تلازم المسارات السورية اللبنانية الإيرانية
حين يقول مرشد الثورة الاسلامية في ايران علي اكبر خامنئي، ان إيران قررت تخصيب اليورانيوم وبنشاط، فهذا يعني أن شد الحبال لا يزال في أوجه بين طهران وواشنطن، ولذلك فان وضع لبنان يبقى في حال من الترقب، ولا تزال بالتالي مخاطر استئناف الحرب قائمة.
وحين يتحدث الرئيس السوري بشار الاسد عن منطق المقاومة، فهذا يعني أن دمشق تريد تذكير المجتمع الدولي بدورها في المنطقة وباستحالة توفر حل دائم في لبنان، بدون اشراك سوريا. ولذلك فان القلق الفرنسي يتعاظم حيال احتمال المشاركة في قوة السلام الدولية، وسط خشية فرنسية واضحة من ان تصبح قواتها عالقة بين نيران عدة.
وحين يصل امير قطر الشيخ حمد من دمشق الى بيروت، ويزور قصر بعبدا ويجري محادثات مع الرئيس اميل لحود، فان في الأمر ما يشير الى ان الامور في لبنان ليست متروكة للسعودية ومصر والاردن عربيا، وان ثمة رغبة جدية لدى قطر وبعض الدول العربية في اعادة بناء الجسور بين سوريا ولبنان والحؤول دون استخدام الورقة العربية ضد سوريا والحديث بمنطق مغاير.
وبين هذه وتلك تظهر تصريحات اسرائيلية تتحدث عن احتمال الحوار مع سوريا، ثم تصدر تصريحات أخرى إسرائيلية أيضا تناقض ذلك وتقول ان لا حوار مع دمشق دون تخلي هذه الاخيرة عن الارهاب. وهو كلام كان الاميركيون قالوه قبل اسرائيل في توصيفهم لعلاقتهم مع نظام الرئيس بشار الاسد، وهو في حد ذاته كلام مهم ذلك انه لا يقول باستحالة الحوار مع دمشق وانما يطالب سوريا بتحسين ظروف هذا الحوار، ما يعني ان الباب مفتوح.
وقد أكد عدد من المحللين (وبينهم سيمور هيرش في مقاله في نيويوركر) حقيقة الارتباط القائم بين المقاومة وايران، ليس في مجال دعم حزب الله وحسب، وإنما في سياق النظرة الاميركية الاسرائيلية الى الملف الايراني، فما حصل على أرض لبنان شكل بالون اختبار حقيقيا لما كان سيحصل على ارض ايران.
وجاء النصر العسكري للمقاومة ليجعل ايران وسوريا أكثر قدرة على رفع مستوى الخطاب السياسي والانتقال من مرحلة الدفاع عن النفس والتفاوض الصعب مع الغرب الى مرحلة الهجوم الكلامي الكاسح.
ومن يراقب عن قرب تلك التصريحات سيجد ان خطاب الاسد تزامن مع خطاب متشدد في ايران وآخر من السيد حسن نصرالله والجميع كانوا ينطلقون من منطق المقاومة ومواقع القوة وليس من موقع الضعف الذي كان سائدا خصوصا بعيد اغتيال رفيق الحريري.
الواضح اذا ان الشرق الاوسط الجديد الذي بشر به الرئيس جورج بوش سقط في امتحانه الاول بعد الهزيمة الاسرائيلية، وسقطت معه محاولة بعض الدول العربية في التخويف من الهلال الشيعي، فصار لا بد من ايجاد وسائل جديدة للمواجهة في المنطقة يستند بعضها الى محاولة فك الارتباط السوري الايراني.
واليوم تبدو الدول الغربية أمام محنة حقيقية في لبنان، ذلك ان ثبات وقف اطلاق النار والانتقال الى مرحلة التسوية السياسية، يتطلبان حوارا مع طهران ودمشق طالما ان الدولتين وباعتراف هذه الدول من واشنطن الى باريس، مسؤولتان عما حصل وداعمتان لحزب الله.
وأمام هذا الواقع، تبدو الخيارات محدودة، فاما ضرب ايران عسكريا وهذا سيكون باهظ الثمن، خصوصا بعد هزيمة اسرائيل في لبنان، واما فرض عقوبات اقتصادية عليها ما يعني دفع ايران لاستئناف نشاطها النووي غير المدني، او محاولة لفك الارتباط السوري الايراني عبر تقديم اغراءات هائلة لدمشق تبدأ بالسلام وتصل الى لبنان، وهذا لا يبدو قريب المنال نظرا لثبات التحالف بين الدولتين حتى الآن لاسباب مصلحية كثيرة، أو في اسوأ الاحوال الاستمرار في عزل سوريا مقابل انفتاح على ايران.
يبدو وفق معظم التحليلات والتصريحات الاميركية والاسرائيلية ان ايران هي العدو الاكثر خطورة حتى الآن، ولذلك بدأت تظهر اصوات في اميركا واسرائيل تقول ان استئناف الحوار مع دمشق سيكون أكثر سهولة وأكثر نجاعة، حتى ولو ان الرئيس الفرنسي جاك شيراك يريد العكس ولا يزال يفضل ايران.
وبعض أصحاب نظرية الحوار مع دمشق يقولون، ان لبنان عرف عبر تاريخه 5 حركات مسلحة هامة، اولها الحركة الوطنية اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية والقوات اللبنانية وتمرد العمال ميشال عون، وكل هذه الحركات انتهت قبل او بعد تسوية اميركية سورية، ما يعني ان اي تفكير بانهاء سلاح حزب الله يجب ان يتم من خلال تسوية مماثلة.
ولكن اصحاب هذه النظرية يطرحون سؤالين اساسيين، اولهما، هل ان سوريا لا تزال هي صاحبة الكلمة الفصل في حزب الله، ام انها فقدت الكثير من دورها امام ايران، والثاني، هل ان حزب الله نفسه خاضع داخليا لنظرة موحدة ام ان فيه تيارين على الاقل منقسمين بين ايران وسوريا.
تريد ايران اظهار نفسها على أنها اللاعب الاول في المنطقة، ولا شك ان في ذلك ما يزعج ضمنيا سوريا، وتريد ايران القول أيضا للغرب بانها لم تعد تخشى شيئا، ولكنها تماما كالاميركيين تدرك ان رفع مستوى الخطاب السياسي الى هذه المرحلة لا يستهدف المواجهة العسكرية وانما تحسين شروط التفاوض السياسي.
وبانتظار تطور الملف الايراني بين منطق الحرب او منطق التسوية، سيبقى كل كلام عن نزع سلاح حزب الله غير منطقي في لبنان، وستبقى الازمة اللبنانية مفتوحة على كل الاحتمالات، وليس مستبعدا ان تحصل تحرشات تنتقل الى عمليات عسكرية محدودة ثم قصف فتوتر، ذلك ان مثل هذه الخضات العسكري تكون عادة ذات ابعاد سياسية مقصودة ومطلوبة.
من المهم النظر اذا الى خطابات خامنئي واحمدي نجاد وبشار الاسد على أنها محاولة للقول للاميركيين والاوروبيين بان ما كان مقبولا قبل معركة لبنان لم يعد واردا الآن، والقول أيضا ان اي مغامرة عسكرية في ايران ستكون باهظة الثمن، وانه من الافضل ان تعود واشنطن الى منطق الدبلوماسية والتفاوض وليس الحرب.
هذا هو الكلام المنطقي، اما المخاطر فهي لا تزال كبيرة خصوصا في ظل ادارة اميركية مغامرة وغير آبهة بسفك الدماء، وادارة اسرائيلية غبية تعتقد انها قادرة على تعويض هزيمتها في لبنان بمغامرات أكثر خطورة، ولذلك فان الخطاب الايراني المتشدد يأتي في هذا الوقت بالضبط للجم المغامرات وليس للاعداد للحروب.
سامي كليب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد