ديانا جبور: مواطن (ة) ومسؤول (ة) وأشياء أخرى
زيارة المبنى المتهالك للتلفزيون السوري ستبعث فيك الكآبة حتماً. ممرّاته المظلمة تجعلك تهمّ بالمغادرة فوراً. حين كنّا نزور ديانا جبور في مكتبها هناك، كنا نجدها محاطةً بشاشات تلفزيونيّة كثيرة، واحدة منها مثبّتة على قناة فضائية. تلفوناتها العديدة أيضاً لم تكن تعرف الصمت. المديرة السابقة للتلفزيون السوري تستقبلنا هذه المرة في مكتبها الجديد، مكتب مديرة «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي». فقد أصبحت مديرية الإنتاج في التلفزيون مؤسسةً مستقلةً، أوكل إلى الكاتبة والصحافية السوريّة إدارتها.
في مقر عملها هذا، تقضي جبور ساعات طويلة، لهذا حرصت على خلق جو من الحميمية والراحة... هذه المرّة لن نجد إلا شاشةً واحدة، وإلى جانبها نظام صوت حديث. تخبرنا أنه نتيجةً لضغط العمل خلال السنوات الخمس الماضية، لم تكن تجد وقتاً للاستماع إلى الموسيقى. عندما عادت للبحث عن أعمالها الموسيقيّة المفضّلة، فوجئت بأنّه لم يعد في إمكانها «اقتناء كاسيتات لعزف موسيقي منفرد لأنور ابراهم مثلاً»، تقول... «فدمشق كلها صارت تسمع الأغاني فقط».
ابنة مدينة الشاطئ الأزرق (اللاذقية) تحمل من الساحل السوري صوراً عن مقاهٍ تتداخل شرفاتها مع أمواج البحر. كان أبناء المدينة يجتمعون هناك، بمختلف أطيافهم الدينية، وطبقاتهم الاجتماعية، وانتماءاتهم السياسية، وفئاتهم العمرية. تمكث تلك الصورة في ذاكرة الإعلامية السورية، إلى جانب ملمس الزبد على جلدها يوم حملها شقيقها ليغامرا معاً في وجه الموج العالي.
نشأت ديانا وسط عائلة محافظة من مشايخ الطائفة العلويّة. انفصلت والدتها عن أبيها وعن العائلة، وقرّرت أن تربّي أولادها وحدها. هكذا عاشت تتجاذبها نزعتان. من جهة، جوّ يفرض عليها ألّا تخرج من المنزل وحدها، لهذا وجدت الوقت في مرحلة مبكرة من عمرها لكي تبدأ القراءة وتراكم ثقافتها. ومن جهة ثانية، جوّ صنعه شقيقها المثقف والمنفتح، وخالها الروائي هاني الراهب، الذي أدار في منزلهم حوارات أدبيّة عديدة.
كانت ذات مرة في المكتبة تقتفي أثر الكتب والمجلات. هناك صادفت جارهم، القيادي في حزب البعث، وهيب الغانم، الذي نصحها بشراء الكتب. وبالفعل، راحت واشترت رواية «مذلّون مهانون» لدستويفسكي في ترجمة سامي الدروبي. فوجئ غانم بخيار ابنة الثالثة عشرة، ووعدها بهدية إذا أكملت قراءة الرواية. «أهداني كتاب «البعث»، وقال لي ممازحاً: هذا الكتاب ليس لأنني بعثي بل يحكي عن البعث بمعنى القيامة». مع روائع الأدب العالمي من دستويفسكي إلى فيكتور هوغو، كانت ديانا تتشبّث أكثر فأكثر بخيار لازمها منذ الطفولة. «لم أُسأل يوماً ماذا أريد أن أصبح في المستقبل إلّا كان جوابي حاضراً: صحافية أو لا شيء». في الخامسة عشرة، نبض قلبها بإيقاع مختلف... هو إيقاع الحب الأول. وأيّ حبيب ذاك الذي عشقته؟! كان الشاعر الراحل محمود درويش: «كان شابّاً وسيماً، وشاعراً موهوباً، وملتزماً بقضايا الأمّة. هذه المواصفات انطبقت على مواصفات فارس أحلامي آنذاك».
تلقّت المراحل الأولى من تعليمها عند الراهبات، ما جعل والدتها تحلم بأن تكمل ابنتها دراسة الأدب الفرنسي. لكنّ خالها وشقيقها ساعداها على الانتقال إلى دمشق لدراسة الحقوق كرمى لعيون أمّها أيضاً. إلى جانب الحقوق، درست في «معهد الصحافة» في وقت لم تكن فيه كليّة الإعلام في دمشق قد فتحت أبوابها بعد. أقامت ديانا في المدينة الجامعية مع زميلة بلغارية. وجدت وقتاً للعمل في مجلة يمنيّة اسمها «أضواء اليمن»...
بعد التخرج، تسلّمت وظيفتها في صحيفة «الثورة» السورية في قسم التحقيقات تحديداً. ومن تلك اللحظة بدأت تتدرّج في مهنتها، إذ أشرفت على الصفحة الأخيرة، وكتبت فيها زاوية يومية بعنوان «مواطن ومسؤول». بعد ذلك، ستتسلّم رئاسة القسم الثقافي، ثمّ أمانة تحرير الجريدة الناطقة باسم الحكومة السورية... كلّ ذلك من دون أن تتوقّف عن الكتابة في الصحافة العربية في مجلّات مثل «الكفاح العربي». وتهمس مديرة «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي» كمن يفشي سرّاً: «حرمت نفسي نشوة النجاح خوفاً من تغلّب الغرور علي. الآن أشعر بأنني نادمة على ذلك»، تقول. «حتى اليوم ما زلت أتوجّس من حالة خذلان قد أكون خلّفتها لأمي».
تأثرها بالأدب الروسي منذ صغرها، ونشأتها ضمن مناخ يميل إلى اليسار ويحترم الثقافة، جعلاها ذات ميول يسارية فكرياً... لكنّها لم تلتزم بأيّ حزب سياسي. بقيت تؤمن بأنّ الشغف بالقضية الفلسطينية كان بمثابة حل لمعضلة الانتماء السياسي. لم تعش ديانا جبور مراهقةً نموذجيةً. حبّها الحقيقي هو زوجها، المخرج الفلسطيني السوري باسل الخطيب. تعرّفت إلى الشاب الذي كان عائداً من روسيا ليملأ وقته بكتابة الرواية وترجمة الأدب الروسي. على هامش «مهرجان دمشق السينمائي»، اكتشفت فيلم تخرّجه من موقعها كناقدة. أهداها ما أنجزه من أدب وترجمات. عند إعلانها قرار ارتباطها به، ونتيجة عدم انتمائها إلى طائفة واحدة، خسرت أصدقاء كثيرين كانوا مصدر الألق في حياتها. شراكتها مع باسل الخطيب لم تقتصر على الحياة الزوجية، إذ أنجزا معاً أعمالاً دراميّة عدة كتبت منها جبور مسلسلي «يحيى عيّاش» و«حنين» وغيرهما... كما أنجزت وحدها مجموعة سيناريوهات، وكتباً نقدية في السينما، إضافةً إلى إعدادها العشرات من البرامج التلفزيونيّة وإشرافها عليها.
بقهقهتها المحبّبة التي تنذر بوجودها أينما حلّت، اخترقت ديانا جبور جمود التلفزيون السوري. كانت أول امرأة تتسلّم إدارته، وتفرّغت لتلك المهمّة، متنازلةً موقّتاً عن نشاطها الدرامي والنقدي والصحافي. «الشعور بأنك موضع ثقة يستحق التضحية وقتاً محدداً»، تقول.
لكنّ كل ما سبق لا يوازي في حياتها حضور «مجيدو»، ابنها الوحيد، الذي أدّى دور نزار قباني الطفل في عمل حمل توقيع والده. «يذهلني بما يملك من طاقة حب وحنان. هناك وهم نعتقده حقيقة هو أنّ الأهل يربّون الأبناء. صدّقني، لقد أعاد مجيد تربيتي، وجعلني أتخلى عن الكثير من الجوانب السلبية في شخصيّتي». اليوم، تعكف ديانا جبور على إدارة المرحلة التأسيسية لإطلاق «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي» في سوريا، كذلك، تدرس مجموعة من النصوص لإنتاجها، إضافةً إلى استكمالها سيناريو تلفزيونياً كانت قد بدأت بكتابته منذ تسع سنوات. هل تنجح المبدعة والمثقّفة في استعادة نفسها من دوّامة العمل الإداري في متاهات المؤسسة الرسميّة.
5 تواريخ
1961
الولادة في اللاذقية
1983
تخرّجت من «معهد الصحافة» في دمشق
1999
تسلّمت رئاسة القسم الثقافي في جريدة «الثورة»
2005
كانت أول امرأة تتسلّم إدارة التلفزيون السوري
2010
حاليّاً مديرة «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي» وتستعد لإعادة كتابة أحد سيناريوهاتها التلفزيونية.
وسام كنعان
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد