لماذا أطلقت الإيباك مصطلح (المعتدلين العرب)
الجمل: لا يهتم الكثير من الباحثين والمحللين، بالتمييز بين الفلسفة السياسية، والعلوم السياسية، وقد أدت عملية التمييز هذه إلى الخلط الناتج عن غياب الفواصل المنهجية الابستمولوجية المعرفية.
الفلسفة السياسية هي علم معياري يهتم بدراسة القوانين والمبادئ العامة، التي تحكم حركية العقل السياسي التجريدي، وما تؤدي إليه من مفاهيم مثل: دولة، سلطة، سياسة، حكم، وما شابه ذلك.
أما العلوم السياسية، في علم سلوكي يدرس طبيعة الأداء السلوكي السياسي مقوماً ومعايراً بالخيارات والبدائل المتاحة أمام دوائر صنع واتخاذ القرار.
التطور السياسي، أدى إلى تنوع وتعدد المواقف والمذاهب والاتجاهات السياسية، وقد استلزم التعبير عن ذلك استخدام جملة من الأوصاف التي تختزل وتختزن الموقف السياسي، ضمن صورة نمطية موحدة، بحيث أصبحت هناك العديد من التسميات المستخدمة، ذات الدلالة النمطية في البنية السياسية: رأسمالي، اشتراكي، تقدمي، رجعي، علماني، ديني، يساري، يميني.
ولما كانت عملية رسم الحدود والخطوط الفاصلة بين كل زوج متقابل من هذه المصطلحات، فقد برزت وتزايدت بقدر كبير ظاهرة استخدام المصطلحات الذرائعية البراغماتية، التي تحاول اللعب على الجانبين، عن طريق البقاء في الوسط، أو إمساك العصا من الوسط.
بعد أن أصبح الجميع يفهم ما هو المفعول باليمين وباليسار، برز مفهوم الوسط، ثم برز مفهوم يمين الوسط ويسار الوسط. كذلك ضمن اليمين، برز مفهوم يمين متطرف ويمين معتدل.. وضمن مفهوم اليسار برز مفهوم يسار متطرف ويسار معتدل.
وإزاء هذا التعدد الاصطلاحي والدلالي، نحاول القيام بقدر الإمكان، القيام بعملية تنظير لاستطلاع واستكشاف دلالة مصطلح: المعتدلين العرب.
الخلفيات التاريخية:
احتجز حزب الله اللبناني الجنود الإسرائيليين، وذلك بعد تمادي الحكومة الإسرائيلية في الاعتداء على السكان الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وإصرارها على الاحتفاظ بالأسرى المدنيين اللبنانيين، وعلى عدم الانسحاب من مزارع شبعا، إضافة إلى مواصلة تحليقات الطيران الجوي الإسرائيلي الاستفزازية. وقد استغلت الحكومة الإسرائيلية المدعومة أمريكياً هذا الموقف واتخذته ذريعة لشن الحرب العدوانية، وذلك من أجل تحقيق العديد من الأهداف المعلنة، وغير المعلنة.
خطط الإسرائيليون والأمريكيون لتنفيذ أهداف خلال فترة أسبوع واحد على الأكثر، ولكن بعد استمرار العمليات العسكرية العدوانية لفترة خمسة أسابيع، بدا واضحاً أن إسرائيل قد انهزمت تماماً أمام مقاتلي حزب الله، ومن أبرز المؤشرات الدالة على هزيمة إسرائيل.
• عسكرياً: عدم قدرة القوات الإسرائيلية على فرض سيطرتها على أي جزء من جنوب لبنان، كذلك لم يتم تنفيذ أي من الأهداف الإسرائيلية العسكرية المعلنة مثل: إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين ونزع سلاح حزب الله، وإقامة منطقة عازلة... وغير ذلك.
• سياسياً: عدم وجود أي طرف دولي داعم لإسرائيل، حتى الحكومة الأمريكية نفسها كانت تحاول تفادي تأييد العدوان الإسرائيلي بطريقة واضحة.
خلال فورة الصراع المسلح بين حزب الله والقوات الإسرائيلية برزت حركة استقطاب كبيرة في البلدان العربية:
- على المستوى الشعبي: كل فئات الشارع العربي اتخذت موقفاً مؤيداً لحزب الله، واندلعت المظاهرات المؤيدة للمقاومة والمنددة بالعدوان الإسرائيلي في كل المدن العربية.
- على المستوى الرسمي: برزت حالة من الانقسام الواضح إلى معسكرين:
* معسكر المؤيدين للمقاومة.
* معسكر غير المؤيدين للمقاومة.
مواقف معسكر غير المؤيدين للمقاومة كما اتضح لاحقاً، هي مواقف تمت البرمجة والتهيئة لها من البداية، وذلك عبر اجتماعات شرم الشيخ، واجتماع العقبة الذي ضم رؤساء ومدراء مخابرات قوى هذا المعسكر تحت إشراف العاهل الأردني الملك عبد الله.
وحتى يتم التمويه والتغطية على حقيقة الانقسام العربي، قامت الإدارة الأمريكية مدعومة بمراكز الأبحاث والدراسات التابعة للإيباك، باستخدام مصطلح (المعتدلين العرب)، ومن ثم، فقياساً على المقابلة بين أطروحة مضمون مصطلح (المعتدلين العرب) ونقيض هذه الأطروحة، يمكن القول أن الهدف الإسرائيلي- الأمريكي يتمثل في الآتي:
• الإيحاء بوجود (متطرفين عرب) و(مذعنين عرب)، ومن ثم فإن هؤلاء (المعتدلين العرب) ليسوا من نوع المتطرفين الذين يندفعون باتجاه المخاطر، وأيضاً ليسوا من نوع المذعنين أو المستسلمين يوافقون على كل الإملاءات الإسرائيلية- الأمريكية.
• استخدام الضغط من أجل زيادة عناصر المعسكر بحيث يضم الحكومات والقوى والأطراف السياسية العربية المتوافقة مع الأجندة الأمريكية والإملاءات الإسرائيلية.
• استخدام آليات الضغط غير السياسية من أجل الدفع عبر هذا المعسكر باتجاه تعميق الانقسام في الشارع العربي، ومن أبرز الأمثلة الدالة على ذلك، عملية صدور الفتاوى الدينية من بعض الشيوخ الوهابيين السعوديين وموقفها المناهض لمقاومة حزب الله ضد القوات الإسرائيلية.
• إن حركية تجمع معسكر المعتدلين العرب، تبدو أكثر وضوحاً إذا تم تصورها ضمن المخطط الاستراتيجي الحركي الثلاث المستويات الذي يبدأ من الإطار الهيكلي المؤسساتي، ويمر عبر الإطار القيمي، وينتهي عند الإطار التفاعلي:
- على المستوى الهيكلي المؤسساتي: يضم تحالف المعتدلين العرب كل الدول العربية المرتبطة باتفاقيات ومعاهدات سلام مع إسرائيل مثل: مصر والأردن، إضافة على الأطراف السياسية الأخرى المرتبطة باتفاقيات مع إسرائيل كحركة فتح. كذلك يضم هذا المعسكر الدول الواقعة تحت مظلة الهيمنة الأمريكية المباشرة، مثل: السعودية والكويت.
- على المستوى القيمي: نسق القيم الذي يتقيد به ويعمل وفقاً له تحالف المعتدلين العرب، هو السلام مع إسرائيل، والقبول بأجندة الشرق الأوسط الجديد كأمر واقع ضروري، إضافة إلى تلبية كل مستلزمات ومتطلبات السياسة الخارجية الأمريكية.
- على المستوى التفاعلي: يهدف هذا التحالف إلى عزل سوريا، وإيران، والمقاومة اللبنانية والفلسطينية، وأيضاً المقاومة العراقية في نهاية الأمر.. والقبول كأمر واقع بعملية التعايش ضمن شرق أوسط جديد تسيطر عليه إسرائيل.
وأخيراً نقول: إن تداعيات عملية استخدام مصطلح (تحالف المعتدلين) سوف لن يؤثر كثيراً على الشارع العربي المعاصر، والذي أصبح أكثر إدراكاً لحقيقة المخططات الأمريكية- الإسرائيلية وطبيعة مسمياتها المضللة، ولن تستمر عملية استخدام هذا المصطلح، فعلى الأغلب أن ينفض سامر هذا التحالف، وتقوم إسرائيل وأمريكا باختيار تسمية جديدة، تشكل اللافتة والعنوان المناسب الذي يتم تجميع حكومات مصر والأردن وتونس والمغرب وحركة فتح تحته.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد