش والأقسى من ذلك والأمـرّ منه أنهما لم يسألا ماذا يعني اقتصاد السوق الاجتماعي.. وهل صحيح أنه سـيـزيد غنى والفقير فقرا؟..مع أنهما يفصفصان لك السياسة الاقتصادية اللبنانية كما يفصفصون البزر مع المـتـّة في سهرات الليل الصبّاحية.
قد يكون من أهم الأسباب في تنافر استقطاب الاعلامين السوري واللبناني هو "تفاعلية" الاعلام اللبناني ومقدرته على جـذب المتـلـقّـي أو الجمهور, بل ربما قدرته النسبيـّة على "استمزاج" الشارع والناس, من هنا مثلا قد يأتي تفسير إقبال الشارع السوري منذ ما يقارب العامين على شراء وتصفح جريدة "الديار" اللبنانية – أصبحت تطبع في سوريا أيضا - , هي التي اتخذت موقفا سياسيا يدافع عن مظلومية سوريا في ما أمسى يسمى "المسألة اللبنانية", وعرضت موقفها هذا بنفس تقنيات "الجــذب والتفاعلية" الإعلامية اللبنانية, و اذا لن نستغرب كيف استغفل أيمن – صاحب سوبرماركت جاره وباع نسخة "الديار" الأخيرة الباقية عنده لزبون آخر يوصي عليها يوميا مفضلاً إياه على الجار.
ونعود إلى سمر لنذكر كيف سخـرت من محاولات مذيعي الأخبار المسائية استجواب واستفزاز المسئولين "الإداريين" الذين يتصلون بهم أثناء النشرة, وأن "هذه العروض لا تقنعها". من هنا تتـرسـب هذه الصور مجتمعة ومرة جديدة في ما سمعناه ورأيناه أثناء ندوة الصحافة الخاصة التي جرت في المنتدى الاجتماعي, وبشكل خاص "الـهـوّة" بين ما هو خاص أو بالتعبير الأدق المستقل وبين الرسمي في إعلام السوريين..المحتاجين لإعلام يحترم وعيهم ويزيده وبقدرات دفعهم الذاتية.
الجمل
إضافة تعليق جديد