مستقبل تنظيم القاعدة في العراق بعد اغتيال أمرائه

20-04-2010

مستقبل تنظيم القاعدة في العراق بعد اغتيال أمرائه

الجمل: شهدت الساحة العراقية يوم أمس الاثنين تطورا عسكريا أمنيا مثيرا للاهتمام تمثل في المعلومات القائلة بأن قوات الأمن العراقية قد نجحت في اغتيال اثنين من أكبر زعماء تنظيم القاعدة في العراق:فما هي مصداقية ذلك وما هي الدلالات السياسية العسكرية الأمنية لهذا الحدث؟

توصيف المعلومات الجارية:
تقول المعلومات الجارية بأن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وأيضا السيناتور جو بايدن نائب الرئيس الأميركي أوباما قد أعلنا من العاصمة العراقية بغداد والعاصمة الأميركية واشنطن على الترتيب بأن قوات الأمن العراقية قد نجحت في تصفية اثنين من أبرز زعماء تنظيم القاعدة في العراق وهما: أبو أيوب المصري إلى اليمين- أبو عمر البغدادي إلى اليسار
- أبو حمزة المهاجر, المعروف بالاسم الحركي أبو أيوب المصري, والذي كان يتولى مهمة القائد المسئول عن تنظيم القاعدة في العراق, خلال الفترة الممتدة من لحظة اغتيال القائد السابق أبو مصعب الزرقاوي وحتى الأمس.
- حامد داود محمد خليل الزاوي المعروف بالاسم الحركي أبو عمر البغدادي, والذي كان يتولى قيادة الواجهة السياسية لتنظيم القاعدة والتي كانت تحمل اسم دولة العراق الإسلامية, وهي مظلة انضوت تحتها العديد من الجماعات الأصولية الإسلامية ذات التوجهات السنية السلفية.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تزعم فيها حكومتا واشنطن وبغداد بأن قواتهما قد نجحت في القضاء على بعض قادة تنظيم القاعدة الرئيسيين في العراق, فقد سبق أن زعمت بغداد وواشنطن لأكثر من مرة أنها قد قضت على أبو أيوب المصري وأبو عمر البغدادي, وبعد فترة ظللنا نسمع المزيد من المعلومات التي تقول بأنهما مازالا على قيد الحياة, ولكن هذه المرة ما كان مثيرا للاهتمام ولافتا للنظر أن رئيس الوزراء نوري المالكي قد أعلن الخبر شخصيا وفي مؤتمر صحفي, وعرض الصور التي تسعى لإثبات صحة الوقائع وإضافة لذلك أكد نوري المالكي بأنه قد تم إجراء عمليات فحص الحمض النووي لجثث القتيلين, وأن هذه الفحوصات قد أكدت وأثبتت بما لا يدعو للشك بأن إحدى الجثث هي لأبي أيوب المصري والأخرى لأبي عمر البغدادي, ولكن برغم ذلك فقد تحدث بعض المحللين والخبراء والمختصين في شؤون القاعدة قائلين بأن اسم أبو أيوب المصري وأن اسم أبو عمر البغدادي هي مجرد كنيات متداولة لأشخاص غير معروفين على وجه الدقة ومن الصعب إثبات أن أبا أيوب المصري هو أبو حمزة المهاجر وأن أبا عمر البغدادي هو حامد داود محمد خليل الزاوي, وبالتالي من الممكن أن يكون تنظيم القاعدة قد استخدم هذه الألقاب لهذين الشخصين على سبيل التمويه, وهذا معناه أن تنظيم القاعدة من الممكن بعد بضعة أيام أن يصدر بيانا يكذب فيه مزاعم المالكي والسيناتور بايدن.

مكافحة التمرد في العراق: تعاون واشنطن-بغداد إلى أين؟
أشارت التسريبات إلى أن تخمينات قوات الأمن العراقية والقوات الأميركية في العراق قد أجمعت على أن عملية اغتيال زعيم القاعدة السابق أبو مصعب الزرقاوي لم تسفر عن إضعاف تنظيم القاعدة وإنما جددت المزيد من الحيوية الحركية ورغبة العناصر الأصولية في الانتقام عن طريق تصعيد المواجهات لتنفيذ المزيد من العمليات المسلحة الجريئة, وأشارت هذه التخمينات بأن تنظيم دولة العراق الإسلامية, وتنظيم القاعدة في بلاد ما بين النهرين قد أظهرا المزيد من النوايا لجهة استغلال وتوظيف الأهداف المدنية الهشة كما في حادثة تفجيرات خمسة نيسان (أبريل) 2010م الماضي لبعض المباني الحكومية في بغداد, وبالتالي فإن عمليات تصفية بعض زعماء ورموز القاعدة من الصعب القول بأنها يمكن أن تجدي نفعا في القضاء على القاعدة.
زعم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأن قوات الأمن العراقية قد قامت بالجهد الاستخباري والميداني من خلال القيام بتنفيذ سلسلة من العمليات مما أسفر في نهاية الأمر عن نجاحها في الحصول على المعلومات اللازمة والتي شكلت طرف الخيط الذي قادها إلى تنفيذ عملية الاغتيال, وعلى الجانب الآخـر تقول مصادر واشنطن بأن قوات الأمن العراقية لم تقم بكامل العملية فالمعلومات الاستخبارية حصلت عليها واشنطن وتخطيط العملية تم بالمشاركة بين القوات الأميركية والقوات العراقية وعملية التنفيذ تمت أيضا بالمشاركة بين القوات الأميركية والقوات العراقية, وأضافت واشنطن أيضا بأن واشنطن ما كانت لتقوم بالسماح لقوات الأمن العراقية بالمشاركة معها ولكن لأن الاتفاقية الأمنية العراقية-الأميركية الثنائية قد جعلت من القوات الأميركية موجودة عمليا خارج المدن والقرى العراقية, وهو الأمر الذي فرض على القوات الأميركية الاستعانة بقوات الأمن العراقية في تنفيذ العملية.

إشكاليات مكافحة القاعدة: الأسئلة الشرق أوسطية الحرجة
شهدت فترة الحرب الأفغانية السوفييتية دخول العديد من الإسلاميين العرب المتطوعين إلى أفغانستان لجهة القتال إلى جانب الفصائل الإسلامية المسلحة الأفغانية, وبعد خروج القوات السوفييتية من أفغانستان اندلعت المعارك بين الفصائل المسلحة الأفغانية, الأمر الذي أصبح معه المتطوعون العرب أكثر اهتماما بعدم المشاركة في القتال والسعي إلى تعزيز المصالحة بين الفرقاء الأفغان, وفي هذا الوقت بالذات, فقد انقسم المتطوعون العرب إلى مجوعتين الأولى آثرت العودة إلى بلدانها العربية مشكلة ما يعرف بظاهرة الأفغان العرب في كل بلد على حدا, والثانية آثرت البقاء في أفغانستان وباكستان مشكّلة ما عرف بظاهرة المهاجرين العرب, وكان قوام هذه المجموعة يتضمن بالشكل الرئيس العناصر الأكثر تطرفا والتي كانت مطاردة بواسطة أجهزة بلدانها, هذا وقد نجح السعودي أسامة بن لادن في تجميع المهاجرين الموجودين في أفغانستان وباكستان مكونا ما عرف بتنظيم القاعدة, ثم عمل بعد ذلك على تجميع الذين عادوا إلى بلدانهم ضمن ما عرف بمجموعات شبكة القاعدة في البلدان العربية.
هذه المعلومات المشار إليها معروفة ومتبادلة بشكل واسع بين الخبراء والمحللين ولكن ما هو معروف يتمثل في الإشكاليات الحرجة والتساؤلات ذات الطبيعة المعقدة المرتبطة بها, وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى الآتي:مخطط الحلقة الرئيسية التي بدأ بها تنظيم القاعدة
- الإشكالية الأولى: الطبيعة المتغيرة لتنظيم القاعدة, ساد اعتقاد لفترة طويلة بأن تنظيم القاعدة يخضع لقيادة مركزية يسيطر عليها السعودي أسامة بن لادن ونائبه المصري الدكتور أيمن الظواهري, ولكن تبين لاحقا أن شبكة تنظيم القاعدة (القاعدة في بلاد ما بين النهرين-القاعدة في الجزيرة العربية-القاعدة في المغرب العربي-..... وهلمجرا), هي وإن كانت تنضوي ضمن شبكة القاعدة فإنها تتمتع بقدر كبير من اللامركزية والاستقلالية عن قيادة أسامة بن لادن-أيمن الظواهري.
- الإشكالية الثانية: الطبيعة المتغيرة لعناصر القيادة: خلال السنوات الماضية ظللنا نسمع بأن قادة تنظيم القاعدة في المناطق والفروع المختلفة, هي قيادات تتكون بالأساس من عناصر جاءت من أفغانستان أو من عناصر جاءت من بلدان عربية أخرى, أو من عناصر محلية, وحتى الآن من الصعب تحديد من هي هذه العناصر خاصة وأن حركة عناصر القاعدة بين البلدان العربية تجد المزيد من التسهيلات بسبب دقة عمل شبكات القاعدة وخبرتها في تحريك عناصرها من منطقة إلى أخرى, وما هو أخطر من ذلك يتمثل في مرونة هذه العناصر لجهة التكيف مع الأوضاع الاجتماعية التي يعيشون ضمنها.
الإشكاليتان الأولى والثانية, سوف تظلان لفترة طويلة قادمة تشكلان العقبة الرئيسية أمام من يحاولون تتبع ومطاردة تنظيم القاعدة, وعلى سبيل المثال لا الحصر الكثير من زعماء وعناصر القاعدة أصبحوا يرتبطون بعلاقات زواج بما أدى إلى نشوء المزيد من الروابط الأسرية الاجتماعية الأمرالذي جعلهم أشبه بالعائلة الواحدة, ومن أمثلة ذلك العديد من عناصر القاعدة الأردنيين والمصريين والعراقيين واليمنيين الناشطين في العراق, قد ارتبطوا بعلاقات زواج في البيئات الريفية العراقية, وذلك على النحو الذي جعل من العشائر العراقية توفر لهم الملاذ الآمن والحمائية, خاصة وأن أبناءهم وبناتهم يعتبرون جزءا منها.
إذا فتنظيم القاعدة قد طور أدوات انتشاره وتمدده إضافة إلى أدوات التأمين والحماية وذلك من خلال عملية التغلغل ليس في البيئة السياسية وإنما البيئة الاجتماعية عن طريق اختراق النسيج الاجتماعي, وعلى هذه الخلفية وكما هو واضح فإن واشنطن التي صفت أبو مصعب الزرقاوي, ثم بعد ذلك اضطرت وعلى مدى أربعة أو ثلاثة أعوام إلى مطاردة من تولى مقعد أبو مصعب الزرقاوي, سوف تجد ننفسها الآن مضطرة لإنفاق بضعة سنوات أخرى من أجل التوصل إلى من حل محل أبو أيوب المصري وأبو عمر البغدادي, وهو أمر ما كانت واشنطن لتجد نفسها مضطرة إلى تكبد مشاقه لولا أنها أخطأت خطأ فادحا عندما سعت إدارة بوش الجمهورية إلى غزو واحتلال العراق وإلى غزو واحتلال أفغانستان وإلى توسيع دائرة الحرب ضد الإرهاب في باكستان واليمن والصومال: يضاف إلى ذلك الدعم الأميركي المفتوح لإسرائيل, والذي أصبح العديد من الخبراء الأميركيين يطلقون عليه تسمية الغباء الأعمى, والذي لم يعد على واشنطن بشيء سوى إهانات تل أبيب لرموز الإدارة الأميركية, وتمدد شبكات تنظيم القاعدة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...