أخطبوط «أنونيموس» يتوسّع عشوائياً هل تنقلب ثقافة القرصنة على أصحابها؟
في العام 1988، فقدَ طالب جامعي أميركي، روبرت تابان موريس، السيطرة على دودة الكترونية على شبكة الإنترنت الوليدة. قال انه كان من المفترض أن تكون مجرد تجربة، لكن الرمز الذي سجّله خرج عن سيطرته، الأمر الذي أثر يومها على ما يقارب 500 ألف جهاز كمبيوتر متصل بالشبكة. موريس، الذي اتضح بعد ذلك أنه ابن عالمٍ في وكالة الأمن الوطني، أصبح واحدا من أقدم القراصنة الالكترونيين المدانين...
وجد بعض من تلى موريس من القراصنة، أنه بإمكانه استخراج ملايين الدولارات من خلال التسلل الكترونيا الى المصارف. وفيما اعتادت غالبية الناس على تمضية معظم الوقت على الشبكة الإلكترونية، جاء ناشطو القرصنة ليتخذوا مكانا لهم.
يطلقون على أنفسهم اسم «انونيموس» (مجهول). خرقوا المكالمات الجماعية بين عناصر من مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (اف بي آي)، واقتحموا شبكات الكمبيوتر الخاصة بالفاتيكان.. أصبح من المستحيل معرفة من قد تستهدفه «انونيموس»، أو من قد يكون تحديدا من داخل هذه المجموعة، وراء هذه الهجمات. أما النقّاد فيرون أنه يجب التعامل مع ما يجري على أنه احتجاج سياسي.. أو باعتباره «جريمة»، بتعبير أدق.
تتغذى «انونيموس»، التي لا تتمتع بقيادة محددة والتي ينتمي اليها قراصنة من جنسيات متعددة، من مجموعة من القضايا الدسمة: من القمع في تونس، مرورا بحقوق الحيوان في ولاية «تينيسي» الأميركية، وصولا الى الدفاع عن موقع التسريبات الالكترونية «ويكيليكس».. وفيما اتجهت الحياة بكل ميادينها إلى الرقمي (في التجارة والفن والاقتصاد..)، أصبح بإمكان القراصنة تهديد الحكومات، أو ببساطة تفريغ بطاقات الائتمان الشخصية التابعة لـ«الأبرياء» على شبكة الإنترنت.
ألهمت «انونيموس» مجموعة من العناصر الذين استغلوا اسمها أحيانا. أحد القراصنة في بريطانيا، قال الأسبوع الماضي انه عضو في «انونيموس»، فسرق السجلات الصحية لآلاف النساء اللواتي خضعن لعمليات إجهاض، والمسجلة اسماؤهن لدى مزود خدمة الكتروني في بريطانيا. إعراب المهاجم عن فخره عبر «تويتر» أحرج المنتمين إلى «انونيموس». وفيما جهد بعض فصائل المجموعة لإغلاق المواقع المستهدفة، اخترقت فصائل أخرى الأنظمة وفضّلت سرقة البيانات، فضلا عن تهديدهم بمهاجمة البنية التحتية الأساسية للانترنت، ما يعني إغلاق شبكة الإنترنت العالمية..
تابعت الباحثة الأمنية العاملة في شركة «سيسكو»، ماري لاندزمان، جرائم الإنترنت منذ أيامها الأولى. في كانون الأول العام 2000، شهدت لاندزمان على رثاء لأحد واضعي الفيروسات، يتساءل في رسالة له أين ذهب زملاؤه الآخرون من واضعي الفيروسات. ورأت يومها أن ذلك ينذر بخطر كبير: «بدأ واضعو الفيروس العمل لحساب من يدفع لهم فيما هم يلتزمون الصمت».
في بداية الألفية الثالثة، بدأت شبكة رشيقة متعددة الجنسيات للأعمال الإجرامية الإلكترونية بالظهور. تمكّن القراصنة من الدخول الى حسابات مصرفية محددة. أما المسيّسون بينهم، فظهروا في أواخر التسعينيات، لكل هدفه وقضيته. قراصنة من الصين وتايوان خاضوا حربا ثنائية. ناشطون مناهضون للتكنولوجيا النووية هاجموا موقع الحكومة الهندية، بعدما قامت بتجارب نووية في نيودلهي. وفي جنوب المكسيك، احتشد قراصنة دعما لجيش «زاباتيستا»..
اتخذت «انونيموس» منحى سياسيا واضحا في العام 2008، عندما وضعت نظرها على «كنيسة السيانتولوجيا» (Church of Scientology). تحولت سريعا إلى حركة متعددة الأغراض في العالم، إلى حين جعلت من التغريد عبر «تويتر» منبرها الظاهري، مستخدمة في الوقت ذاته «يوتيوب» لتروج لنفسها مستقطبة بذكاء الشباب في جميع أنحاء العالم، من خلال قضايا مماثلة لحركة «احتلوا وول ستريت» و«الربيع العربي» والرقابة على الإنترنت.. وصولا إلى هذا الأسبوع، حيث نُشر على حسابات عدة على «تويتر»، تدعي أنها تابعة لـ«انونيموس»، نداء للتبرع بالمال لوضع لوحات تقول «لا تعبث مع الإنترنت»...
تقول عالمة الأنثروبولوجيا غابرييلا كولمان، التي تدرس ثقافة القرصنة، انه «من الصعب جدا وضع الإصبع على أعضاء «أنونيموس»، إذ يلجأون الى أدوات متنوعة لإخفاء هوياتهم والأجهزة التي يعملون فيها.. ونادرا ما يعرف بعضهم هوية بعضهم الآخر، وهذا ما يجعلهم عاجزين عن معرفة هوية «المرتدين» عنهم. «أنونيموس» خلقت شيئا قد ينهار على نفسه»، على حد تعبير لادزمان.
(عن «نيويورك تايمز»)
ترجمة: دنيز يمين- السفير
إضافة تعليق جديد