وفاة العلامة محمد حسين فضل الله
غيب الموت، الأحد، الزعيم الروحي لجماعة حزب الله اللبنانية، محمد حسين فضل الله، إثر نزيف داخلي حاد تعرض له قبل أيام.
ونعى حزب الله في بيان رحيل العلامة واصفاً فيه فقدانه بـ"الخسارة الكبيرة التي منيت به ساحاتنا مع تأكيده ببقاء علمه وجهاده ومواقفه نبراساً للمجاهدين الأحرار.".
وجاء في البيان: "وهو الذي وقف بكل جرأة ووضوح نصيراً للمقاومة ضد العدو الصهيوني وللمجاهدين الأبطال، حيث تشهد الساحة تحديه وتصديه للإحتلال وأفعاله الإجرامية، والأثمان التي دفعها نتيجة لمواقفه، وعبَّر عن رفضه لمؤامرات الاستكبار. لقد كان من أبرز الداعين والملحِّين إلى الوحدة الإسلامية محارباً التفرقة والفتنة، وعاش مع الناس في شؤونهم وشجونهم وتوجيهاتهم"، وفق موقع قناة "المنار" التابعة لحزب الله.
ونعاه رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، في بيان جاء فيه:"يخسر لبنان بغياب العلامة السيد محمد حسين فضل الله مرجعية وطنية وروحية كبرى،اسهمت اسهاما فعالا في ترسيخ قيم الحق والعدل لمقاومة الظلم، واضافت إلى الفكر الإسلامي صفحات مميزة ستتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل."
وكان مسؤول في مكتب المرجع الديني قد أكد الجمعة، أن فضل الله، يرقد في إحدى مستشفيات العاصمة بيروت "في حالة حرجة"، ونفى مكتبه، في ذات الوقت تقارير إعلامية تحدثت عن وفاته.
وجاء في بيان صدر عن مكتب المرجع الشيعي، البالغ من العمر 75 عاماً، أنه "لا صحة على الإطلاق للشائعات التي تحدثت عن وفاة سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله، أو أن حالته ميؤوس منها"، وأكد البيان "استمرار المحاولات من قبل الأطباء، لوقف النزيف الداخلي الذي تعرض له."
كما أصدرت إدارة مستشفى "بهمن"، التي يُعالج بها، بياناً مماثلاً، في ذات الوقت، أكدت فيه أن "الحالة الصحية للسيد فضل الله مستقرة، ولا صحة للأخبار التي يتداولها البعض عن أن حالته باتت سيئة جداً أو ميؤوس منها، ولا للإشاعات التي ذهبت إلى أبعد من ذلك"، وفق ما نقلت قناة "المنار" التابعة لحزب الله.
ويعتبر العلامة السيد محمد حسين فضل الله لأربعين عاما مرجعية بارزة في المذهب الشيعي، واشتهر بوصفه واحدا من رموز الاعتدال، وعده مؤيدوه مجددا في الفكر والمذهب وداعيا إلى الوحدة الإسلامية.
واكتسبت آراؤه السياسية أهمية فائقة، حتى إن الولايات المتحدة أدرجته مع الأمين العام لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله على قائمة الإرهاب منذ العام 1995.
ولد فضل الله في مدينة النجف بالعراق عام 1935 حيث كان والده عبد الرؤوف قد هاجر إليها من لبنان لتلقي العلوم الدينية، وترعرع في النجف وأتم دراسته الدينية على أيدي مراجع دينية معروفة ثم عاد إلى لبنان عام 1966 ليؤسس حوزة علمية عرفت بحوزة المجلس الشرعي الإسلامي.
ويطلق على السيد محمد حسين فضل الله آية الله العظمى، وهو لقب يطلقه الشيعة على كل من يحصل على درجة الاجتهاد في الفقه الشيعي، وقد جمع فتاواه في كتاب فقه الشريعة المكون من ثلاثة أجزاء، وهناك اختلاف في اجتهاده وبعض المراجع الشيعية لا يقرون له بالمرجعية.
وينظر إلى فضل الله الذي توفي في 4 يوليو/تموز 2010 على أنه امتلك الجرأة العلمية على طرح نظرياته الفقهية. ويعد من أكثر علماء الشيعة انفتاحا على التيارات الأخرى. وتتميز فتاواه وأفكاره بمناقشة المسلمات خصوصا في الفكر الشيعي ما أدى إلى معارضة قوية من بعض المراجع الشيعية، ولا سيما إنكاره لقضية كسر ضلع السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها بحيث عمد بعض مراجع الشيعة إلى اعتباره "ضالا ومضلا".
ولفضل الله العديد من المؤلفات بينها 8 كتب فقهية و16 كتابا في الإسلاميات و16 محاضرة و5 كتب في شرح القرآن الكريم و5 كتب أدعية و8 كتب تتناول سيرة أهل البيت و4 كتب اجتماعية و3 دواوين شعر و10 كتب جمع فيها فتاواه.
وأسس فضل الله 6 مدارس و3 معاهد للتعليم الفني والتربوي والصحي و4 مبرات خيرية وقفية و3 مستشفيات ومركزا صحيا و3 مراكز لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ومركزين ثقافيين دينيين.
كان فضل الله من المؤيدين للثورة الإسلامية في إيران وعد المرشد الروحي لحزب الله لدى تأسيسه عام 1982، لكنه ابتعد عنه بعد سنوات نتيجة تباين في وجهات النظر حول المرجعية الدينية، إذ سعى فضل الله إلى تأسيس مرجعية مستقلة للحزب الشيعي الذي تدخل "ولاية الفقيه" في صلب عقيدته، وهي النظرية التي تعتمدها إيران رسميا.
كان معروفا في الأوساط الدينية الشيعية بالاعتدال في وجهات نظره الاجتماعية خاصة بشأن النساء، حيث أصدر عدة فتاوى أو آراء دينية بارزة، من بينها تلك التي تحظر على الشيعة عادة ضرب الرؤوس بآلات حادة أثناء مراسم عاشوراء إحياء لمقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما.
كما أصدر عدة فتاوى ضد جرائم الشرف، وكان يقول إن النساء اللواتي يتعرضن لسوء معاملة على أيدي أزواجهن يمكنهن ضرب أزواجهن دفاعا عن النفس.
اعتبر العلامة الراحل من أشد المنتقدين للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط وتحالفها مع إسرائيل، لكنه أشاد بالرئيس الأميركي باراك أوباما في بادئ الأمر قائلا إنه "لا يعوزه الصدق" عندما قال أوباما إن إدارة الولايات المتحدة ليست في حالة حرب مع الإسلام.
ومع ذلك انتقد فضل الله في وقت لاحق الإدارة الأميركية قائلا إنها تخدع العرب والمسلمين عبر إيهامهم بأنها ترسم سياسات بعيدة عن سياسات الرئيس السابق جورج بوش.
ودعا فضل الله دائما إلى المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان والأراضي الفلسطينية. وتعرض لعدة محاولات اغتيال بما في ذلك انفجار سيارة ملغومة عام 1985 أدى إلى مقتل 80 شخصا في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وقد اتهم حينها الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء عملية الاغتيال ردا على تفجير مقر لقوات البحرية الأميركية قرب مطار بيروت قبل محاولة الاغتيال بأشهر.
المصدر: وكالات
إضافة تعليق جديد