الاحتلال يُلبس مهمته رداء المدنيين والمرتزقة

20-08-2010

الاحتلال يُلبس مهمته رداء المدنيين والمرتزقة

في الوقت الذي تستعدّ قوات الاحتلال الأميركي للانسحاب العسكري من العراق بحلول نهاية العام 2011، تخطط إدارة الرئيس باراك أوباما لملء هذا الفراغ من خلال مهمات مدنية واسعة، مدعومة بجيش صغير من المرتزقة.
وبحلول شهر تشرين الأول من العام 2011، يفترض ان تأخذ وزارة الخارجية الأميركية على عاتقها مسؤولية تدريب الشرطة العراقية، وهي المهمة التي سينفذها عدد من المتعاقدين. قافلة عسكرية أميركية لقوات المشاة المقاتلة خلال انسحابها من العراق باتجاه الحدود الكويتية في صورة وُزعت أمس
وفي ظل هذا الفراغ العسكري، ستصبح مهمة الدبلوماسيين الأميركيين، نزع فتيل التوترات الطائفية في شمال العراق، وتجنّب وقوع مواجهات محتملة بين الجيش العراقي وقوات البشمركة الكردية.
وبذريعة حماية الموظفين المدنيين من هجمات مقاتلي تنظيم «القاعدة» والميليشيات المدعومة من جانب إيران، تعتزم وزارة الخارجية الأميركية مضاعفة عدد أفراد الأمن الخاص، ليصل إلى نحو سبعة آلاف عنصر، حسبما يشير مسؤولون في الإدارة الأميركية.
ولحماية خمسة مراكز أميركية محصنة على امتداد العراق، سيستخدم المتعاقدون الأمنيون أجهزة رادار للتحذير من هجمات صاروخية وعمليات تفجير محتملة، كما سيستخدمون طائرات الاستطلاع بهدف الردّ على التهديد بشكل سريع.
ويصف الدبلوماسي الأميركي السابق جيمس دوبينز، الذي اكتسب خبرة واسعة لعمله كمبعوث خاص إلى افغانستان والبوسنة وهايتي وكوسوفو والصومال، هذه الخطة بأنها تمثل «تصوراً أمنياً متكاملا»، مشيراً إلى أنّها «غير مسبوقة في حجمها». وأضاف أنها «قد تكون المرّة الأولى التي تقوم فيها الولايات المتحدة بإعداد خطة مدنية مستقلة عن الجيش الأميركي في بيئة تتعرض للتهديدات على نطاق واسع».
ويبدي مسؤولون في البيت الأبيض ثقتهم في أن نقل حوالى 2400 متعاقد إلى السفارة الأميركية في بغداد وغيرها من المواقع الدبلوماسية، سيساعد على تحقيق الاستقرار في العراق.
من جهته، يرى مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن، أنطوني بلينكن أن «الصور الأبرز الذي شاهدناها في العراق خلال العامين الماضيين تكمن في انخفاض مستوى أعمال العنف بشكل ملحوظ، وارتفاع كفاءة قوات الأمن العراقية بشكل كبير، إلى جانب السياسة المتعمّدة لتشجيع الاستثمارات في العراق». ويعتبر بلينكن أنه «في حال استمر هذا التوجه، فإنه سيوجد مناخاً أفضل للتعامل مع المشاكل الكبيرة والخطيرة التي لا تزال قائمة في العراق».
لكن الحضور العسكري الضئيل بحسب خطة إدارة أوباما – والذي سيقتصر على بضع مئات من الضباط في مقر السفارة في بغداد سيساعدون العراقيين على شراء معدات عسكرية أميركية ونشرها - والدور الذي سيقوم به المتعاقدون الأمنيون - قد دفعا ببعض المخضرمين إلى أن يقترحوا الإبقاء على بضعة آلاف من القوات إلى ما بعد العام 2011.
وفي هذا الإطار يقول السفير الأميركي السابق في العراق ريان كروكر (2007-2009) «إننا نحتاج هنا إلى الصبر الاستراتيجي»، موضحاً أنّ «جداولنا الزمنية تتجاوز الواقع العراقي. لقد أصبح لدينا شريك عراقي. وبالتأكيد فإننا لسنا بصدد اتخاذ قرارات أحادية بعد اليوم. ولكن في حال أتى إلينا العراقيون في وقت لاحق خلال العام الحالي للمطالبة بإعادة النظر في فترة ما بعد العام 2011، سيكون من مصلحتنا الإستراتيجية الاستجابة لذلك».
أما المهمات التي ستكون مطلوبة من الجيش الأميركي فستشمل، بحسب الخبراء العسكريين والمسؤولين العراقيين، تدريب القوات العراقية، وتأمين الدعم اللوجستي، إلى جانب حماية الأجواء العراقية إلى حين تمكن العراق من إعادة بناء قواته الجوية، وربما مساعدة القوات الخاصة العراقية في عمليات مكافحة الإرهاب.
هذه الترتيبات تحتاج إلى التفاوض بشأنها مع المسؤولين العراقيين، الذي أصروا على أن يكون العام 2011 موعداً نهائياً للانسحاب الأميركي. لكن إدارة أوباما تبدو اليوم منشغلة في التحضير لحملة الانتخابات النصفية في الكونغرس، فيما الساسة العراقيون عاجزون عن تأليف حكومتهم، ولهذا فإنّ النقاش حول مستقبل الوجود العسكري مستبعد في الوقت الراهن، كما يشير مسؤول أميركي على صلة بالملف العراقي. ويوضح هذا المسؤول أن القادة العسكريين اقترحوا بقاء خمسة إلى عشرة آلاف جندي، بما يعاكس التوجه السياسي بالخروج من هذه المنطقة المضطربة. ويرى أن «الحديث بهذا الشكل أمام العراقيين هو أمر غير بناء، فإذا كان العراقيون يريدون أن نبقى عندهم، فعليهم أن يطلبوا ذلك بأنفسهم».
يذكر أن التحضيرات لـ«المهمة المدنية» في العراق تطلب الإعداد لها أشهراً عديدة. ويقول مسؤول أميركي إنّ أكثر من 1200 مهمة، كانت من ضمن مسؤوليات الجيش العراقي، سيتم نقلها إلى المتعاقدين.
وبموجب الخطة الجديدة تخطط وزارة الخارجية للحصول على 60 جهازاً مضاداً للألغام، وزيادة عدد السيارات المصفحة إلى 1320 سيارة، إلى جانب تأمين أسطول جوي صغير من 29 طوافة سيقودها المتعاقدون.
ويشكل 6 إلى 7 آلاف متعاقد جزءاً أساسياً من الخطة الأميركية لما بعد الانسحاب، إلا أن هذا الأمر قد يثير حساسية العراقيين الذين عانوا خلال السنوات الماضية من ممارسات شركات الأمن الأميركية الخاصة، التي راح ضحيتها العديد من المدنيين، في أحداث إطلاق نار غير مبررة حتى اللحظة. ولهذا السبب توصي واشنطن منذ اليوم بـ«ضرورة تأمين الرقابة الكاملة على عمل هذه العناصر، التي لن تتمتع بأي حصانة خاصة».
وتشير التقديرات إلى أن كلفة تنفيذ الخطة الجديدة، إلى جانب كلفة بناء وتشغيل مكتبين فرعيين للسفارة الأميركية - الأول في كركوك والثاني في الموصل – وقنصليتين أميركيتين – في البصرة واربيل - إضافة إلى كلفة توظيف المتعاقدين الأمنيين، ستبلغ حوالى مليار دولار، وهو مبلغ يضاف إلى 500 مليون دولار تبقي به واشنطن على قنصليتين دائمتين في العراق، فضلا عن كلفة برنامج تدريب الشرطة العراقية والتي تقارب مبلغ 800 مليون دولار.
تدابير ضخمة لوجستياً ومادياً، ستتخذها الادارة الاميركية لتحقيق هدف غير مضمون النتائج، خصوصاً انه من الصعب على «بعثات مدنية» التعامل مع التوترات الكردية - العربية العالقة، والتي تغذي يومياً الصراعات المحتملة على بعض المناطق المتنازع عليها في العراق.
قلق عبر عنه نائب رئيس معهد الولايات المتحدة للسلام دانيال سيروير، مشككاً بدقة الخطة المدنية الأميركية. وبحسب سيروير فإن «هذه التدابير الجديدة تنطوي على خطر كبير، وقد يفتح ذلك الباب أمام مشاكل حقيقية. فلئن استطاع جنودنا التواجد ميدانياً إلى جانب الأكراد والعرب، فإن هذا الأمر لن ينطبق على المتعاقدين والدبلوماسيين في مكاتب السفارة، فقد يحتاج هؤلاء إلى البقاء في مواقعهم عندما يزداد الوضع الأمني توتراً في الخارج».
قلق سيروير يوازي قلقاً أميركياً في مجال آخر، ويكمن في ملف تدريب الشرطة العراقية، والذي يتعين على المتعاقدين مع وزارة الخارجية الأميركية تسلمه. إذ يرى بعض مسؤولي الادارة ان الامر «لا يقتصر على تطوير مهارات العناصر العراقية الامينة، بل يتسع ليشمل تطوير وزارة الدفاع وإدخال برامج امنية متقدمة تعنى بعمليات مكافحة التمرد وتنامي الجرائم، وهي أمور تعجز القوات العراقية عن القيام بها».

المصدر: السفير نقلاً عن «نيويورك تايمز»

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...