سلطان باشا الأطرش: سٍفر النضال

20-04-2015

سلطان باشا الأطرش: سٍفر النضال

يحشد المخرج السوري غسان شميط في فيلمه «الباشا» («المؤسسة العامة للسينما»، إنتاج العام 2013 / 65 د.) كلّ أدوات صناعة الفيلم الوثائقيّ عن شخصيّة تبدو هي الأقرب اليوم لضمير السوريين. بعد أكثر من أربع سنوات من حرب طالت جوهر العيش الأهلي للبلاد، تستعاد سيرة الأمير سلطان باشا الأطرش كأوّل شخصية وطنيّة نادت بعلمانيّة الثورة السورية الكبرى، ضدّ سلطة الانتداب الفرنسي التي أرادت تقسيم سوريا على أساس طائفي ومذهبي.
قدّم الشريط في عرضه الأوّل قبل أيّام، في صالة «المركز الثقافي العربي» في السويداء بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لعيد الجلاء، ومن المرتقب أن يعرض تلفزيونياً على شاشة «الفضائيّة السوريّة» قريباً. يستعين العمل برواة وشعراء شعبيين وقوالين وأحفاد الأطرش، ليستعرض تاريخاً طويلاً من النضال الوطني بزغت فيه شخصية «الباشا» كمحرّك أساس لثورة الفلاحين في الريف السوري. يفتتح العمل بتحرير سلطان باشا لدمشق من الاحتلال العثماني، ورفعه علم الحكومة العربية الأولى في عهد الملك فيصل بن الحسين العام 1918، بعد معارك ضارية خاضها ثوّار الجبل مع الحامية العثمانيّة في منطقة الكسوة قرب دمشق، منهين بذلك فترة استعمار امتدت لأربعة قرون.(ملصق العمل)
تركز المادة الفيلمية على سياق تطور الصراع الدولي في المنطقة بين الأتراك وألمانيا من جهة، وبين الحلفاء ووعودهم للعرب باستقلال انتهى إلى اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة بين بريطانيا وفرنسا من جهة أخرى. ينتقل بعدها إلى دخول قوات الانتداب الفرنسي إلى دمشق بعد معركة ميسلون في تمّوز العام 1924، لتنطلق الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش العام 1925، بعد بيانه الشهير «إلى السلاح إلى السلاح». ذلك النداء وحّد انتفاضات الشعب السوري في الساحل ومدن الشمال ودمشق وجبل العرب والجزيرة السورية، مفتتحاً عصراً جديداً من حياة السوريين بعبارة الأطرش الشهيرة «الدين لله والوطن للجميع»، جامعاً انتفاضات الشيخ صالح العلي في جبال اللاذقية، مع انتفاضة إبراهيم هنانو في جبل الزاوية، وحسن الخراط في غوطة دمشق.
يقترب الشريط بمادّته الأرشيفيّة من معارك الكفر والمزرعة التي خاضها الأطرش ورجاله تلك الأيام، ورفض زعيم الجبل الخضوع لرغبة الفرنسيين بتأسيس كيانات طائفية على أساس الدين. يروي كلّ من ثائر الأطرش وريم الأطرش حفيدي الباشا مقتطفات من سِفر النضال الذي قاده جدهما على محاولات التفريق الطائفي الذي قامت به حكومة المندوب السامي، وصولاً إلى انتصارات قتل فيها عشرات آلاف الجنود والضبّاط الفرنسيين على أيدي الثوار.
كما يستند فيلم الباشا الى الرواة والقاصّين الشعبيين من مثل الشاعرين يحيى القنطار وصالح عرابي، مازجاً بذلك بين المادة البصرية وشهادات حية ممن جايلوا عصر الثورة السورية الكبرى، إضافةً لشهادات تمّ تدوينها من وجهاء وأعيان الجبل، وعلى رأسهم الشيخ حكمت الهجري شيخ العقل الأول، وكلّ من حمود الحناوي، ويوسف جربوع، والكاهن إسبر سابا، والمحامي ماجد الأطرش، والمدرس نسيب الأطرش، والباحث التاريخي إبراهيم جوديه، ورئيس جامعة العاديات في السويداء محمد طربيه، ورئيس اتحاد كتاب السويداء الكاتب فايز عز الدين.
الفيلم الذي تمّ تصويره في بيئة جبل العرب أراده مخرجه الفنان غسان شميط بمثابة وثيقة عن مرحلة. يقول لـ «السفير»: «أردنا تقديم وثيقة عن نضال جميع فئات الشعب السوري الذي كان الباشا رمزاً وطنياً لها، بوعيه الوطني المبكر، ورفضه لأي خطاب ينضوي على تشتيت كلمة أبناء الوطن، وربما لتذكير السوريين بتاريخ ليس بعيدا عنهم في ظلّ الحرب الدائرة في كل أرجاء بلادهم، وضرورة استلهام هذا التاريخ المشرف وأدبياته المشرقة التي جعلتهم على قلب رجل واحد».
الفيلم يتكئ أيضاً على لغة مونتاجية تترك للأحداث التعبير عن سيرها التاريخي، وبإدارة تصوير لافتة لوائل عز الدين وفق موسيقى تصويرية وضعها سعدو الذيب، جعلت من السرد البصري أداةً فاعلة في تحقيق لغة بصريّة محايدة وفعّالة دمجت بين التراثي والسياسي والوطني، مبتعدةً عن لغة التقرير، ومقاربة بذلك البيئة الشعبية والقيمية لظهور شخصية «الباشا»، في قلب زلازل مهدت وقتها لنشوء الإقطاعات السياسية الراهنة، والتي تبدو اليوم أكثر هشاشة في ظلّ علو النبرات المذهبيّة والطائفيّة.

سامر محمد اسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...