محفزات التمرد والمقاومة المسلحة في العراق
الجمل: تحمل الأنباء يومياً أخبار الانفجارات والقتلى وحملات العنف التي تقوم بها القوات الأمريكية بمساعدة حلفائها الغربيين والمحليين. وتتبارى وسائط الإعلام الغربية مثل سي.إن.إن، وفوكس نيوز في نقل تفاصيلها على النحو الذي يساعد في تغييب وإخفاء الحقائق، بحيث تصور أعمال المقاومة العراقية باعتبارها أعمالاً إرهابية من جهة، ومن الجهة الاخرى القوات الأمريكية وحلفاءها باعتبارهم محررين يعملون ويقدمون التضحيات من أجل سلام وتقدّم الشعب العراقي.
المحددات العامة:
تبلغ مساحة العراق 438317 كيلومتراً مربعاً، تجاور ست دول، أربع منها عربية: الكويت، السعودية، الأردن، وسورية، ودولتان غير عربيتان هماك تركيا وإيران.. كذلك يبلغ عدد سكان العراق حوالي 28،807،000 نسمة، منهم: 55% شيعة، 20% أكراد، 29% سنة، 3،5% مسيحيين (آشوريين، كلدان، وأرمن)، 2% تركمان (سنة وشيعة)، و0،5% صابئة مندائيون.. ويقسم العراق إدارياً إلى 12 محافظة، بحيث يمثل الشيعة الأغلبية في الجزء الجنوبي، والسنة أغلبية في الوسط، والأكراد أغلبية في الشمال، مع ملاحظة وجود مناطق مختلطة بين الجنوب والوسط تتضمن الشيعة والسنة، وبين الوسط والشمال تتضمن السنة والأكراد، كذلك تتمركز الأقليات الصغيرة المسيحية في مناطق الشمال والوسط، بينما يتمركز الصابئة المندئيون في مناطق الأهواز على الحدود الإيرانية.
الخبرة التاريخية السياسية المعاصرة تشير إلى نجاح نظام صدام حسين بقوة الحديد والنار على فرض الاستقرار الداخلي، وفقاً لسياسة تقوم على مبدأ الجزرة والعصا، أي الدعم والفائدة لمن أيد سياساته، والعصا لمن عارضها.
العراق غني الموارد النفطية والزراعية، الأمر الذي جعله يحقق نمواً مطرداً، وبسبب المخزونات ا لنفطية العراقية الكبيرة فقد أصبح العراق هدفاً لأطماع القوى الأجنبية، وهي خلفية، على أساس اعتباراتها تمت عملية غزو واحتلال العراق بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية تدعمها بريطانيا وبعض الكيانات الغربية الأخرى.
في مطلع عام 2003، وتحديداً خلال نهاية شهر آذار، بدا واضحاً أن القوات الأمريكية قد فرضت سيطرتها الكاملة على العراق، وأصبح ذلك إيذاناً بدخول التاريخ العراقي المعاصر إلى مرحلة استعمارية جديدة.
التوازنات تشير إلى الآتي:
- عزوف أغلبية السكان عن مقاومة الاحتلال، بسبب القمع الذي واجهوه خلال فترة حكم صدام، وبسبب التضليل الإعلامي الكبير عبر أجهزة الإعلام الغربية وبعض الأجهزة العربية بذريعة أن الوجود الأمريكي سوف يكون مؤقتاً، وسوف تنسحب قريباً بعد انتخاب أول حكومة عراقية.
- مساعدة الحركات السياسية والميليشيات العسكرية الكردية للقوات الأمريكية على النحو الذي أدى إلى تسهيل العمليات الحربية التي كانت تقوم بها القوات الأمريكية.
- الدعم العربي الخليجي للعدوان الأمريكي، وذلك للانتقام من نظام صدام، إضافة إلى الصمت الإيراني، والتواطؤ الأردني.
- استنفاد نظام صدام حسين لصيغة الحكم والسلطة، وذلك بسبب الحصار الاقتصادي الطويل المرهق، إضافة إلى استمرار عدوانيته إزاء دول الجوار الإقليمي.
بدأت الأمور هادئة إلى حد ما في الأيام الأولى لعملية الاحتلال، ولكن كان واضحاً أن القوات الأمريكية سوف تبقى لفترة طويلة، ولن تخرج إلا تحت ضغط المقاومة، والتي كان واضحاً أن العراقيون سوف لن يترددوا في استخدامها لتحرير بلدهم.
محفزات المعارضة والمقاومة في العراق:
عملت الإدارة الأمريكية على تطبيق لعبة استراتيجية، تقوم على المناورة بين الجماعات السكانية، وذلك بالتحرك وفق ثلاثة خطوط أساسية، يتضمن كل منها خطوطاً فرعية خاصة، ففي مناطق الشيعة، عملت الإدارة الأمريكية إلى تطمين الشيعة بضرورة الانتخابات، وهي تعلم تماماً أن الشيعة يؤيدون الانتخابات باعتبارها تضمن لهم تماماً أخذ نصيبهم العادل من السلطة باعتبارهم يمثلون الأغلبية المطلقة، وعلى المستوى الفرعي سعت الإدارة الأمريكية إلى عزل شيعة العراق عن إيران، إضافة إلى القيام بمناورات فرعية أخرى ضمن ثلاثة خطوط، تتمثل في حزب الدعوة، المجلس الأعلى، والكيانات الشيعية الأخرى، وذلك على النحو الذي أدى إلى بلورة تيارين شيعيين رئيسين، الأول بقيادة مقتدى الصدر ويتبع له جيش المهدي، والثاني بقيادة الحكيم ويتبع له فيلق بدر.. ويمكن استعراض أ برز محفزات المقاومة في العراق على النحو الآتي:
- محفزات اقتصادية: وتتمثل في تدهور الخدمات وقطاعات الإنتاج، إضافة إلى نهب الموارد النفطية بوساطة الشركات الأمريكية، وتفشي الفساد في مؤسسات الدول التي تم بناؤها بوساطة قوات الاحتلال.
- محفزات اجتماعية: وتتمثل في تفاقم الصراعات الداخلية بسبب مواقف الجماعات والفئات المكونة للشعب العراقي، وذلك بسبب السياسات الأمريكية الهادفة إلى تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي، ولم يعد خافياً أن سلطات الاحتلال الأمريكي بمساعدة أعوانها الداخليين ظلت تعمل منذ فترة ما قبل الاحتلال على إغراء الفئات الاجتماعية والأقليات العراقية بالمزيد من المكاسب والمزايا التي لا تتناسب مع حجمها، وأيضاً لا تساعد في عملية التكامل الوطني المجتمعي العراقي، خاصة القوى الانفصالية الكردية.
- محفزات سياسية: ويتمثل أبرزها في عملية السيطرة على القرار السياسي الوطني، وتنصيب حكومات ظل لسلطات الاحتلال، كذلك شكلت انتخابات الدستور وملابساتها واحدة من أبرز محطات الصراع السياسي في العراق، يضاف إلى ذلك سعي سلطات الاحتلال الأمريكي باتجاه تسييس الكيانات الطائفية والاثنية ضمن أطر وهياكل سياسية، تتعارض مع سياقات الوطنية العراقية، وذلك على النحو الذي جعل البيئة السياسية الوطنية العراقية تشكل مرتعاً خصباً لأنشطة الأحزاب الدينية والاثنية.
- محفزات عسكرية: وتتمثل في عمليات اقتحام المنازل والبيوت بوساطة القوات الأمريكية بمساعدة أجهزة الأمن العراقية التي أنشأتها سلطات الاحتلال، إضافة إلى العمليات العسكرية وما صاحبها من تطويق وحصار واعتداء بوساطة الطائرات والدبابات والقوات الخاصة ضد المدن، وذلك ضمن عمليات العقاب الجماعي، على النحو الذي شكل نماذجاً لجرائم الحرب، وبالذات في الفلوجة، الرمادي.. وغيرها. إضافة إلى دوريات الشوارع التي تشرف عليها القوات الأمريكية والتي يمارس أفرادها المزيد من الإذلال والمضايقة للسكان العراقيين.
وعموماً يمكن القول: إن ما أدت إليه محفزات المقاومة والتمرد في العراق استطاع أحد استطلاعات الرأي العام أن يعكسه بوضوح، فقد تبين أن 85% من العراقيين يعتقدون أن وجود قوات الاحتلال الأمريكية يمثل السبب الرئيس لأعمال العنف والقتل والفوضى، و80% قالوا: إنهم لا يثقون بقوات وسلطات الاحتلال الأمريكية.. إضافة إلى أن 85% قالوا: إنهم سوف يشعرون بسلام أكبر إذا غادرت القوات الأمريكية العراق فوراً.. وفقط 1% قالوا: إن وجود قوات الاحتلال الأمريكية ضروري من أجل حفظ السلام والأمن في العراق.
الجمل: قسم الترجمة والدراسات
إضافة تعليق جديد