هجوم اللاذقية بين تأكيد إسرائيل ونفيها والتسريب الأميركي
رفض المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي العميد يؤآف مردخاي تأكيد أو نفي التقارير الغربية عن وقوف إسرائيل خلف تفجيرات مخزن سلاح سوري في اللاذقية الأسبوع الماضي. ويأتي هذا الرفض بعد أيام قليلة من مبادرة وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال موشي يعلون لإنكار مهاجمة إسرائيل أهدافا في اللاذقية. لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية تعاملت بتوسع مع التقارير الغربية التي أكدت، استناداً إلى مصادر أميركية، قيام إسرائيل بمهاجمة مخازن ومواقع صواريخ أرض - بحر الروسية المتطورة من طراز «ياخونت».
وفي إطار التعليق على ما نشرته شبكة «سي ان ان» الأميركية من أن إسرائيل هي التي هاجمت المخازن العسكرية السورية في محيط اللاذقية، وإعلان صحيفة «صاندي تايمز» البريطانية أن غواصة «دولفين» هي التي نفذت الغارة، قال مردخاي إن إسرائيل لا تنفي ولا تؤكد التقارير. وأضاف «انني أتمعن في ما اتهمونا به الشهر الأخير بتفجيرات دمشق، وتفجيرات في حلب، وسيارة ملغومة في بيروت ومخزن تفجر في اللاذقية، بل بأسماك قرش مع أجهزة تجسس وصلت إلى شاطئ غزة».
وأشار مردخاي إلى وجوب «ألا نقفز للتعليق على كل تقرير في وسائل إعلام دولية. فهي هناك لا تنسب لأحد. وأنا لا أعرف من يقف خلفها. كل ما أعلمه أن الجيش الإسرائيلي يواصل حماية أمن الدولة والدفاع عن حدودها، وهو أقل اهتماماً بما يحدث داخل سوريا بين المتمردين والحكومة وتدخل حزب الله داخل سوريا. إننا نراقب أكثر، ونتأكد من ألا ينزلق شيء باتجاه سكان دولة إسرائيل».
وكانت التقارير الأميركية أشارت إلى أن الغارة أسفرت عن تدمير حوالي 50 صاروخ «ياخونت». وبحسب شبكة «سي ان ان»، فإنها اعتمدت في تقريرها على ثلاثة مصادر مختلفة، أكدت أن إسرائيل تقف خلف هذه الغارة التي نفذت بطائرات حربية. وعلى الفور عرضت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي ما قالت إنها صور للموقع المستهدف قبل وبعد الإغارة الإسرائيلية. وبعد ذلك نشرت صحيفة «صاندي تايمز» المعروفة بمصادرها الاستخبارية خصوصاً من إسرائيل أن الغارة على محيط اللاذقية نفذت بغواصة إسرائيلية ألمانية الصنع من طراز «دولفين».
وبينت القناة الثانية الإسرائيلية أن الغارة وقعت على مخازن سلاح البحرية السوري قرب قرية السامية على طريق الحفة. وأشارت إلى أنه نشرت صور لمستودع ضخم في المجمع البحري هذا في السابع من تموز الحالي أي بعد الغارة، حيث كانت رافعات تعمل على إخلاء المستودع بعد تدميره. كذلك تظهر الصور أن الغارة استهدفت أيضاً ملاجئ يقدر عددها بالعشرين. وأوضح التقرير الإسرائيلي أن الغارة قد تكون استهدفت أيضاً قاعدة غواصات بحرية سورية تحوي أيضاً مخازن لصواريخ «ياخونت».
وعلى الفور أثار الانتباه التضارب بين إنكار وزير الدفاع الإسرائيلي ضلوع إسرائيل بالتفجيرات في اللاذقية ورفض المتحدث باسم الجيش التأكيد أو النفي. وبدا نوع من الانتقاد لأميركا تجلى في كتابات عدد من المعلقين العسكريين المعروفين بقربهم من قيادة الجيش. فهذه هي المرة الثالثة التي تبادر فيها جهات أميركية إلى إعلان الدور الإسرائيلي في تفجيرات جرت في سوريا.
وأشارت صحف إسرائيلية إلى أن المسؤولين الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين اشتكوا إلى نظرائهم الأميركيين من تسريب تقارير كهذه قد تقود إلى اندلاع حرب في المنطقة. وتحدث المعلقون عن أن هناك نوعا من «مؤامرة الصمت» تفيد بأن إسرائيل تعمل ولا تعلن وسوريا لا ترد. وعندما كسرت دائرة الصمت هذه في الغارات، التي استهدفت دمشق، صدر تهديد سوري صريح بأن الجيش السوري لن يلتزم عدم الرد في المرة التالية.
وهكذا نشأ ما يمكن تسميته رفعاً لدرجة التهديد السوري بالرد، واجهته إسرائيل بالإعلان عن أنها ستصر على ما اعتبرته خطوطاً حمرا، أهمها عدم نقل أو وقوع أسلحة متطورة في أيدي جهات متطرفة.
غير أن نظرية الفعل الإسرائيلية انطلقت في العامين الأخيرين من فرضية أن النظام السوري المنشغل في معركة حياة أو موت ليس مضطراً لتوريط نفسه في حرب مع إسرائيل. وهذا ما دفع معلقين إسرائيليين إلى الإشارة إلى تأكيد مصادر رسمية سورية أن إسرائيل ليست هي المسؤولة عن سلسلة التفجيرات في محيط اللاذقية. ولهذا السبب يعتقد خبراء أن إسرائيل تحاول استغلال الظروف الراهنة لتجريد النظام والجيش السوري من عدد من مكونات القوة البالغة الأهمية من وجهة نظر إسرائيل. وبين هذه المكونات صواريخ «ياخونت»، التي تشكل الخطر الأكبر ليس فقط على السفن الحربية الإسرائيلية وإنما أيضاً على منصات الغاز في عرض البحر المتوسط، والتي صارت تعتبر من أهم المنشآت الإستراتيجية للدولة العبرية.
وفي كل حال إذا صحت الأنباء عن وقوف إسرائيل خلف هذه التفجيرات قرب اللاذقية، فإن الأمر ليس موجها فقط ضد النظام السوري، وإنما ينطوي أيضاً على رسالة خصوصاً إلى روسيا. وهناك من يعتقد أن أمراً كهذا لا يمكن أن تأخذه إسرائيل فقط على عاتقها، وأنها لا بد أن تشرك به الولايات المتحدة على الأقل ودولاً أخرى.
ومع ذلك ثمة في إسرائيل من يؤمن بأن مبادرة أميركا لتسريب أنباء الغارات الإسرائيلية تنطوي على احتمالين: الأول أن أميركا لا تريد غارات أخرى وبالتالي تضع قيوداً على إسرائيل، والثاني أن تظهر للعالم أنها على علم مسبق بالغارات الإسرائيلية وهي تغطيها. وقد يكون الاحتمال الثاني أكثر ترجيحاً.
وكانت وسائل الإعلام قد أشارت إلى تفجيرات كبيرة وقعت في عدة مخازن للسلاح في محيط اللاذقية في الخامس من الشهر الحالي. وأكدت أوساط سورية أنه بالإضافة إلى الأضرار المادية، وقعت خسائر بشرية.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد