مذكرات من شارع دمشق

01-11-2012

مذكرات من شارع دمشق

غالبا ما تكون رحلة النصف ساعة من الحدود اللبنانية عند نقطة المصنع باتجاه دمشق محبّبة على الطريق الدولي الواسع والمعبّد، عبورا ببعض التلال التي غالبا ما ترعى عليها قطعان الأغنام والماعز ناظرة من أعلى إلى السيارات العابرة. وإذ رأيت بعض هذه القطعان في اليوم التالي لدى سفري إلى دمشق، لاحظت أن هناك عددا كبيرا من الرعاة الذين كانوا يرعون قطعان الماشية تلك على التلال. وبالنظر مجددا، ما لبث الرعاة أن أصبحوا جنودا يحدّقون بالطريق الدولي من وراء تلك الحيوانات.

أما الأمن المشدّد في دمشق، فقد أتى بمئات الشباب واللجان الشعبية ومراقبي الأحياء على اختلاف أنواعهم، وقد يخالهم المرء أنهم أفراد وكالات أمنية تتراوح أعمارهم بين العشرينات ومنتصف العمر، حرفيا، للتحكم بمئات نقاط التفتيش وسط دمشق وضواحيها. وقد تظهر هذه النقاط في بعض الأحيان وكأنها لا تبعد سوى 20 متراً عن بعضها البعض.

أما اليوم، فتعتبر دمشق هادئة باستثناء بعض الأحياء كحي التضامن، والقدم، والعسلي، التي تشهد بين الحين والآخر اشتباكات منفصلة والتي كانت محط نقاش بعض الأصدقاء خلال الأيام الماضية. وكما حصل في ليبيا الصيف الماضي، فإن بعض التقارير الصحفية لا تنقل بدقة الوقائع الحاصلة في المنطقة وتعتبرها على حافة الهاوية وتصف مواطنيها بالمذعورين. وقد سهرت في تلك الليلة حتى الواحدة ليلا مع عدد من الأصدقاء في مطعم في المدينة القديمة، وبعد ذلك جُلنا حول المدينة ووجدنا بعض المقاهي ما تزال مفتوحة، علما أنها بحسب بعض السكان المحليين كانت تبقى مفتوحة لوقت أطول قبل بدء الأزمة.

وثمة عدد من التدابير الأمنية المشددة المفروضة حول عدد من المباني الحكومية ومنها الجدران الإسمنتية المنتصبة فضلا عن إغلاق بعض الشوارع المجاورة ما سبب مشاكل سير وزحمة.

والسوريون ما يزالون جدّيين جدا بشأن الأمن. وقد خاطبني أحد المسؤولين الحكوميين بالتالي: "إذا أراد أحدهم أن يقوم بتفجير إنتحاري فسيكون من الصعب علينا إيقافه. ولكننا نبذل ما بوسعنا ونقوم بالكثير من الدوريات السيّارة العشوائية".

وتجربة نقطة التفتيش هنا ليست كتلك التي في لبنان حيث يقترب السائق نحو الجندي ويقول له "كيفك حبيبي؟"، فيومئ الجندي بيده للسائق كي يواصل سيره. وبخلاف ذلك، تُجرى على نقاط التفتيش السورية تدابير ذات تقنية عالية لاكتشاف الأسلحة والمواد المتفجرة، كما ويتم تفتيش السيارات من الأسفل في معظم الأحيان. ويتم أيضا استخدام مكتشفات المعادن لتفتيش المباني الحكومية القريبة وبعض الشوارع التي يوجد فيها منازل أو مكاتب لبعض المسؤولين رفيعي المستوى.

وقد خضعت لتجربة مكتشف المعادن اليوم الماضي بوجود حوالى ستة رجال أمن. فلدى مروري في جهاز المطار لكشف المعادن، وبعد تفريغ جيوبي من جميع المحتويات المعدنية والهاتف الخلوي، بقي الجهاز يصدر إنذارا عاليا. وطُلب مني أن أمرّ مجددا، فتكررت النتيجة، ثم جاء بعد ذلك ثلاثة رجال وبيد أحدهم جهاز يدوي أحدث من ذلك الجهاز الأول، ولكنه أيضا أصدر إنذارا.
وأخيرا اكتشف الجهاز مصدر المشكلة.

فلقد زرعت مؤخرا جهازا لتنظيم ضربات القلب وهو مزروع بعمق بعض السنتيمترات داخل صدري. وفجأة تذكرت أن طبيبي في بيروت كان قد منعني من المرور داخل هذه الأجهزة أو التعرض للأجهزة اليدوية لأن جهاز تنظيم ضربات القلب يتعرض حينها لمشاكل كهربائية.

ولكن الآوان قد فات لأخذ هذا التحذير بعين الإعتبار. ففتحت قميصي وأشرت إلى النتوء البارز في صدري وقلت له "بطارية". ولكن كلامي لم يكن مفهوما بالنسبة إليهم، فصوّب اثنان منهما سلاحي الكلاشينكوف وتفاقمت الأمور. وبعد ذلك علمت أنهم كانوا شبه متأكدين بأنني أحد الإنتحاريين الذين يلحقون الكوارث بدمشق، وأن الجهاز كان قنبلة ما أثار انفعالهم.

وقد نشر الموضوع فرد في متوسط العمر كان على ما يبدو أنه قائد المجموعة. فعندما اقترب إليّ، وكنت رافعا يداي، قلت له: "بطارية، بطارية، دكتور". فحدّق بصدري وقال: "يللا، بطارية، قلب، نعم؟ آه، لقلبك أليس كذلك؟". وبعد القليل من النقاش والتدقيق في جواز سفري وتأشيرة دخولي، أكملت طريقي. وفي اليوم التالي كتبت لي شابة تعمل في مكتب علاقات الضيوف في الفندق الذي أقيم فيهبطاقة باللغة العربية سجّلت فيها أنني أضع جهازا لتنظيم دقات القلب، في حال اضطررت لإبرازها مرة أخرى لدى وجود الأجهزة الكاشفة للمعادن. وطالما أن أحدا لن يخبر طبيبتي في مركز بيروت للقلب التابع لحزب الله، لن تصرخ بوجهي خلال موعدي المقبل.

العقوبات كأسلحة عشوائية بوجه غير المقاتلين

تتم مناقشة شرعية العقوبات الغربية المفروضة على سوريا وإيران في جامعة دمشق وبين عدد من مسؤولي المنظمات غير الحكومية هنا. ويمكن الإقتناع بأن نوع العقوبات المفروضة على سوريا وإيران غير شرعي بحسب القانون العرفي الدولي، ويجب حظرها بحسب الميثاق الدولي كما تم عند حظر القنابل العنقودية عام 2008. وهذا لأن العقوبات سياسية ومن الواضح أنها لا تهدف لتغيير النظام. وهي عشوائية بشكل أساسي، تستهدف المدنيين العزل وتهددهم، وبالأخص الفقراء والشباب والشيوخ والعاجزين.

أما المزاعم الأميركية الأوروبية فتقول إن تكثيف العقوبات لا يستهدف إلا قائد النظام وسياساته. ولكن هذا غير ذي معنى. فكما حصل في العراق حيث نظمت الولايات المتحدة العقوبات لتكون سببا رئيسيا لوفاة حوالى 500 ألف شخص، فإن المتأثرين هنا الآن هم ليسوا المسؤولين الحكوميين.

والعقوبات المنظمة لتُطبق في كل من سوريا وإيران تنتهك أيضا الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أن جميع الدول الأعضاء يجب أن تمتنع في علاقاتها الدولية عن تهديد الكيان الإقليمي والإستقلال السياسي لأي دولة أو استخدام القوة معها، أو بأي شكل من الأشكال التي تتنافى وأهداف الأمم المتحدة.

وفي نقاش مع شريحة من المواطنين الدمشقيين، ومنهم البائعون ورجال الدين في متجر وسط دمشق، بالإضافة إلى عدد من الطلاب، يكفي للمرء أن يبني تصورا لا بأس به كيف أن العقوبات الغربية تؤثر على العائلات هنا.

وكانت صحافية سورية تقدمية تعمل مع إحدى المنظمات الأميركية غير الحكومية، وتنتقد حكومة الأسد ومجموعات الثوار على حد سواء، قد شاركت بتحليل حول الوضع الراهن في دمشق إزاء العقوبات الغربية قائلةً:

"أعتقد أن للعقوبات المفروضة على بلدنا تأثيرا ضخما على الأزمة الراهنة. فمعدلات الأسعار قد ارتفعت حتى 40% على الأقل، وبالأخص على المواد الإستهلاكية والأطعمة الأساسية كاللحوم والحليب والخبز والخضار والفاكهة. وقد تضاعفت أسعار الدجاج والبيض ولم تعد متوفرة في بعض المحال الصغيرة. أما محطات الوقود فتطول فيها صفوف المنتظرين في بعض أطراف دمشق. وقد دفعت العقوبات بالكثيرين لإغلاق مصانعهم في دمشق وحلب بسبب عدم توفر المواد الخام وارتفاع أسعارها بشكل حلزوني. ابنتي تعمل في شركة للإكسسوارات المنزلية، وهذه الشركة بحاجة لاستيراد المواد من تركيا. وأصبحت الملابس أكثر كلفة لأن البضائع التركية لا تدخل البلاد. أعتقد أن هذه الشركة ستغلق عما قريب. ويمكنكم الحديث معها إذا كان الأمر يهمّكم. أما ابني فيفكر في السفر بسبب انعدام فرص العمل. فالشباب في سنه محبطون للغاية هنا وبعضهم بات ينخرط في العصابات وتجنّده المجموعات "الجهادية" بإغرائه بالأموال والسلاح إلى جانب تلقينه. وأنا كأم أخشى من عدم بقائه بعيدا عن المشاكل، ولكن الشباب ليسوا حاضرين للاستماع. وقد حملت الأزمة أصحاب المصالح أيضا على إقالة عدد من عمالهم للتخفيف من المصاريف. كما وأن عددا من التجار قد غادروا البلاد ونقلوا أموالهم إلى أماكن أخرى. أما بعضهم الآخر كتجار الأسلحة فقد استفادوا كثيرا من الأزمة. أما الأطعمة المهربة فغالية الثمن إذا توفّرت. فالعقوبات قد آذت الناس أكثر من النظام بكثير. فلقد ساءت حالنا وتسوء أكثر مما كانت عليه قبل 20 شهرا".

فرنكلين لامب يجري بحثا في سوريا ويمكنكم التواصل معه عبر بريده الإلكتروني
fplamb@gmail.com

د. فرنكلين لامب
ترجمة: زينب عبدالله

 المصدر: موقع المنار
 
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...