أزمة مسجد البابري بين الهندوس والمسلمين على خط واشنطن-تل أبيب
الجمل: تحدثت التقارير كثيراً عن ملف أزمة المسجد البابري في مدينة أيوديا الواقعة في مقاطعة أوتاربراديش الهندية، ومن المثير للاهتمام أن الأزمة قد نشأت بين المسلمين والهندوس: فما هي طبيعة أزمة المسجد البابيري؟ وما هي أوجه التشابه والاختلاف بين أزمة المسجد البابري بين المسلمين والهندوس وأزمة المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود؟
* أزمة المسجد البابري: الطبيعة والخلفيات
ظلت أزمة المسجد البابري موجودة تحت السطح وتمارس حضوراً قوياً مكثفاً ضمن مخزونات العنف الهيكلي الكامن في البنى المجتمعية الهندوسية، وبرغم استمرار ضغوط هذا العنف لما يقارب الخمسة عشر قرناً، فقد اندلعت هذه الأزمة في 6 كانون الأول (ديسمبر) 1992م آخذة شكل الصراع المرتفع الشدة بين الهندوس والمسلمين في الهند:
• يزعم الهندوس بأن المسجد البابري قد تم بناؤه في عام 1528م بواسطة المسلمين السنة الذين كانوا يحكمون المنطقة، وذلك بعد أن قاموا بهدم المعبد الهندوسي الذي تقول الكتب المقدسة الهندوسية بأنه معبد تم بناؤه في مسقط رأس الإله رام جانمابهومي.
• يزعم المسلمون بأن المسجد البابري هو مسجد تاريخي إسلامي يبلغ عمره 1364م، وبالتالي لا مجال لإزالته سواء كان قد تم أو لم يتم بناءه على قطعة الأرض التي تمثل مسقط رأس الإله الهندوسي رام جانمابهومي.
اندلعت العداوات المرتفعة الشدة في يوم 6 كانون الأول (ديسمبر) 1992م، وهو اليوم الذي أشارت الكتب المقدسة الهندوسية (كتب الفيدا) إلى أنه يمثل يوم ولادة الإله رام جانمابهومي، وذلك بسبب قيام مئات الآلاف من المتطرفين الهندوس بالسعي لهدم المسجد البابري واستعادة معبد مسقط رأس الإله رام جانمابهومي. وبالمقابل، ظل مئات الآلاف من الأصوليين الإسلاميين السنة يحتشدون مع اقتراب يوم 6 كانون الأول (ديسمبر) من كل عام لحماية المسجد البابري من الهندوس.
* تداعيات ملف أزمة المسجد البابري
أثارت التصعيدات الجارية في ملف أزمة المسجد البابري المزيد من المخاوف ليس في الهند وحسب، وإنما في عموم منطقة شبه القارة الهندية، وذلك للأسباب الآتية:
- تأثير العامل السكاني: يبلغ عدد الهندوس 750 مليون وعدد المسلمين 250 مليون نسمة، وبسبب تزايد التصعيدات وعمليات التعبئة العدائية الهندوسية-الإسلامية المتزايدة، فقد حذر العديد من الخبراء الأمنيين من مدى التداعيات الكارثية التي يمكن أن تحدث لو تصاعدت التوترات إلى مستوى حدوث صدام بين الكتلة الهندوسية والكتلة الإسلامية.
- تأثير عامل الدولة: سعت السلطات الهندية إلى رفع درجة التعبئة في المقاطعات والمحافظات والولايات الهندوسية-الإسلامية المختلطة، وفي مقاطعة أوتابراديس التي توجد فيها مدينة أيوديا التي يوجد فيها المسجد البابري، ظلت حالة الاستنفار تتضمن نشر ما يقرب من 2 مليون من عناصر الجيش والشرطة وأجهزة الأمن.
- تأثير عامل التسييس الحزبي: تصاعدت الخلافات والتوترات داخل الأحزاب السياسية الهندية، وعلى هذه الخلفية، أصبحت أحزاب اليمين الديني الهندوسية تقف إلى جانب المنظور الهندوسي الديني المتطرف، والأحزاب الإسلامية تقف إلى جانب المنظور الإسلامي السني المتطرف، أما الأحزاب العلمانية والقومية التي تضم خليطاً من الهندوس والمسلمين فقد حدثت المزيد من الخلافات والتوترات داخلها! إضافةً لذلك، فقد وجدت الحركات اليسارية المتطرفة، وعلى وجه الخصوص الأحزاب الشيوعية ذات التوجهات الماوية المتطرفة، الفرصة لجهة المطالبة بالقضاء على كل مراكز العبادة الدينية إسلاميةً كانت أم هندوسية أم بوذية، ولم تسلم من استهدافات هذه الأحزاب المعابد الزرادشتية الموجودة في بعض المناطق الهندية. وانتهز سكان بومبي الفرصة لجهة إزالة مقابر الزرادشتيين الموجودة في وسط المدينة بسبب تهديدها للأوضاع الصحية (الزرادشتيون لا يقومون بدفن الموتى بل لديهم مقابر على شكل استاد بسورٍ ضخم ويقومون بإلقاء الجثث في العراء داخل السور وتركها تتحلل وتتعفن بحيث تأكلها الصقور والتي يعتقد الزرادشتيون بأنها تأخذ هذه الجثث إلى السماء حيث الإله موزدا وأهرمزدا).
* إدارة ملف الأزمة: تأثير العامل الإسرائيلي-الأمريكي
تلقفت الأوساط اليهودية الليكودية الأمريكية والإسرائيلية باهتمام بالغ اندلاع أزمة ملف المسجد البابري، ورأى بعض خبراء محور واشنطن-تل أبيب بأن الأداء السلوكي لأزمة المسجد البابري يمكن أن يشكل نموذجاً مقيداً للغاية لجهة إدارة الأداء السلوكي الخاص بأزمة ملف المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين.
• سعت إسرائيل إلى دعم موقف الأطراف الهندوسية المتشددة لجهة المطالبة بهدم المسجد البابري طالما أن أسفل مبنى المسجد توجد حجارة وآثار المعبد الهندوسي الذي تم هدمه بواسطة الإمبراطور المغولي المسلم بابهور الذي احتلت قواته الهند وأصدر أمرا في عام 1527م بهدم معبد الإله الهندوسي رام وبناء المسجد البابري في مكانه.
• سعت أمريكا إلى الضغط على الحكومة الهندية لجهة الاستجابة إلى مطالب الجماعات الهندوسية، أو إلى غض النظر عن استخدام قوات الجيش والشرطة والأمن الهندية في التصدي لهجمات الجماعات الهندوسية. وظل الموقف الأمريكي يصف تصدي القوى الهندية للجماعات الهندوسية المتطرفة باعتباره يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان وحرية التعبير والاعتقاد في الهند.
استطاعت جماعات حقوق الإنسان الهندية والجماعات القانونية الهندية الضغط على نيودلهي لجهة ضرورة البحث عن حل لأزمة المسجد البابري، وبالفعل، فقد لجأت أطراف الصراع إلى المحكمة الهندية، والتي بعد طول انتظار أصدرت أمراً ينص على الآتي:
- اعتبار الأرض المقام عليها المسجد أرضاً مشتركة إسلامية-هندوسية.
- تقسيم أرض المسجد بين أطراف الصراع بقدر متساوي.
تقول المعلومات والمعطيات، بأن قرار المحكمة الهندية قد حدد بشكلٍ قاطع إعطاء المسلمين ثلث المساحة لإقامة المسجد البابري، وإعطاء الهندوس ثلث المساحة لإقامة معبد الإله رام، وإعطاء الجمعيات الخيرية الهندوسية الثلث المتبقي من المساحة لإقامة فعالياتها.
هذا، وأشارت التقارير والمعلومات بأن قرار المحكمة قد قوبل بالرفض بواسطة كل الأطراف، فالمسلمون يقولون بأن القانون الهندي والقانون الدولي يمنعان إزالة أي مبنى يتجاوز عمره الـ300 عام. وفي هذا الخصوص فقد تجاوز عمر المسجد البابري الـ 300 عام، وبالتالي فإن الإبقاء عليه هو ملزم قانونياً للجميع. واعتبر المسلمون قرار المحكمة الهندية بأنه يشكل انتهاكاً صريحاً لنص القانون الهندي والدولي. أما بالنسبة للهندوس، فقد طالبوا بأن تصدر السلطات الهندية قراراً سياسياً بإزالة المسجد البابري بالكامل، وإلا فإن الرأي العام الهندوسي سوف يساند بقوة القيام بعملية شعبية ضخمة تمثل الإرادة الهندوسية القاهرة لجهة إزالة المسجد البابري وإقامة المعبد الهندوسي في مكانه.
تقول المعلومات والتسريبات، بأن الإسرائيليين والأمريكيين يتابعون باهتمام بالغ فعاليات صراع أزمة المسجد البابري، تمهيداً لإسقاطها على أزمة الصراع حول المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين، وبالتالي، فإن أيادي محور واشنطن-تل أبيب سوف تسعى إلى ممارسة المزيد من الضغوط لجهة دفع أزمة المسجد البابري باتجاه الخيار الهندوسي الصرف، والذي يعتقد الإسرائيليون والأمريكيون بأنه يتطابق مع الخيار الإسرائيلي إزاء ملف المسجد الأقصى!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
رأي ورأي آخر
إضافة تعليق جديد