نصر الله: القرار الظني أعد من عامين
خاطب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ليل أمس، اللبنانيين بلغة هادئة وواضحة.. وقوية المضمون، داعيا اياهم الى التنبه جيدا للعبة الأمم بتقاطعاتها الاقليمية والمحلية، التي حاولت أخذ لبنان رهينة حسابات كبرى، وكادت تنقله من موقع اقليمي الى موقع نقيض ومن واقع الاستقرار الداخلي الى الحرب الأهلية، محذرا من أن هناك من يريد تكرار اللعبة التي سقطت بفضل صمود المقاومة وقوى المعارضة وسوريا، ولكن هذه المرة بعناوين جديدة.
ولأن المرحلة التي يمر بها لبنان خطيرة وحساسة ودقيقة ومفصلية، أراد نصرالله، أن يخاطب في مؤتمره الصحافي، أمس، ليس جمهوره أو جمهور المعارضة، بل كان معظم خطابه موجها لجمهور 14 آذار، الذي قادته عواطفه، بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى رفع شعارات وجدران العداء لسوريا، ليتبين بعد خمس سنوات أن سوريا هي عنوان الاستقرار السياسي والأمني في لبنان، لكن ضمن معادلة تريد أخذ الجمهور نفسه الى مطرح آخر محاولة القضاء على المقاومة بالفتنة الداخلية المدمرة...
ولقد خرج نصرالله، للمرة الأولى، في تاريخ جلساته مع ضيوفه من اللبنانيين أو سواهم، عن تقليد يعرفه القاصي والداني، بكشفه جزءا بسيطا ولكنه كبير من محضر لقاء بينه وبين رئيس الحكومة سعد الحريري، غداة عودة الأخير من رحلة خارجية كانت واشنطن ونيويورك آخر محطاتها في أيار المنصرم، حيث طلب لقاء نصرالله بعد أن عرج على دمشق والتقى الرئيس السوري بشار الأسد.
في تلك الجلسة التي امتدت حتى الفجر، أراد الحريري «مشكورا» و«حريصا» و«متعاونا» أن يختلي لدقائق قليلة بالسيد نصرالله، وأبلغه بمضمون القرار الظني الذي سيصدر عن المدعي العام للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان القاضي دانيال بيلمار، وقال لي: «يا سيد في شهر كذا أو شهر كذا سيصدر قرار ظني يتهم أفراداً من «حزب الله» وهؤلاء جماعة ليسوا منضبطين وليس هناك أي علاقة للحزب، وأنا قد وعدتكم سابقاً أنه إذا جرى هكذا شيء أنا أخرج إلى الإعلام وأقول أن الحزب ليس له أي علاقة وهؤلاء الناس ليس لهم أي علاقة، لكن هناك أناس غير منضبطين، وهم الذين قاموا بهذا الموضوع».
أراد «السيد» بهذه الجملة ـ المفتاح، أن يقول للرأي العام أننا نصرخ ليس اجتهادا وانما لأن هناك من أبلغنا رسميا بأن القرار سيصدر، حتى من قبل أن يستدعى أكثر من عشرين عنصرا من «حزب الله» مثلوا أمام المحققين، وهناك غيرهم سيمثل بعد عيد الفطر، بينما القرار متخذ ليس من أول الربيع بل من العام 2008، وهو الأمر الذي سيستفيض نصرالله بشرحه لاحقا.
واذا كان «السيد» قد قدم مقاربة هي الأولى من نوعها لمرحلة السنوات الخمس التي تلت جريمة اغتيال الحريري في 14 شباط 2005، وما بني عليها من وقائع سياسية وأمنية ودستورية كاد معها البلد ان يغرق في آتون الحرب الأهلية، فانه كان يدعو «التوابين الجدد» على المحور السوري، أن يعتذروا من جمهورهم أولا، ومن جمهور المعارضة والعماد ميشال عون (لاحقا) ومن سوريا التي دفعت ثمنا كبيرا، من جراء قوة الدفع التي تلت الجريمة وأريد لها أن تضع سوريا وحدها في موقع المجرم.
ولمن لم يقرأ الرسالة جيدا، أن يقرأها أيضا. بالأمس فقط، كان الرئيس السوري بشار الأسد، يتلقى من السيد نصرالله الدعوة السياسية التي كان ينتظرها لزيارة لبنان، بعد أن كانت الدعوات الرسمية والبروتوكولية قد وصلت اليه من اصحاب الشأن. وفي ذلك أيضا، دعوة للمراهنين على انفكاك «حزب الله» وسوريا، أن يقرأوا سطور المؤتمر الصحافي وكل كلمة قالها نصرالله غداة زيارة الحريري الى دمشق.
لقد بدا «السيد» في ما كان يقوله، واضحا، وليس غريبا أو مفاجئا القول أن يكون قد اطلع على مضمون محادثات الرئيس السوري ورئيس الحكومة اللبنانية، وما استحوذه موضوع القرار الظني، من حيز في المناقشات هناك، غير بعيد عن نظر وسمع الأمير عبد العزيز بن عبدالله، الذي «تصادف» وجوده في دمشق، مع زيارة الحريري اليها.. وما كان يطبخ للعراق ولبنان هناك، بحضور «الأتراك».
بدا جليا ان «السيد» كان حاسما بابتسامة، وهو تحدى اصدار القرار رافضا مقولة اتهام ولو نصف فرد من «حزب الله»، ودخل من براءة سوريا من الاتهام السياسي التي طالها لسنوات اربع، ليرمي الجمرة في يد من لم يتعظ من التجربة ويريد أن يتآمر على المقاومة في الداخل والخارج. واضعا قيادات «14 اذار» امام فرصة اعلان التوبة السياسية عما اقترفته في تلك السنوات بحق سوريا واللبنانيين، وكان ملحا في طلب اجراء مراجعة نقدية والاقتداء بجرأة النائب و«الزعيم» وليد جنبلاط وشجاعته لعلها تيسر العودة الى الرشد السياسي.
على ان تلك الفرصة تبدو محصورة ضمن هامش زمني مداه المؤتمر الصحافي المقبل الذي وعد «السيد» بعقده في وقت قريب، والذي يمكن أن تتحدد نبرته صعودا أو نزولا تبعا لما يمكن أن يستجد من معطيات في أكثر من ساحة، خاصة وأن «السيد» قال ان من بيدهم الأمر يستطيعون فعل شيء اذا أرادوا ذلك وهو متفق بذلك مع وليد جنبلاط، على أن تشكل المملكة العربية السعودية قوة دفع لمنع الفتنة الداخلية.
ابرز «السيد» حجم الخطر، والقى على الرئيس سعد الحريري، ومن دون ان يدعوه مباشرة مسؤولية المبادرة من موقعه الى دور الاطفائي على اعتبار ان رئيس الحكومة يعرف كيف يقدر المصلحة علما ان في امكانه الذهاب الى من يقوم بلعبة الأمم ويقول ان البلد لا يحتمل لعبة جديدة.
طمأن «السيد» الى ان «حزب الله» ليس خائفا من أي شيء على الاطلاق، لكنه في المقابل القى غبارا على موقف الحزب ولم يسقط شيئا من الاحتمالات بعد صدور القرار، ان بالنسبة الى الحكومة ومصيرها او بالنسبة الى 7 ايار، فالموقف ينطلق من قاعدة اننا نعرف كيف ندافع عن انفسنا، وبكل الاحوال نحن ندرس امورنا بشكل جيد ونتصرف بشكل جيد ونحن نتحمل المسؤولية بشكل جيد ولا اريد ان استبق الامور. «ومن يتآمر على المقاومة ولبنان هو الذي يجب ان يكون خائفا ويكون قلقا لان مشاريعه ستفشل وتخسر مجددا».
عقد السيد نصرالله، أمس، مؤتمرا صحافيا في قاعة شاهد على طريق المطار، نبه في مستهله الى «ان لبنان تم ادخاله منذ الآن من باب المحكمة الدولية والقرار الظني الذي سيصدر قريبا في مرحلة حساسة ومعقدة جدا، «مرحلة من باب المحكمة الدولية وما يقال عن قرار ظني سيصدر قريبا».
واشار السيد نصرالله وبناء للمعطيات التي لدى «حزب الله» الى «ان القرار الظني مكتوب وموجود، وكتب قبل استدعاء شبابنا للتحقيق، ولكنه أجـِّل لأسباب سياسية وكل المشاورات لبيلمار مع اعضاء مجلس الأمن الدولي ومع المسؤولين الفرنسيين كله له علاقة بالتوقيت السياسي وليس بالمضمون». وسأل «ما دام الكل مجمعين على ان القرار مكتوب، فلماذا تتعب لجنة التحقيق نفسها»؟
واكد نصرالله الرفض القاطع لان يتهم أي من افراد الحزب او ان يتهم حتى نصف فرد، وقال: نحن نعرف النفق الذي يريدون ان يأخذونا اليه، ونعتبر ان هناك مشروعا كبيرا يستهدف المقاومة ولبنان والمنطقة بعد فشل كل المشاريع السابقة.
ولفت الانتباه الى ان هناك جدية لاصدار القرار، لكنني لا اجزم بانه سيصدر في ايلول او تشرين، او كانون فقد تؤجل المواعيد لأسباب سياسية ولكن كل المعطيات لدينا تقول انه سيصدر قرار ظني بحسب المشروع المعد للمنطقة، ويبدو ان في الخارج والداخل ايضا من لا يجد مصلحة له بالاستقرار والتعاون في البلد ويعتبر ان اعطاء المزيد من الوقت للمقاومة التي تشتد وتقوى ليس مناسبا والمطلوب اخذ المقاومة الى المكان الذي يخدم المشروع الأميركي في المنطقة.
وذكر نصرالله بما قامت به 14 آذار منذ شباط 2005، «حيث اقامت الدنيا واتهمت سوريا سياسيا وليس هناك أي دليل اصلا يدين سوريا واخذت البلد كله بناء على هذا الاتهام، سوريا تجاوزت، ولا احد يظن ان هذا الأمر سيمر بهدوء، نحن اللبنانيين لا يمكن ان نتجاوز هذا الأمر فماذا فعلتم في 5 سنوات والى أين أخذتم البلد وما الضمانة أنكم لن تفعلوا ذلك من جديد؟
وأكد ان صمود سوريا امام الضغوط وصمود المعارضة في لبنان امام الكم الهائل من الحرب النفسية والحملات وامام حرب تموز جعل الواقع السياسي يتغير والاعتراف ان لا دليل على سوريا وحلفائها وانتهى هذا الموضوع. وشدد على العلاقات المميزة مع سوريا وقال: انا من الذين يستعجلون زيارة الرئيس بشار الأسد للبنان لبدء مرحلة جديدة عنوانها التنسيق والصداقة ووحدة المصير وتنتهي مقولة العدو من امامكم والبحر من ورائكم.
ولفت الى تركيب شهود الزور مستنكرا عدم محاكمتهم ومحاكمة من فبركهم خصوصا، ورأى ان عدم استدعائهم للتحقيق مرده الى الفضيحة التي سيشكلونها. ودعا الى رفع اثار الظلم السياسي والمادي والمعنوي عن الذين ظلموا بناء على شهود الزور، واقترح ان يعاد الضباط الأربعة الى مراكزهم التي كانوا فيها ولو لسنة واحدة.
وردا على سؤال قال: ليس مشروعنا ابدا القيام بحرب، وهذا الموضوع ليس واردا، نحن لسنا في وارد شن حرب او ايجاد حرب في المنطقة ونعرف ان اي حرب بالمنطقة لن تبقى محدودة.
إضافة تعليق جديد