سيادة الإعلان على الإعلام وفرصة الفضائيات الحكومية الضائعة

11-01-2011

سيادة الإعلان على الإعلام وفرصة الفضائيات الحكومية الضائعة

لا تكف قناة «روتانا سينما» عن دعوة عشاق السينما إلى مشاهدة أفلامهم المفضّلة دون توقف، أي دون إعلانات. وذلك يوم الإثنين من كل أٍسبوع خلال الشهر الجاري. غير أن تحديد موعد العرض عند الساعة الرابعة والنصف صباحا (الركود يضرب. الإعلانات قليلةبتوقيت السعودية) يبرهن أن تبنّيها للعرض (دون توقف) ليس تخلياً عن الإعلان، وإنما استثمار لعدم فاعليته في تلك الساعة المتقدمة من الصباح الباكر. فخارج هذا العرض، تكاد عدد الدقائق الإعلانية على «روتانا سينما» في أي من أفلامها، تعادل عدد دقائق الفيلم ذاته. بل وقد تتجاوز أحياناً مدة الفيلم في حال كان يعرض، تلفزيونياً، للمرة الأولى... ولكن إلى أي مدى يمكن لقناة مفتوحة لعرض الأفلام السينمائية كـ «روتانا سينما» استثمار ما تعرضه من أفلام للحصول على عدد كبير من المواد الإعلانية؟ ومتى يتحول هذا الحق إلى أمر سلبي مزعج هجين وتطفلي على المادة المعروضة؟
ظهرت بعض الإجابات عن هذه الأسئلة خلال مناقشات «جمعية مؤلفي الدراما العربية» في القاهرة، التي عقدت مؤخراً اجتماعا موسعا تحت عنوان «أزمة الدراما التلفزيونية بين الإعلام والإعلان». وقد خلصت بمجملها إلى قناعة بأن «تقطيع العمل الدرامى بالإعلانات التجارية هو تفسيخ للنص وتشويهه بالإعلانات». بالمقابل يرى القيّمون على الفضائيات، بشكل أو بآخر، بأن الخدمة المجانية التي يقدمونها لمشاهديهم، ستجعل من النموذج التجاري لقنواتهم يعتمد على الدعاية الإعلانية، وبالتالي لا يمكن تجاوز الإعلانات ما دامت هي مصدر تمويلهم الأساسي، وعلينا كمشاهدين ومشتغلين في الإعلام أن نحترم هذا الأمر..؟
لا بدّ أن تخلص القراءة الواقعية للجدل الدائر حول الأزمة بين الإعلام والإعلان، إلى أن المشكلة ليست في تضمين العمل الدرامي مواد إعلانية، وإنما في مساحة هذه الأخيرة مقارنة بمدة العمل الدرامي، وبطبيعة المواد الاستهلاكية التي يتمّ الإعلان عنها. وبالتالي يبدو أن نقاشاً مثمراً لعلاقة الإعلام والإعلان لابد أن يتجاوز مسألة إلغاء الإعلان، نحو ترشيد بثه ضمن المادة التلفزيونية، ونوعية المادة التي يعلن عنها ومدى انسجامها مع المادة التلفزيونية، ولاسيما الدرامية منها على وجه الخصوص. فضلاً عن مناقشة كيفية عدم الخضوع لأهواء المعلن والتحرر من سطوته تمهيداً للانتقال من سيادة الإعلان، كما هو واقع الحال اليوم، إلى سيادة الإعلام.
في تقرير السيادة، للإعلان أم للإعلام، ربما تكون الكلمة الفصل للرأسمال، وبالتالي تبدو حظوظ المعلن الأوفر في السيادة. وهو اليوم علـــى سبيل المثال، يشكل العامل الحاسم في حصر عرض معظم الإنتاج الدرامي العربي في شــــهر واحد في رمضان، دون أن تستطيع أي من الفضائيات العربية كسر الطوق الرمضاني إلا في حالات نادرة وقليلة. في سطوة المعلن هذه، تبدو الفرصة حقيقية أمام الفضائيات الحكومية، التي خسرت كثيرا من مشاهديها أمام نوعية ما تقدمه الفضائيات الخاصة. ليس مطلوباً من الفضائيات الحكومية سوى الانتصار لدورها الإعلامي الحقيقي، على حساب دورها الاستثماري.. فقدرتها المالية الكبيرة ودعم الحكومات لها من شأنه أن يعيد ترتيب العلاقة بين الإعلان والإعلام، ولنتصور أي منهما سيكون خيار المشاهد: قناة تعرض العمل الدرامي دون توقف إعلاني أو بمساحات إعلانية محدودة، أم متابعة متقطعة للعمل ذاته على قناة ثانية مهما كان موقعها وأهميتها؟ يبقى أن نشير الى أن استغلالاً مثالياً للفرصة المفتوحة أمام الإعلام الرسمي يحتاج إلى ذهنية رقابية أكثر انفـــتاحاً. وإلا فإن ما يداويـــه ترشــيد الإعلان، سيعيد القص الرقابي ليثخن الجراح فيه.. وهذا بالطبع بعد تحقيق شرط المنافسة الأساسي باستقطاب عروض درامية أولى ومهمة.

ماهر منصور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...