إسرائيل تطلق المناورة الداخليةالكبرى في تاريخها وتطمئن سوريا ولبنان
بدأت إسرائيل يوم أمس المناورة الداخلية الأكبر في تاريخها، والرابعة منذ حربها على لبنان عام 2006 في ظل تناقض تام بين إشاعتها للمخاوف من ناحية ومحاولتها بث رسائل التطمين من ناحية أخرى. فالمناورة المسماة «نقطة تحول 4»، وخلافاً لكل مناورات الماضي، تشي بحجم المخاوف التي تهيمن على العقل الإسرائيلي حيث تنتشر سيناريوهاتها في كل مكان، وتتعامل مع كل أنواع المخاطر الحربية التقليدية وغير التقليدية. لكن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو انتهز جلسة الحكومة الأسبوعية ليطلق رسالة تهدئة للدول العربية بأن إسرائيل غير معنية بالحرب وأن المناورة إجراء روتيني.
وبدأت المناورة، التي تستمر حتى يوم الخميس المقبل، بسيناريو يحاكي اليوم الخامس عشر من حرب شاملة تشارك فيها سوريا وإيران وحزب الله، حيث يتعرض كل مكان في الدولة العبرية لهجمات صاروخية تقليدية وغير تقليدية. وهكذا فإن أكثر من بلدة يهودية تتعرض لسقوط صواريخ غير تقليدية (كيميائية أو بيولوجية) ويتم إجلاء مئات الآلاف من السكان إلى مناطق أكثر أمناً في عملية لوجستية معقدة. ويتدرب الإسرائيليون وفق مبدأ أن لا مكان آمناً في إسرائيل، وأن صواريخ سوف تسقط على مقر القيادة العسكرية «هكرياه» في تل أبيب، وعلى قواعد جوية وعسكرية أخرى، وعلى مخازن الطوارئ والإمداد. وتأخذ بالحسبان استخدام كل أنواع الصواريخ المتوفرة لدى سوريا وإيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بما في ذلك صواريخ «سكود» و«إم 600».
وستبلغ المناورة ذروتها بعد غد الأربعاء عندما تطلق صافرات الإنذار في كل أرجاء إسرائيل لتلزم السكان بالدخول إلى الملاجئ والغرف الآمنة لمدة عشر دقائق. ولكن ذلك لا يعني أن صافرات الإنذار لن تطلق قبل ذلك في العديد من المناطق لاعتبارات تدريب تكتيكي. وبين التدريبات الجزئية التي ستجري في عدد من المواضع التدرب على انهيار مبان عامة في القصف الصاروخي، وتعرض مستشفى رمبام في حيفا، وأحد السجون، لهجوم كيميائي وتضرر البنى التحتية ما يستدعي توزيع مياه.
ولا تقتصر المناورة فقط على قطاعات الخدمة العامة والبنى التحتية الأولية وإنما ستتناول هذه المرة إمكان تعرض قطاع الاتصالات والإنترنت للانقطاع أو حتى لهجمات ألكترونية. وسيقوم الجيش الإسرائيلي باختبار منظومة الطوارئ في شبكات الهواتف المحمولة وتوزيع الأقنعة الواقية. وستجري المناورة في 86 سلطة محلية في أرجاء إسرائيل يقيم فيها حوالى 70 في المئة من سكان الدولة العبرية.
وكان حجم المناورة ونوعية السيناريوهات القائمة عليها قد أثارت سجالاً في إسرائيل بين من يرون ضرورتها، وبين من يعتبرون أنها تبث الذعر. ويرى قسم من الخبراء العسكريين في إسرائيل أن التركيز على البعد الدفاعي مضيعة للجهد والمال وأن الضرورة تقضي بالتركيز فقط على البعد الهجومي الردعي.
وبغض النظر عن مدى صحة التقديرات حول التوقيت فمن المهم ملاحظة أنها تجري في أجواء الاحتفالات في لبنان بالذكرى العاشرة لتحرير الجنوب والنجاح في طرد الاحتلال للمرة الأولى من دون إبرام اتفاقيات سياسية أو عسكرية. كما لا يمكن إغفال حقيقة أنها المناورة الرابعة التي تجريها إسرائيل في هذا الموعد تقريباً منذ انتهاء عدوان عام 2006 على لبنان.
وأعلن قائد الجبهة الشمالية الجنرال غادي آيزنكوت أن «الجليل لم يشهد تقريباً منذ قيام الدولة فترة هدوء كهذه، ونحن سنواصل العمل من أجل المحافظة على هذا الخط». وجاء هذا الإعلان بعد مطالبة رؤساء المجالس المحلية في الشمال قيادة الجيش الإسرائيلي بإطلاق رسائل تهدئة للجمهور. وأخبر هؤلاء قيادة الجيش بالخوف لديهم من احتمالات تدهور الوضع على الحدود مع لبنان. وأضاف آيزنكوت أن «الخوف الأكبر الذي يظهر في وسائل الإعلام هو من أنماط عمل حزب الله الذي يذكرنا بعض الشيء بالحرب الباردة في أوروبا. فنمط الردع المتبادل يخلق توتراً كبيراً والسؤال حول متى سيقع الحادث التالي لا يرتبط بجهة واحدة وإنما بمنظومة عوامل ليست جميعها مرتبطة بنا. والسؤال هو فقط ما الذي سيحدث ليدفع الأمور نحو صدام آخر، وبتقديري ليس لأحد اليوم مصلحة في بدء مواجهة أخرى». وأضاف: «يمكن ردع دول ومنظمات عن العمل ولكن يستحيل ردع دول ومنظمات عن زيادة قوتها ولذلك فإننا نستعد لحرب شاملة خلال بضع ساعات، سواء على مستوى القادة أو على مستوى تجنيد المقاتلين».
وانضم رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى مطلقي رسائل التهدئة إلى لبنان وسوريا فأعلن أن «الأمر يتعلق بمناورة روتينية تقررت قبل زمن طويل. وهي ليست محصلة أية تطورات أمنية استثنائية... بل على العكس، فإن وجهة إسرائيل هي نحو الهدوء والاستقرار، ولكن ليس سراً أننا في منطقة تتعرض لمخاطر الصواريخ والقذائف». وأضاف إن «الدفاع الأفضل هو تطوير الردع والدفاع. ونحن نستثمر أموالاً طائلة. وإلى جانب ذلك، من المهم زيادة وعي الجمهور بمسائل الحماية». وأشار إلى أن هذه هي السنة الرابعة على التوالي التي تجري فيها المناورة.
بدوره أكد وزير الدفاع إيهود باراك أنه ليست لإسرائيل أية نيات لشن حرب على أي من جيرانها، ولكنها تدرك الحاجة لأن تكون جاهزة ومستعدة لمواجهة كل احتمال. وأضاف «للمرة الرابعة منذ حرب لبنان الثانية نبدأ مناورة نقطة تحول، حيث تشارك فيها عشرات السلطات المحلية وعشرات آلاف رجال الأمن والإنقاذ للتدرب واستخلاص كل العبر. إننا لا ننوي شن حرب، ونحن نسعى لتحقيق الهدوء والسلام. إن دولة مثل إسرائيل ينبغي أن تكون مستعدة. ونحن مستعدون».
تجدر الإشارة إلى أن رسالة تهدئة فحواها أن «وجهة اسرائيل ليست نحو الحرب»، نقلتها شعبة التخطيط في الجيش الاسرائيلي الى جميع الملحقين العسكريين المعتمدين، وكذلك عبر قنوات أمنية الى كل من مصر والأردن. وطلبت اسرائيل نقل الرسالة بأنه ليست للمناورة أية نيات هجومية على سوريا ولبنان ايضاً. كما أنه في اطار مساعي التهدئة الاسرائيلية قررت وزارة الخارجية استدعاء السفراء الأجانب الثــلاثاء في 25 من هـــذا الشــهر، قــبل يوم من ذروة المناورة.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد